شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قُطَّاع الطريق السياسي
ـ الذين يُمسكون الآن أقلامهم للتدوين التاريخي، لهذه المرحلة العصيبة على ((النفسية)) العربية، التي تُقتل فيها ((الحرية)) باسم: الدفاع عن الحرية.. هم - أيضاً يُمسكون أنفاسهم، في هذه اللحظات الحُبلى بنَزَق الرعاع من قُطَّاع الطريق السياسي!
وفي البدء... أراد ((قائد)) قُطَّاع الطريق السياسي أن يستخدم (الكلمة) لإِظهاره، وتظهيره، وتلميعه.. فأنفق بلايين الدولارات من اقتصاد بلده، وقُوت شعبه في العراق... لإِقامة المهرجانات الأدبية، الثقافية: (المربد)، والفنية - المسرحية، والسينمائية، والغنائية - ولشراء ذمم وضمائر بعض أصحاب المطبوعات الصادرة من أوروبا باللغة العربية، لتُسبِّح بحمده، وشكره، وزعامته، و ((قادسيَّته))!!
ووظّف (الكلمة) في تشكيل الرعاع/الأتباع من خلفه.. والذين وحّدت بينهم: أحقاد، وأطماع، وسلوكيات اللصوص.. وجمّعت بينهم فرصة العمر التي قفزت بهم إلى مواقع السلطة والحكم في أوطانهم.. إما بواسطة الانقلاب العسكري، أو الانقلاب على رفقاء الدرب.. وإما بقوة خلفية من قوى دفعت بهم من الوراء لتنفيذ مخطط أطماع وأغراض!
وركز (( قُطَّاع الطريق السياسي )) على دور (الكلمة) لسجنها - أولاً - في التبعية لأنظمة حكمهم، ولتهديد كُتّابها، ولتوجيهها نحو رفع شعارات: قومية، وثورية، واستعلائية، غارقة في الإِدعاء، من أجل كسب الشارع العربي، وتهييجه في المواقف المُعدّة لحصد التأثير الشعبي... حتى بلغنا هذه المرحلة التي حوّلوا فيها (الكلمة) من صوت حق، وخير، وانتماء.. إلى صوت يطفح بالقذارات، والسباب، والحَرَد!
ولا بد أن (التاريخ) في هذه الفترة بالذات.. يقف مندهشاً أمام ما يجري فوق الساحة العربية من تصدع، وتهشُّم.. الخاسر فيهما أصحاب الأرض المحتلة.. والقَنَّاص من نتائجهما: الطامعون في الزعامة، والسيطرة، وسلب خيرات الأرض، وطمس عقيدتها وتراثها، واستعباد إنسانها!
والتاريخ المعاصر - في وقفته الحسيرة اليوم - يوقر سمعه هذا الشعار المخضّب بدماء الأبرياء... وقد رفعه (( قُطَّاع الطريق السياسي )) مردِّدين:
ـ لكي تحكم وتسود.. فلا بد أن تقتل من أمامك، ومن حولك، وتضع يدك على أرض جارك، وتُشرِّد شقيقك العربي!!
فما أسهل قتل الإِنسان العربي اليوم!
إن شعار (ميكيافيلي) الذي رفعه قائلاً: ((الغاية تبرر الوسيلة))... قد وظّفه ((قُطَّاع الطريق السياسي))، وحاكوا بخيوطه مؤامرتهم الكبرى على وحدة الجزيرة العربية... حتى أصبح هذا الشعار الميكيافيلي: منهاجاً قامت عليه أشكال الحكم والسلطة في: بغداد، وصنعاء، وعمان، والخرطوم، وتونس، كعاصمة مزدوجة لبلدين (!!).
إن (( الغاية )) - وهي سرقة ثروة الخليج ووضع اليد عليه - كانت دائماً في نوايا، وخطط عصابة ((قَطَّاع الطريق السياسي)).. التي تستهدف هذه الركائز:
ـ أولاً: تسييس الثقافة، والأدب، والفنون، وشراء المطبوعات، والمؤسسات الثقافية والفنية، وصب هؤلاء جميعاً في مجرى الإِعلام المُسمى: قومياً، ووطنياً، ونضالياً، وتقدمياً.. وتكوين خلايا تتمدد كالسرطان، وتتضخم، وتنتشر مثل بقعة الحبر إلى المهرجانات، والندوات و(الفعاليات) الثقافية، والفنية، والعلمية.. في داخل الوطن العربي الكبير، وحتى مقاهي باريس، وحدائق لندن.. لتتحول بقعة الحبر إلى بقع دم... تفترش فتصبح نهراً من دماء الأبرياء، والمخدوعين.. الذين يتم شراء أفكارهم، وضمائرهم.. أو تتم تصفيتهم جسدياً فوق أرصفة أوروبا!!
ـ ثانياً: سَعَت هذه العصابة إلى تقويض العقيدة، ومحاولة هدمها، وتخريب أذهان، وأفكار النشء.. بما تبثُّه من أفكار علمانية، وإلحادية، عبر المطبوعات التي اشترتها، وسخَّرتها لمهاجمة من وصَفَتْهم بالرجعيين، والتأخريين، والعملاء!
وقد جسّدت أبعاد مخططها - عبر استغلال الكلمة - في أحد شعاراتها التي رفعتها سنوات عديدة، وقالت:
ـ (إن الناس سجناء التاريخ، وأدوات لتحقيق غرض كوني يسير نحوه الجنس البشري بقوة.. لا يمكن مقاومتها)!!
ـ ثالثاً: إن هؤلاء الذين أشاعوا أنهم يعملون على مقاومة القوة التي لا يمكن مقاومتها إدعوا أنهم - كذلك - يعملون على إخراج الشعب العربي من سجن التاريخ الذي وضع نفسه في داخله!!
بينما يدل الاستنباط لأفعال ((قُطَّاع الطريق السياسي)) وأهدافهم، على أنَّهم أرادوا إدخال الشعب العربي كله في سجن (موحّد) ضيِّق، وعفن.. يعيشون في اختناقه وِفْق سياسة القمع، والإِرهاب، وغسل الدماغ، وخلخلة معاني الحياة الجميلة، ونقاء الحب!!
* * *
يتساءل المؤلف المسرحي (( الفريد فرج )) عن ((نقطة التقصير))... فيقول:
ـ ((إننا نقف شهوداً على انقسام عربي خطير.. فهل أدَّت الثقافة العربية واجبها.. وهل كانت الأجهزة الثقافية، ومنابر الفنون، وميزانيات الثقافة والإعلام، وتُعدّ بمئات الملايين سنوياً، هل كانت هذه الأموال تُكرس في الاختيار الصحيح، وهل كانت تحمل المسؤولية على الوجه الأكمل))؟‍‍!!
سؤال مباشر وإلزامي في هذا (الزيغ)، والافتئات، والتدليس!
ـ إعلام الرئيس ((صدام حسين)) أنفق (870) مليون دولار على الإعلام العربي، وسخَّره طوال عشر سنوات ليتحدث عن ((قادسيَّته، وفَاوِه))... وليُمجّد في أعماله: ((القومية، والوحدوية، والنضالية)) وشعبه يموت جوعاً، وجلاوزته يمارسون تصفيات الشرفاء والأحرار: قتلاً في الداخل والخارج.. حتى طالت يد إرهابه، وحِدَّة خنجره رقاب بعض الزعامات الفلسطينية التي رفضت الانضواء تحت سيطرته، وتوجيهه السياسي!
وأكثر من مرة في العام الواحد.. يحج مئات المثقفين، والمبدعين، والفنانين إلى مهرجاناته، وندواته، وفعالياته... ليُغدق عليهم الهِبَات، والسيارات الفاخرة... وتتدفق كلمات مديحهم، وإشادتهم بصِفَاته في: العروبة، والبطولة، وأسطورة (( جلجامش )) !!
بما يعني - في الحصيلة -: خدعة العالم العربي، بل وتطوّعه أحياناً في تضخيم حجم ((طاغية))، كان يتوارى خلف أمجاد سرقها، وادّعاءاتٍ حبكها، وتدليسٍ قَلَبه إلى قناعات، وتزوير لمّع به الزيف ليجعله أصالة وحقيقة وطنية!!
وهناك وسائل أخرى.. تمكَّن من خلالها أن يحقق غايات ((لذاته))، واستقطاباً لشركائه أعضاء عصابة ((قُطاع الطريق السياسي)).. ومن أهمها:
ـ أولاً: البحث عن الرعاع، والمرضى بأمّية الضمير، والحاقدين على مجتمعاتهم العربية - التي تملك ثروة أرضها بالذات - وصَهَرهم في بوتقة (الكلمة/العار)!!
لقد حقن هؤلاء - ومن ضمنهم شركاءه في العصابة - بمزيد من أميّة الضمير، وحقد الفشل، والإِستعداد لتلوين كلماتهم، وتبديل وجوههم كالأقنعة!
ـ ثانياً: عندما استقرت سفينة مؤامرته في (وجدان) الشارع العربي، خاصة بعد تزوير هزيمته في حرب إيران، وجَعْلها انتصاراً، واستعراضه في رئاسة القمة العربية ببغداد، كداعية للوحدة العربية، والقومية، وتحرير فلسطين... بدأ في تنفيذ مخطط الغدر، وإسالة لُعاب الشركاء في اقتسام (كيكة) الجزيرة العربية، واقتسام ثروة النفط الخليجي... ليمارس على هؤلاء الشركاء فيما بعد: وصايته، وتأميم عائدات النفط باسم الفقراء العرب... فجعلهم مثل أحجار الشطرنج!!
تلك ((غاية)) قُطَّاع الطريق السياسي، بقيادة هاتك الأعراض العربية فوق أرض الكويت الجارة، والشقيقة... وقد تعددت وسائل ((الغاية)) بأقذر الممارسات والأساليب.. وأكثرها إجراماً، وطعناً للتضامن العربي، وتلويثاً لدور (الكلمة) العربية، وشراءً لضمائر، وحرية المثقفين العرب!!
* * *
ـ لقد كانت المرحلة الأولى من مؤامرة (الفتنة) ممثلة في: إلقاء القبض على (الكلمة) العربية، وسِجْنها في طاحونة التمجيد لزعامة (فرد)، أَوْهَم الشارع العربي أنه: المناضل الأكثر صدقاً من الزعامات العربية.. وأنه: الوحدوي الذي ينسج للشعب العربي ((حلم)) تكوين الأمة الواحدة، المتآلفة، المتوحّدة في الكلمة، والصف.. وأنه: القاضي الذي سينتشل الفقراء العرب من وهدتهم، و... يُغِير على الأثرياء لسرقة ومصادرة ثروات أرضهم!!
وكانت المرحلة الأخرى بعد تفجير (الفتنة)، مجسَّدة في: تمزيق الصف العربي، وتأليب الشقيق على شقيقه، وغرس الحقد البغيض في نفوس البسطاء، وسواد الشعب العربي ضد بعضهم البعض!
لقد انتقل حاكم العراق بالنفسية العربية - بعد ذلك - من مرحلة الشقاق، والحقد، والتمزيق، إلى المرحلة الأخيرة الأخطر.. وهي: تحويل العرب إلى التقاتل فيما بينهم، والتآمر على بعضهم البعض!!
ولعلّنا - أخيراً - نتوقف عند هذا الحصاد المُرّ الذي جمّعه الرئيس العراقي ((صدام حسين)) لأهله العرب، والذي يشير إلى هذه الرؤية التعيسة جداً:
ـ إن اللحظة التي خرج فيها (( صدام حسين ))... من قناعته برئاسة دولة العراق، إلى أطماعه في السيطرة على العالم العربي، ومناداته زعيماً أوحد على كل العرب... لم تكن أبداً: لحظة قوة خاصة به، وإنما هي الدليل على: أن القوة الأساسية التي تستمدها أطماع ((صدام حسين))... هي قوة الحقد الذي يتبطن نفسه.. وهي قوة الدوافع التي وظّفته لبيع ضميره العربي لها... وهي قوة اللعبة الكبيرة، الشاملة، الهادفة إلى تغيير خارطة المنطقة كلها!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :786  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 397 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الرابع - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج