شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العودة للإنسان!
في منتصف ليل نخره التعب.. أسحب خطواتي نحو حدود التخلي!
رأسي يقرع.. كطبل إفريقي الصدى والإيقاع..
صدري.. واجهة اعتراضاتي، أما رأسي.. فهو اعتراض واجهاتي الإنسانية!
مرة أخرى.. أتثاءب، وأدندن الحزن، كأنه ((النغم الضائع)) في الفرح الأبله.. في السعادة المعوقة!
أردد الآن: (كلما أمطرت السماء.. ذابت ألوان لوحتي)!
إن الإنسان يغرق في الليلة الأخيرة.. يسقط في الكلمة الأخيرة.. يموت في الأمل الأخير!
إن الإنسان قد تحول في ركضه وطموحاته وقفزاته المجنونة، إلى صورة مضادة لحالة النفس الإنسانية!
إنه القسر، والتناسي لهذا الضجيج الذي يغرق همس الروح في أمواج من صخب المعايشة اليومية..
فلا بد أن تهفو أرواحنا إلى نجوى الوجدان.. في تصلب العواطف من شراسة ما تتلقاه، وما يسقطها في الاحتداد والانفعال!
فلا الوجدان أصبح في راحة التأمل التي تمنحه الصفاء، ونقاء الخفق، ونظافة الشعور وشجاعة الحق.
ولا الفكر قادر على تجاوز الصدمات والسقطات.. ليرتفع إلى مستوى قضايا الإنسان المعاصرة التي تطحن طموحاته وتفاؤلاته بين رحاها!
من الصعب أن يخرج الإنسان اليوم من زمانه.. تقدماً إلى زمن مؤمل، ومتوهج بالحلم!
ومن الصعب أن يرتد إلى زمن قديم بسيط في تركيبه الاجتماعي، وفي احتياجاته المادية!
ذلك.. لأن الإنسان مرجوم بهذه الانفلاشات النفسية، وبهذه الخلخلة المجلوبة بالتمدد المادي ليشمل هذا التمدد أكثر مواقف الإنسان!
وذلك هو ما جعلني استطرد خلفه.. حتى سكنت عند بضع سطور من كتاب.. خلته وكأنه يقف حائلاً بيني وبين الانصراف عن أي شيء، وإلى أي شيء!
لكن الانبهار.. يتحول أحياناً إلى سخرية مريرة!
كان عنوان الكتاب، هو: ((مالاتستا)).. للكاتب المسرحي الفرنسي ((هنري دي مونترلان)).. ذلك الذي نشر عبارته الشهيرة فوق شفاه المتزاحمين على رؤية مسرحياته آنذاك، فقال:
ـ ((إن عدم الاستقرار وعدم الثبات.. هما الحياة نفسها))!
وأرسل من خلال هذه المسرحية دعوته المنادية إلى: ((العودة للإنسان))!
وتأملت.. كيف يواصل الإنسان حياته الدرامية، ويوحد بين الحدث والرغبة.. وبين الشجب والاضطرار؟!
إن ((مونترلان)) يقول: إنني أفزع من الناس الذين تتملكهم الثقة!
بمعنى: أنه لا توجد نسبة كبيرة نعتز بثقتها.. والكثير من البشر يسحقون الثقة بالتوتر، أو بالتكلف، أو بالأكاذيب التي يعتبرونها براعة وذكاء!
إننا - إذن - نعاني من ((مآزق)) الضعف - العاطفي.. لأننا تثقفنا بعطاء العصر المضطرب!
* * *
حزنك العميم - يا أيها الإنسان - زاخر ببواعث الهوى، والحنين إلى الأمل، ويفيض بالثقة التي نمارسها بالتقسيط!
رأسك الكبير - يا أيها الإنسان - بكل الانتصابات التي فيه.. هو كفاءة حياة.. أنت من أجلها تبحث وتضنى.. تعشق وتتبدد!
صدرك الذي يضيق باتساعه - يا أيها الإنسان - بكل الخفقات الصادرة عنه.. وثيقة إنسانية، لكنها ضائعة في الأحلام اللزجة!
* * *
إن ((مونترلان)) يصور المأساة الإنسانية، ويفضح الصراع مع عالم مضطرب: ((حينما تكون مأساة حب الإنسان للفكرة التي يكونها عن نفسه، وعن عصره.. رغبة في فرضها على الآخرين))!
فكيف نفرض أفكارنا على الآخرين؟!
نحتاج - إذن - إلى امتلاك الثقة.. ولكننا نبددها في أولى لحظات الانتصار، ونهينها في أولى لحظات الهزيمة!
لذلك.. فقد توجب على الإنسان أن لا يستقر.. وإنما هو ينهي في كل ليلة استقراراً مؤقتاً.. وكل ليلة؛ هي الليلة الأخيرة؛ أو الكلمة الأخيرة؛ أو الأمل الأخير!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :686  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 350 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج