شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رجولة فارس
* كان لا بد ل ((خالد السعيد)) أن يعبر شهوراً طويلة وقاسية.. حتى يستطع بعدها أن يسترد أنفاسه اللاهثة، وهو يخرج من غربة السجن القاسية، والديون التي كانت ترزح فوق كاهله.. وهو يخرج- أيضاً- من معاناة ابنته الوحيدة، بعد تجربتها التي تمثِّلها أكثر قسوة من تجربة سجنه!
كان يخاف أن يزيغ صبره، وأن يتخلخل صموده في هذه المحن.. وكان يفكِّر- في تلك الآلام- كيف يبدأ من جديد، وينطلق إلى فتح باب آخر يشكل من خلاله حياته الجديدة، ومصدر رزقه هو وأسرته.. لقد ردَّد المجتمع قصة سجنه وديونه فترة من الزمن.. وكان الحكايات تبلغه حتى عندما كان داخل أسوار السجن.. الناس يتكلمون عن الحكايات التي يسمح بها اللغط والثرثرة بالتداول، وبعد أن يسقط الجريح، أو المخطئ، أو المظلوم، أو الذي خانته الظروف والملابسات والمواقف!
لكن الناس لا يقدرون أن يتكلموا عن أولئك الذين يخافونهم، أو الذين مازالوا يستمتعون بالضوء، وبالنفاق الاجتماعي!
لقد عانى ((خالد السعيد)) أثناء احتجازه في السجن، وبعد إطلاق سراحه، ومحاولته أن يدخل إلى المجتمع من جديد.. وكانت النظرات متفاوتة وملونة، وباهتة أحياناً، وحادة أحياناً أخرى.. لكنه وجد الصدور الرحبة، والنفوس المتسامحة الطيبة.. وجد عند البعض الصفح والترحاب، والدعوة إلى الحياة.. حاول أن يواصل العمل في مكتب ((الديكور)) الذي أنشأته زوجته أثناء سجنه، وساعدها فيه ابنهما ((فارس)).. لكنه اكتشف أن السوق يميل إلى الركود، بعد انحسار ((الطَّفرة)).. كان لا بد له أن يفكر في مشروع آخر، ولكن... من أين له رأس المال؟!
فكَّر في إنشاء ((سوبر ماركت)).. يبدأه صغيراً في حدود إمكاناته المادية، المتبقية.. نحت في الصخر، وغاص في الطين، وصمد.. كان يبتسم وهو يتذكر عندما كان رجل أعمال كبير، وهم يحدثونه عن ضرورة دراسة الجدوى الاقتصادية، وجرب أن يتصل بشركات خارجية عن طريق الغرفة التجارية.
لا بأس أن يبدأ صغيراً من جديد.. وفعل ذلك.. وفي كل خطوة لا ينسى تجربته التي أوصلته إلى السجن. صار حذراً، يتلفت، ويدرس، ويستشير، ويفكر.. كأنه بعد هذه البداية الأخرى.. يكاد يطمئن على أوضاع بيته، لكن القلق يساوره.
زوجته إلهام.. أخذت تسترد عافيتها إلى حد ما، وقد عصفت بها الأحداث الماضية، وزلزلتها، وانعكس ذلك كله على مقاومتها البدنية، وبداية خوفها من دخول العقد الرابع في عمرها!
ابنته عهد.. استطاعت أن تجتاز محنة التجربة الأولى في حياتها، وتتوجه إلى تحصيلها العلمي، وإصرارها على التخرج من الجامعة أولاً.. وقد شارفت على تحقيق هذه الإرادة الجيدة.
أبوها.. يقول لها في حواراتهما المستمرة:
ـ لا أريدك أن تتوقفي يا عهد.. بل عليك أن تواصلي الدراسة بعد البكالوريا وتحصلي على الدكتوراه، والتخصص، والوقوف الصلب في مواجهة تحديات الحياة!
أعرف أنك مازلت طرية، ولكني أثق في قدراتك وطموحاتك من أجل العلم. أعرف- أيضاً- ضرورة أهمية أن تكوني زوجة وامرأة متكاملة.. لك بيت وزوج وأطفال، لأن هذه طبيعة الحياة والتكوين البشري، ولكن.. عليك أن تحسني الاختيار، وتدققي النظرة!
كان الخطأ الأول منا- أبوك وأمك- فلا يكون الخطأ بعد ذلك منك.. من عواطفك، وعليك أن تكوني متيقظة وناضجة!
وتصغي ((عهد)) إلى أبيها بفرح.. بابتسامة عريضة، وتضع رأسها على كتفه، تقول له، ويسمعها كأنها تغني:
ـ فرحتي الأكبر يا أبي أنك بدأت تستعيد ثقتك بنفسك، فإذا كنت أنت بخير، فنحن بخير.. أما أنا، فلا تخف عليَّ، لقد أحسنت تربيتي، وأحسنت زرع بذرة الحب النقي في مشاعرنا جميعاً.. إنني متفائلة الآن.. والحياة لن تخذل الذين يعملون!
* * *
أغرورقت عينا ((خالد)) بالدمع، وهو يصغي إلى ((بيان)) ابنته، وطريقة حوارها معه. وبجانبها كان يجلس ((فارس)).. صامتاً، يحدِّق في وجه أبيه.. كأنه يسأله:
ـ وأنا؟.. متى يأتي دوري لتناقشني؟!
وجاء دور ((فارس)).. حين التفت إليه والده، وسأله:
ـ وأنت... هل ستبقى في الجامعة طوال عمرك؟!
تمتم ((فارس)) في سره مع هذه البداية التي جابهه بها والده.. كأنه يقول:
ـ لماذا تهاجمني يا أبي؟!
ـ سأله أبوه: لم تجبني يا فارس؟
ـ قال: بالعكس يا أبي... إن تقديراتي الآن لا تنقص عن الجيد،، وجيد جداً!
ـ جميل... ولكني أريدها تصعد إلى ((ممتاز))!
ـ أعدك.. المهم أنت يا أبي، عليك أن تطمئن وتثق بي كما وثقت في ((عهد))، والا.... البنات أحسن؟!
ـ لا أدري.. النتائج الدراسية في نهاية العام صارت تؤكد تفوق البنات، لكني أثق فيك، وأعرف حرصك على اختصار الوقت، واحترام الغد.. وكما قلت لك في السابق: إنني لن أحتاجك لما تبقّى من عمري، ولكني أريد أن أطمئن على مستقبلك أنت.. أريدك أن تكون ناجحاً ومتفوقاً، ومنتجاً تخدم بلدك، وتصبح شخصاً مفيداً ومواطناً فعَّالاً!
ـ إنني أعدك يا أبي.. فلا تشدِّد عليَّ أكثر من ذلك!
ـ حسناً... وما هي أخبار القلب؟!
ارتجف ((فارس)) في تلك الثانية، ونظرات والده تحاصره.. فلا يقدر الخلاص منها.
ـ ماذا تقصد يا أبي؟!
ـ أقصد ما أنت تعلمه.. التلفونات بعد منتصف الليل، والتسلل بسلك التلفون إلى غرفتك، والمغامرات!!
إنني لا ألومك يا بني.. أعرف أن الشباب يفعلون ذلك، وأنت لست شاذاً عنهم، ولكني أنبهك إلى الالتزام بالسلوك النظيف، والارتفاع باسمك وسمعتك عن تلويثها، ولا بد أن تعرف أن بنات الناس لسن لعبة، ولا هن مجالاً للعبث.. حتى لو وجدت واحدة تندفع إلى العبث.. وهل ترضى لأختك- مثلاً- أن تكون مجالاً لعبث شاب مثلك؟!
ـ ولكني أريد أن أختار واحدة، لتكون شريكة حياتي في المستقبل.
ـ حسناً.. الاختيار لا يتم عن هذا الطريق، حتى لا يلازمك الشك طوال حياتك، وتظلم بعد ذلك من لا تستاهل ظلمك!
فهل تريد أن تتزوج الآن يا ((فارس))؟!
ـ لا يا أبي.. لا بد أن أتخرج، وطموحاتي لا تقل عن طموحات أختي.. إن لم تتفوق عليها. فأنت محق، وأعدك من الآن.
ـ ولكني سمعت حكاية لم ترحني كثيراً، وأفضّل أن أسمعها منك بحقائقها بدلاً من أن تأتيني بأشكال أخرى.
ـ أية حكاية يا أبي؟!
ـ حكاية امرأة السيارة والفيلا!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1030  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 120 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج