شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اليأس في الحب.. وفي الحقد
ـ أما زلت واقفاً منذ ذاك الزمن البعيد؟!
ـ إنه الوقوف الذي يريحني، لقد ولد وجداني وحسي في شباب ذاك الزمان، وأرسلت ندائي العميق ولم يتعبني انتظار أصدائه!
ـ ولكن.. ألا تظن أن الزمان قد شاب واكتهل!!
ـ أبداً.. الزمان الحافل بالصدق.. وبعطاء الجوهر لا يشيب.. ربما شابت لحظة في الزمان الحاضر قبل دقائق.. لكن يوماً.. شهراً.. عاماً في الزمان البعيد ما زالوا جميعاً ينضحون بشباب العهد.. بشباب الصدق.. بشباب ما يعمر أعماقنا.
ـ ألم يتسرب اليأس إليك؟!
ـ اليأس هو في الحقد والكراهية بلا عمر.. دائم التواصل لكن اليأس في الحب والوفاء يتلاشى ويحترق.. ذلك لأننا نستطيع أن نبدل أي شيء فينا.. أفكارنا.. آراءنا.. اسلوب تعاملنا مع الآخرين.. لكن الحب الأصيل في جوهرنا يستعصي..يلفظ كل موجات التغيير فيه ويرميها بعيداً!
ـ ولكنني لا أطيق هذه المثالية في العواطف.. إنها ضد طبيعة الإنسان المعاصر وضد قلقه ومتغيرات عصره!
ـ إنها ليست مثالية.. بل هي إرادة الحب فوق اعتساف الماديات والمتغيرات النفسية.. إن هذا الوفاء ألوذ إليه ليقشع عني القلق، ويصد كل موجات التبدل التي تحدثها الماديات في نفسية الإنسان!
ـ ولكني أعجز أن أصمد في مستوى هذا الصمود الخيالي، فكيف أواصل محبة الذين نسوا، والذين جحدوا، والذين شغلتهم محتويات حياتهم الجديدة ونفسياتهم؟!
ـ إن مقدار الصمود.. هو بمقدار العاطفة وملهماتها في نفس الإنسان.. فكلما كبرت عواطفنا بالمعاني، وبعطاء الروح وبالقدرة على الوفاء.. كلما كان الصمود أكبر قاعدة، وأكثر إلهاماً لإرادة النفس.. إن العالم يغرق في المطالب المباشرة والملموسة وذات الفائدة الملتصقة بـ ((أنا)) النفس.. لكن الإنسان في نهاية كل جولة لا بد أن يفزع عند الإفاقة.. ويختبئ داخل جوهره ومعانيه وعطاء روحه.. بدليل أن العالم ما زال يصغي إلى الموسيقى ويشم الوردة العبقة ويندس بين سيقان الأشجار يوماً من أسبوع.. إنه الهروب إلى الراحة النفسية، أو إرادة الروح التي تهزم ضدها..
ـ أنت تفلسف الأشياء، وأنا لم يعد في طاقتي احتمال الحب بالفلسفة!
ـ أنت في حاجة إلى مبررات لأشيائك المادية.. والقسوة الطاعنة أن نحول الحب إلى شيء!!
ـ هل نعدّ بعد ذلك على مواصلة الوقوف للتدليل على شباب الزمان؟!
ـ أصر على مواصلة الزمان.. للتدليل على وقوف متاعبك.. يحرس العهد والمعنى والوفاء، وأجندة كاملة من الذكريات التي لم تكتهل أبداً ما دمت أنتظر عودة النداء!!
ـ ولكن.. ما الذي يمكن أن افعله الآن بعد أن تعددت فواصل الزمن في عمري.. هل أستجيب للماضي وأحتويه.. وأتخلى عن ((الآن)) وما بعد الآن!!
ـ أنت الآن تعيش المستحيل، مستحيل أن نرجع للماضي، لأن الحاضر لم يبق فيه ما يمكن أن يعطيه لك، ومستحيل أن تستمرين في حاضرك لأن الماضي يسلط الأصداء عليه فيفقده هدوءه واعتياديته. ستحيين الضجيج في أعماقك.. ستطفئين في كل لحظة حريقاً بين ضلوعك ولكنك تحتاجين إلى موقف.. إما أن تكوني أقوى من الماضي فلا تعطيه الفرصة أن يتقدم ليقوض ما تحيينه الآن.. فتعود الطمأنينة إلى نفسك، وإما أن تضعفي أمام الماضي.. فيقوضك، ويهدم حتى السنوات التي بنيت فيها أيامك الحاضرة!!
ـ احتجت بسخرية وألم قائلة:
ـ أنت الآن تصعد إلى جمجمتك وجمجمتي لتحدثني بالعقل.. بينما أنت تتجاوز كل العلامات المحذرة على الطريق إلى العقل.. وأهمها: القلب!!
ـ قلت: في معاناة الصعاب، وتكثف الأحزان لا يبقى هناك قلب. يبقى العقل وحده غريباً، ووحيداً، ولا بديل له. فالقلب حينذاك يصبح نهراً من الأسى والعذاب!!
ـ قالت: لأنه هو السبب في تكثيف الأحزان!!
ـ قلت: لم يكن الشعور يوماً هو السبب، ولكنه هو هدف الأسباب كلها ومحورها، وأنت بلا شعور في الحياة.. لن يصبح لك سبباً في التواجد والماضي والحاضر والمستقبل.
ـ قالت: وما هو السهل الذي يخلصني الآن من الصعب؟!
ـ قلت: إذا مشيت تحت قرص الشمس اللافح فتحدثي عن القمر، وإذا أضاء القمر ظلام ليلك فتحدثي عن النهار القادم، ولا بد بعد ذلك أن يختلط الليل بالنهار في تقديرك وإحساسك.. فتتخلصي من عناوين الأيام!!
ـ قالت: هذا منتهى الجنون!!
ـ قلت: وما الذي تريدينه بمنتهى العقل؟!
ـ قالت: أريد الوسط.. لأرتاح!!
ـ قلت: أن تنسى الماضي وتتركينه خلفك، وأن تحيي الحاضر أمامك وأن لا تفكري في المستقبل إلا بمقدار افراحك!!
ـ قالت: ولكن أحزاني الآن.. تفوق الفرح!!
ـ قلت: غداً تنتهي الأحزان.. عندما تضيع الأحلام في اكتشاف السراب.
ـ قالت: ولكن أسباب حزني لم تكن سراباً أبداً!
ـ قلت: الذي يبقى فقط!!
ـ قالت: هو أن لا أنسى أبداً!!
ـ قلت: هو أن تعيشي في الماضي فلا يكون لك بشارة المستقبل!
ـ قالت: ما الذي يعطيه المستقبل بدون أن أجد قلبي؟
ـ قلت: سيأخذ المستقبل منك ولا يعطيك!!
ـ قالت: هل هذه نتيجة؟!
ـ قلت: لا.. إنها صعوبة النتيجة!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :701  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 324 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج