شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التحرُّر من الوهم
• في البداية... لم يكن الخوف، ومع ذلك فقد استيقظ "الداخل" في النفس، وأصغي!
في التلفت... لم يكن حزناً، كان "التوقف" عند محطة زمنية خوفاً من ضياع أشياء النفس، خوفاً من صدمة الفقد.. عندما تصبح قضية "الإحساس" الأولى سهماً من هذا السؤال الفاجع:
ـ إلى أين... خطوات بلا درب؟!
ولا بد أن يضطر "الواحد" و "الواحدة" من الناس إلى وقفة قصيرة، ليفعل ما طرحه "كاتب" كان يناقش مشاكل الجيل المعاصر، فقال:
ـ "الحياة تعني: العمل، والأصدقاء، والحب، والهواية، والرياضة، والنوم، والموت.
الحياة تعني: أن تُخْبَر كل شريحة منها على حدة، وتفهمها، وتذوقها، وتعيش وتسعد، ثم تموت!
وفي الإقدام على هذه الأسس للحياة.. نحن نحتاج إلى وقفة تأمل: كيف عشنا، وما هي الآمال التي حققناها، وكيف استطعنا أن نحول أنفسنا بالنظر إلى الظروف، وبإخضاعها"؟!
هذه العبارة الطويلة، المتعاقبة صوراً وتفصيلاً، أحسبها أطول سؤال يطرحه الإنسان على حياته، ويمضي عمره كله في الإجابة عن فقراته حتى يصل إلى فقرة "الموت"، فيقول: لا أريد أن أموت!
وهذه العبارة - أيضاً - كانت الفم المفتوح بتخويف، ضمن بحث مستفيض قديم كتبه "محيي الدين محمد"، وجعل عنوانه في شكل سؤال:
• "كيف نحرر جيلاً من الوهم"؟!
أضحكني السؤال، وأخافني!
تذكرت "مارلين مونرو" التي بقيت لحظة موتها أو انتحارها لغزاً يتردد حتى اليوم.
لقد استلقت ذات يوم على ظهرها مستغرقة في قهقهة عالية وغريبة، ولم تكن قد اقترنت بعد بالكاتب الأمريكي "آرثر ميللر"... وحينما سئلت عن سبب ضحكها بكل هذا الفرح "العنيف"! ابتلعت ثمالة قهقهتها، وأجابت:
• أضحكني "اللاشيء"... وهو كل شيء!
ـ سُئلت: كيف... افصحي؟!
• قالت نحن جيل يقتات الوهم... فقد استطاع رجل أن يوهمني بأنه يصلح زوجاً لي، أنا "مارلين"، وأوهمته أنني سأتزوجه، ويبدو أنني سأفعل ذلك، ثم أموت!
أحزنني هذا التذكر لعبارة "مارلين" القديمة، لكنه جيل الوهم... فكيف يتحرر من ذاته؟!
ومادام أنه جيل هذه صفته... فمن الطبيعي أن يحتاج لوقفة عميقة، بعيدة النظر، ولمحطات يستعيد فيها أنفاسه، ويحصي ما ضيَّعه، ويلتفت خلفه... لا تحسُّراً، وإنما ليخاطب نفسه، يسألها ويجيب، ويتبين الصُّوى!
• • •
• أما ذلك الكاتب... فقد اهتم بالوقفة، اعتبرها وقود انطلاقة أخرى من محطة التوقف لمتابعة السير على دروب جديدة واسعة.
لقد اتهم الإنسان النفسي، واتهم وجدان الإنسان بأنه: رضخ للعادة، فأصبح يعيش التعود في أغلب جوانب حياته، وأوضح رأيه حين استطرد قائلاً:
• "كلنا نعيش بالعادة.. بدفعة الحياة السابقة.. بوقود الماضي، كقاطرة توقفت محركاتها الخاصة، تدفعها إحدى القاطرات القديمة.
نحن هذه القاطرة الحديثة المعطلة... في داخلنا الموقد، والآلات جاهزة، ونملك إمكانية الانطلاق.. لكننا نحتاج إلى الوقفة للتزود بالوقود، ثم ننطلق"!
وتجاوزاً لآراء سلفت من كُتَّاب، ومفكرين، وفلاسفة.. قالوا: إن أغلب نواميس الحياة الاجتماعية هي مجرد: "عادة"... تآلف معها الناس، ونسوا أنها من زمن سبقهم.. نقول: إن هذه العبارة فيها تجنٍ على طاقات الإنسان وقدراته، وفيها إهمال لإبداع العلم، وخطوات الحضارة.
إن الوقفة "القصيرة" مطلوبة من داخل نفوسنا، وكل "العادات" التي جاء إليها جيلنا وشبابنا وعصرنا... لا تبدو خطراً أمام العلم وداخل مفهوم العقل الواعي والباحث الذي يستنطق ساعات يومه، وأمانيه، وعمله.
الوقفة "القصيرة" في صورة.. هي ليست أكثر من زمن محدد مؤقت.. يتابع فيه "عالم" باحث، أو يتأمل فيه "فنان" طموح ونقي، أو يفكر فيه "فيلسوف" يخاطب العطاء الإنساني في لحظة استشراف الوجود.
والوقفة "القصيرة" - في صورة أخرى - هي كل شيء.. زمن غير محدد وبلا توقيت، وذلك في حياة العبقري والعاشق والمجنون.. وهي اصطدام بلحظة "إصغاء" في داخل الإنسان.
وأحياناً لا تبدو عليك بوادر "العبقرية"، ويحدث التوقف في داخل نفسك!
ولستَ مجنوناً، ولا عاشقاً.. لكنك أضعت الكثير من الرؤية، بنظرة لا تطل على شيء!
وأحياناً يعتريك جنون "الفقد" لمعنى من معانيك كإنسان، أو كعاشق، أو كمحب، أو كمتأمل مرتقب صبحاً يُسْفر ولا تعرفه، وتترصد نجمة لا تعرف إلى أين مسارها واتجاهها؟!
ومن الاضطرار ما قتل!
ومن الاضطرار ما رمَّد الوهج، وما كفأ الأماني والمسرات على وجهها.. فصرعها!
ومن الاضطرار ما سلب منا اللحظة التي نحياها، وجعلنا ريحاً تصفر في بيداء... أقسى من تلك التي كفَّنت "قيس"!
• • •
• عندما ترى لحظاتك العارية:
• لكي تصغي إلى ما في داخل نفسك.. عليك أن تتوقف قليلاً!
وحينما تفعل ذلك.. ترى غربتك والناس يرحلون، أو على الأقل: تتغير نفوسهم ومشاعرهم!!
لقد اكتأب "ستيفان زيفانج" ذات ليلة.. شعر بالاختناق يهشم صدره ويقبض أنفاسه، فخرج إلى حديقة بيته بعد منتصف الليل، وعند ساق شجرة حانية توقف واتكأ بكتفه عليها، وفي عينيه دمعة حائرة ترفض الانزلاق حتى لا يستريح بالبكاء.
وتجول تلك الدمعة في عينيه، وهو يستعيد نهاية يومه؟!
كان لا يعرف تبريراً للتصرف الذي فعله.. كان يذكر - فقط - تعاقب الأحداث: القصة كيف بدأت، كيف تطورت، وبعد ذلك كيف تعقدَّت.. كيف وضع حلاً ينهي القصة؟!
ويبدأ هو مع النهاية في معاشرة غربته، وكآبته، ووحدته، وحزنه الصامت!
كان يصغي "للداخل"، لأعماقه... كان أمام "التوقف" الذي اصطدم به فرحه، وغاضت بعده بسمته، وهو يردد بهمس:
ـ كان ينبغي أن أفعل ذلك.. كان ينبغي!!
والقصة مؤلمة في حياة "زيفانج"... لكنَّ عطاءها كان يمثل إشراقة الحياة في أيامه.
قصة "فتاة" وجد في خصالها: روعة المعايشة للأيام، وصفاء الحياة، وعذوبة الليل وهو يغفو، وطلوع الفجر حين يبزغ من ثنايا شعرها!
لكنه اضطر أن يتوقف، وأن يسرق يده من يدها، وأن يطلق آهة.. خُيِّل إليه أنها صعدت إلى تلك النجمة المتوقفة!
وحاول أن يتوارى... يهرب ويتعذب!
إن عذاب الحب تضحية، وإسعاد من تحب ليس "مِنَّة" عليك، وإنما "منحة" راحة لمستقبل من تحب، ولمحطاته التي يتوقف فيها وحده بدونك... فيتذكر أنك في حياته: صبحٌ كان، أشرقت عليه بعد ليلة ممطرة وتتذكر أنت أنها في حياتك نجمة كانت.. شهدت زمن أمطارك، وإخصابك، وإشراقك.
وبقي "زيفانج" غريباً، تائهاً... انطلق إلى دروب كثيرة، وتوقف عند محطات متتالية، لكنَّ "نبضه" كان قد تخلَّف عنه... بقي هناك معها يعيش في الزمن الذاهب عذاب الحب، وحصيلة الصفاء والنقاء!
• • •
• ويبقى كل إنسان يجري ويلهث... يبحث عن محطة يتوقف فيها، وعن الوقفة "القصيرة" تلك التي يستجلي فيها إحدى هاتين الحصيلتين:
• إما أن لا يبارح توقُّفه.. ويكتفي بمتابعة الزمن والأنجم، وتقلبات نفوس البشر، وتجميع الذكريات!
• وإما أن يعدو.. تطارده غربته إلى تيه النفس، لا يعرف مفتاح الدرب وانتهاءه، ولا يهمه بعد "الفقد" متى يصل؟!
كل إنسان يتذرع بما يسمى "عادة" في حياته، وفي مهادنته لبعض الأشياء، والمواقف، وفي تلاؤمه... غير أنه يبقى الرافض للأسباب التي حكمت عليه بالفقد للأشياء الغالية وللناس الأكثر قرباً وحباً إليه!
كل إنسان يحلم أنه عبقري... ويعيش بوهم أنه فرح!
ويظن أنه الذكي.. وعندما يحتدَّ: يتجرد من إنسانيته، وعندما يحب: ينسى أوهامه وذكاءه وعبقريته!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :808  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 476 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج