شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
محمد حسنين هيكل!
ـ لم تعد الكلمة العربية في تناولها، وانتمائها: حكمة، ولا ضميراً، ولا موقفاً وطنياً... بقدر ما عمد البعض إلى تجليطها، وتحويلها لتكون: عقاباً، وغيظاً، واحتداداً، وصراخاً، وبغتة، وانطراحاً!
إنها قضية إنسان هذا العصر الرديء.. المختفي في طيات تقلبات النفوس، أو تنوُّع النقائض، والعقد، والبغضاء النفسية!
لذلك... لا بد أن يُعاني الإِرهاص الأدبي، من أزمة أوجدها الانفلاش، ومن أزمة غياب الأصالة!
صار وجدن ((العربي)) مسكوناً بذلك العقاب، والإِنطراح... ينتمي شعوره في كثير من التلقي، والحصيلة، إلى: المصالح المادية المتصادمة غالباً، كلَّما طغت (الأنا)، أو انشرخ الحلم العربي!
إن ((قضية ما)) - إنسانية، وقومية، وانتمائية - تبدو في تصدّع الحلم العربي وهي: مبتذلة، ومشروخة بالوجع والفجيعة!!
صار عقل ((العربي)) موظفاً تابعاً لهذا الاستهلاك البشع للطاقة الإنسانية، والضميرية، والعاطفية.. في صحة التعبير الحياتي، المطروح تحت أظلاف أحلام اليقظة العربية!!
ولا بد أن خطورة الكلمة المناوئة للحق، وللإِنصاف، وللإِخلاص لهاجس التضامن العربي... وهي تناور بادعاء: الدفاع عن حقوق الشعب العربي، وهي تُغرق هذا الشعب في مزيد من التمزق، والشروخ.. هي خطورة تبدو أكثر قتلاً، وتدميراً من خطورة كلمة إعلام العدو الصهيوني، الذي يُفصح عن عدائه.. بينما الكلمة المدَّعية، المصبوبة في نهر وحدة العرب، وحقوقهم المشروعة، وتعمل على إحداث الشقاق في الرأي العام العربي... هي كلمة التدليس، والزيف، والخيانة لضمير الأمة العربية!
* * *
ـ ونتوقف - لطرح مثال على تحويل الكلمة إلى عقاب، وغيظ، وانطراح - عند المقال الذي كتبه، بغير لغة قومه العربية، السيد: ((محمد حسنين هيكل)) في صحيفة (التايمز) اللندنية، بعددها الصادر يوم (12) سبتمبر، لنتساءل في البدء:
ـ تُرى... هل تبلورت نظرة السيد (( هيكل )) في عزلته التي فرضها عليه القارئ العربي، ليجد أن ((صدام حسين)) يمكن أن يكون (( جمال عبد الناصر )) آخر... يُعيده إلى الجلوس أمام الأضواء العالمية التي احتشدت حوله بسبب ما توفر له - حينذاك - من: معلومات، وأرشيف.. حتى إذا أفلس منها، وانتهى دوره المحدد بانتهاء تلك الفترة، أخذ يُكرر نفسه، ويميل إلى شتم القادة، والتشكيك في انتمائهم، وعروبتهم؟!!
لقد توافق رأي (( هيكل )) ورائحة مقاله الذي نشره في (التايمز). مع رأي ورائحة ذلك التصريح الذي أدلى به ((وزير الثقافة والإعلام)) العراقي للتلفاز الفرنسي!!
ـ تحدث ((هيكل)) عن: (عرب الصحراء... البدو، الرجعيين، الجهلاء، الذين خصَّهم الله سبحانه وتعالى في تقسيمه للرزق، بثروة النفط... فكان هؤلاء المتأخرين، المتدنِّين في الحضارة، والمدنيَّة، هم المتسلطين على ثروات العالم العربي، والشعب العربي)!!
وألغى ((هيكل)) المنطق، والحقائق، وخطوات البناء، والتعمير، والتنمية، وإسهامات هذه الثروة، ومشاركتها الأساسية والهائلة في بناء التنمية، والتعمير، والإِنسان أيضاً في الأقطار العربية... التي دمرتها ((الإنقلابات))، والشعارات التي ضحكت على الشعوب، حتى أودت بأقطارها إلى التردِّي الاقتصادي، والتنموي، والاجتماعي!
ـ وتحدث (( وزير الثقافة والإعلام )) العراقي عن: (هؤلاء البدو الهَمَج)، فقال لمذيع التلفاز الفرنسي متبجحاً، وناكراً للجميل، وغامطاً للحق:
ـ ((نحن مثلكم نحمل نفس النظرة عن هؤلاء البدو الهَمَج.. أنتم صنعتم أول ثورة حقيقية في التاريخ، ونحن نصنعها الآن ضد هؤلاء البدو سكان الخليج.. ونحن وحدنا القادرون على تدميرهم، فلماذا تقفون ضدنا))؟!!
ومِثْل هذا الكلام الطافح باستعلاء الوزير (العربي) على أهله العرب، والملوث بنفاقه للشعب الفرنسي... لا يمكن أن يُزَوّر التاريخ أبداً!
إننا نحن أصل العروبة، الذين وصفنا بـ (( البدو الهمج )) ، نرتفع فوق كل هذه المغالطات، والافتئات، والقَيْء الذي لا ينسجم مع ما نتطلع إليه من (ضمير) في مضمون الكلمة العربية!
ولقد كتب السيد ((هيكل)) مقاله باللغة الإنجليزية (لغة الامبرياليين) الذين اقتصر تعامله المادي معهم اليوم... وبهذا الموقف الذي قصده، إنما هو يتجشأ كلماته في صحيفة بريطانية: خجلاً من لغة القرآن، وإحساساً بالتضاؤل من أن يكتب (فِكْره العربي) في صحيفة عربية!
كأنه يقول: إنني لا أكتب للقارئ العربي.. فهو أقل من أن يفهم، ويعي!!
ومنذ أن سمح السيد ((محمد حسنين هيكل)) لنفسه في كتابه (( خريف الغضب )) أن يتعرض بالوصف السيِّئ، والشتم... مُعرضاً (بأم) الرئيس الراحل ((أنور السادات))، وبلهجة عنصرية بغيضة (بأنها سوداء!!)... فقد خسر ((هيكل)) بأخلاقياته المثلومة هذه: نسبة كبيرة من قرائه الذين كانوا يتطلعون إلى طرحه السياسي، أو فكره السياسي.. حتى وإن اختلفوا معه في الرأي، والتحليل!
لقد نسف (الاحترام) له... بسقوطه في البغضاء، والعقاب الذاتي!
* * *
ـ فما الذي يريده السيد ((محمد حسنين هيكل)) اليوم من أقطار الخليج والجزيرة العربية!!
نحاول - بالتأمل - استرجاع حقبة من الزمان، إندثرت في هذا الزمان الجديد.. وكانت: حقبة ((قُوَى الكلمة الطاعنة)).. التي تُسدِّد طعنها مباشرة في كبد الحقيقة، وطعنها لقيم الرجال، وطعنها للتاريخ وصُنّاعِه، وطعنها للرؤية العقلانية البعيدة عن الإِثارة!
فما أسرع ما تتحول الكلمات إلى أحجار تهوي في قاع النهر..
وما أكثر الأحجار التي استهدفت رجال التاريخ، وصُنَّاعَه، ثم غابت في القاع!
ـ بالأمس - في حقبة قُوَى الكلمة الطاعنة - كان يُوجّه الرؤوس الرمحية المنقوعة في السم والبلاء إلى المملكة العربية السعودية بالذات، وأقطار الخليج... وكان - بكلماته - يحاول قتل مواقف الرجال بمراحل المواقف، التي لم يكتمل بعضها، والتي فشل بعضها الآخر!
ـ واليوم - في عصر الكلمة/العار - يُجرِّد العربي من جذوره، وأصوله، فَيَصف البدوي/الأصل بأنه ((همجي))، وأن الكارثة على العرب تكمن في: هيمنة هؤلاء البدو، أو عرب الصحراء، على الثروة العربية!!
ـ بالأمس: أتى مُكسِّراً رماحه، وكتب حلقات عنوانها: (الحقبة السعودية في التاريخ العربي المعاصر!)، وحاول أن يتراجع إلى حيث تقف المملكة العربية السعودية، في لحظة عِرْيِه من القيمة، وانحسار الأضواء عنه، ليحتمي بكلماته فيها!
أصبحت ((صراحة)) السيد ((هيكل)) في تلك الحلقات اليتيمة، مرتكزة على: (ترسانة فهد) - كما أسماها - وعلى مواقف المملكة العربية السعودية التي وصفها يومها بقوله: (إنها مطلوبة وليست طالبة، والصوت العربي الوحيد الذي له أصداء وإصغاء)!!
منتهى العجب، وربما النفاق، وربما القدرة على تغيير الجلد (!!).
ـ بالأمس: إعترف السيد ((هيكل)) في حلقاته تلك، بأن ((مواقف المملكة العربية السعودية فعّالة، ولها تأثير لا يمكن تجاهله على المناطق المحيطة بها))!!
فكيف تحولت المملكة العربية السعودية - يومها - من دولة رجعية، تُعطِّل مسار العمل العربي، حسب وصفه الأسبق، إلى دولة: (تنتشر في العالم، وتكتسح مواقع مؤثرة)؟!
ـ واليوم: يعود السيد ((هيكل)) إلى وصف المملكة بـ ((عرب الصحراء، الهَمَج، الرجعيين))؟!!
إن سياسة المملكة العربية السعودية لم تتبدل مطلقاً، منذ أن قام كيانها الكبير بالعمل (الوحدوي) الذي صنعه الملك عبد العزيز، وحتى اليوم... الموقف السعودي هو نفسه، والتحرك السعودي هو نفسه.. لكنَّ المتغيرات حدثت للآخرين، وفي انفعالاتهم!!
إنَّ رحلة السيد ((هيكل)) الجديدة، ما زالت تُماثل رحلاته السابقة!
إنها تبدأ من: انفعالاته، وميول مصالحه أو شرائها.. ويُسخِّن عقله بمقدار انفعالاته، ومصالحه.. وتتكاثف تلك الانفعالات بحجم مصالحه، وليس بحجم (فِكْرِه)... لأنَّ فِكْره لم يتغير، ولكن انفعالاته هي التي تتغير، ومصالحه هي التي تتحول!!
ـ ونريد أن نطرح سؤالاً مباشراً على (فكر) السيد محمد حسنين هيكل:
ـ ماذا فَعلَتْ القوى التقدمية - حسب تعبيره - بما بعد النكسة وبحرب لبنان الأهلية، وبتخريب إقتصاد السودان، وبالتآمر على البحر الأحمر وتهديد أمنه، وبزرع القلاقل، وإحداث المجازر في القارة السمراء، وبخطط التنمية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية في أقطارها... وحتى بدورها (الداعم) لحرب العراق ضد إيران؟!!
ـ ألم تكن (( القوى التقدمية )) هي التي صنعت كل ذلك التخريب والدمار... بل، وكانت (العميلة) لتنفيذ خططه؟!!
ـ ألم تكن المملكة العربية السعودية، وأقطار الخليج، هي الجهة الأساسية التي مولت الحرب العراقية ضد إيران ثماني سنوات، لتَحْمي الخليج، والجزيرة، والثروات العربية من الأطماع الإيرانية في التوسع، وإقامة الإمبراطورية الفارسية؟!!
ـ ألم تكن (القوى الرجعية) - حسب وصفه - هي التي حقَّقت وحدة الأمة العربية، بالعمل على ترسيخ قاعدة للتضامن... والمشاركة مادياً في كسب حرب العاشر من رمضان.. والإسهام في إسقاط التجزير الذي حدث للبنان... وكبح إهدار الدماء العربية.. واستقطاب مكانة الدول الإفريقية من خلال تقديم الدعم المالي لها لإِعانتها على بناء اقتصادها، ومشاريعها التنموية؟!!
* * *
ـ من مصطلحات السيد ((محمد حسنين هيكل)) ضمن تنظيره السياسي.. تلك العبارة التي كتبها حين أراد بها الخروج من حقبة: ((قوى الكلمة الطاعنة))، ليدخل إلى ممالأة الدول النفطية.. فوصف الحقبة الأخرى بأنها تمثل واقع: (تراجع الثورة، وتقدم الثروة).. أي انحسار القوى التقدمية، وتقدّم القوى (التأخرية) أو الرجعية، كما يصفنا!
وكان يريد أن يوحي للمواطن العربي بخبث ملحوظ: أن القُوَى التقدمية كانت: فكراً، أو رأياً، أو تغييراً... بينما القوى الضاغطة هي ((الثروة)) التي لن تتميز بغير المال المدفوع!
يومها... وصف السيد ((هيكل)) دور المملكة العربية السعودية في معالجة قضية العالم العربي، وفي (وقفاتها) القومية، والعربية.. فأسماه: (النفوذ السعودي)!!
وكانت هذه النظرة الحاقدة للسيد ((هيكل)) تُعاشره وهو يمالئ الدول النفطية، كما أسماها!
والمملكة لا تُلحُّ على مثل هذه الشريحة من الكُتَّاب الذي يمثلهم السيد ((هيكل))، لإِثبات دور المملكة العربية السعودية، وفق (مشاعره)... فليس هدفنا أن يتبلور دورنا، وتاريخنا. ليتحول إلى ((حقبة)) تاريخية يقرأها التلاميذ في كتب التاريخ.. بل الهدف يستشرف رسالة الانتصار ((لعقيدة)) راسخة تُدافع عنها حتى الموت، ورسالة الانتصار ((لقيم)) لا يتحمل الكثير تبعاتها، وأول هذا الكثير: شريحة السيد ((هيكل)) الغير ثابتة على التزامات القومية والوطنية!!
إننا - في هذا الوطن - لم نتطلع في يوم ما إلى ((نفوذ)) لنجعل من حولنا: أتباعاً، و((زلمات))، و((فتوَّات)) كما حاول ((صدام حسين))... لكنّ المملكة العربية السعودية تعمل على إِرساء قاعدة: التضامن العربي لمواجهة التحديات، ولدعم الأشقاء مادياً لإِعانتهم على بناء مشاريعهم التنموية!
إنّ قاعدة هذا ((الكيان الكبير)) تقوم على ركائز: التوحيد والوحدة... دفاعاً عن الدين العظيم.. وانتصاراً لقضايا الإِنسان العربي العادلة.. وإنتماء للأرض، وللأرومة، وللدم!!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :986  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 396 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج