شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نظرة أخرى.. للغد
* طال المقام ب ((عهد)) في بيت أبيها، بعد أن تركت عش الزوجية بذلك الإيحاء الذي فعله معها زوجها، وبعد أن خيَّرها: إما أن تمتنع عن تناول حبوب منع الحمل، وتمتنع عن الدراسة في الجامعة، أو..... تعود إلى بيت أهلها!
مضى شهر على هذا الخلاف الذي يبدو- في بدايته- مثل شرخ صدَّع بيت الزوجية في سنته الأولى!
ومضى شهر آخر بعده.. وكان الشرخ يتسع أكثر، فلا ((عاطف))- زوج عهد- اتصل بزوجته، ولا بأبيها، ولا وسيط من عائلته.. ولا ((عهد)) أيضاً حاولت أن تتصل بزوجها.
ـ قالت لأبيها: لن أتصل به.. كلماته الأخيرة لي كانت تشبه طردي من بيته، ثم.... زاد الطين بلة، فلم يتصل، ولم يحاول أن يعتذر عن طرده لي.. كأنه أراد تلك الخطوة!
ـ قالت لها أمها: لكنك أنت التي خرجت من بيته!
ـ قالت عهد: صحيح.. بعد أن طردني، وخيَّرني بلهجة التحدي، والإنسان الذي يبيع!
ومضى شهر ثالث.. والصمت يخيم على الموقف الغامض بين ((عهد)) وزوجها.. وحين كانت ((عهد)) في غرفتها.. تسترجع ذلك الشريط القصير والمحزن من حكايتها الغريبة التي تروى عن: شاب غريب تقدم لخطبتها، واقترنت به، وعاشت معه تحت سقف الزوجية عاماً كاملاً... قرع جرس الباب في تلك اللحظة قرعاً متلاحقاً.
ـ من الذي يقرع الجرس؟!
ـ أنا نائب عمدة المحلة. معي مذكرة باستدعاء ابنتكم ((عهد خالد السعيد)) للمثول أمام القاضي!
ـ قالت أمها: عملها النذل!
واضطرب البيت كله.. لكن ((إلهام)) كانت أكثر حدة وانفعالاً وركضاً في أرجاء المنزل.. متوترة، حانقة، تردد:
ـ وصلت بنا الحال للمحاكم؟!
ـ ابنتي تنزل محكمة.. ليه؟!
نظر ((خالد)) إلى حالة زوجته التي أصيبت بشبه هستيريا..
تطلع إلى وجه ابنته ((عهد))، وقد غسلته الدموع المنسابة من عينين حزينتين.. احتضن زوجته وابنته، وهو يتقطر أسى وألماً، ويداري أمامهما فجيعته، ويحتمل قسوة الموقف بصبر وجلد.. حتى يخفف عنهما.. يقول ابنته مواسياً.. قائلاً لها:
ـ ليعوضك الله خيراً منه.. هذا قدرك ونصيبك. احمدي ربنا أنك لم تحملي منه بذرة في أحشائك.. فمثل هذا لا يستحق أن يكون له امتداد أصيل!
* * *
أمام القاضي.. كان ((خالد)) يقف وبجواره ابنته، وفي الجانب الآخر يقف ((عاطف)) عبوساً، مطأطئ الرأس.
ـ سأله القاضي: ماذا تريد من دعواك؟!
ـ قال: أريد أن أطلقها، لأنها لم ترضخ لشروطي، ولكن بشرط: أن لا تطالبني بخيط واحد من أثاث منزلنا، ولا بقرش واحد!
ـ قال القاضي: ليس هذا هو الإسلام ولا تشريعه، فقل كلاماً عاقلاً.. فأنت الكاره!
ارتعش ((عاطف)) أمام القاضي، وأعلن طلاقه، ورجفته تزداد وتتضح في تلعثم صوته، واهتزاز يديه، وكآبة وجهه!
لم تطفر دمعة واحدة من عيني ((عهد)).. لكن الوجوم والحزن يكسيان وجهها الغض الصغير.
ـ قال له والدها: ليجازيك الله لقاء ما فعلته بمستقبل فتاة كانت تحلم بحياة الاستقرار والسعادة معك.
والتفت إلى القاضي، بعد إجراء مراسم الطلاق، قائلاً:
ـ سيدي القاضي.. إن ابنتي متنازلة عن كل ما في البيت.. لا نريد منه خيطاً واحداً، لأننا لا نريد أية ذكرى مؤلمة في الغد!
ولم تنم ((عهد)) ليلتها تلك.. تمنَّت أن تنساب دموعها لترتاح.. فعصتها الدموع.. تمنت أن تفقد ذاكرتها عن العام الكامل.. لكن ذلك يحتاج إلى بلسم، ووقت قد يطول، وقد يقصر!
أخذتها أمها إلى صدرها، وقالت لها:
ـ سأنام بجانبك هذه الليلة.. فهل تقبليني؟!
ـ قالت عهد: لا داعي يا أمي.. إنني بخير، لعل أبي يحتاجك،. وهو المتعب الموجوع.
وفي اليوم التالي.. امتلأ البيت بالنساء من أهلهم، وجيرانهم، وأصدقائهم.. يواسين ويحاولن التخفيف من المصاب!
كان الحديث فياضاً بالشجون... لأنه يختص بظاهرة الطلاق التي تعصف بالمجتمع.
وسائل الإعلام تتحدث عن: غلاء المهور، وتتحاشى أن تناقش غلو أشياء أخرى، مثل: الرعونة واللامبالاة والغرور.. مما أخذ يتفشى في وريد المجتمع، وسلوكيات شبابه
ما هي أسباب تصعيد ظاهرة الطلاق من الشباب؟!
هل هي مادية، أم نفسية، أم اجتماعية- سلوكية؟!
لا أحد يصل إلى نتيجة؟!
وتعاقب النسوة في رواية حكايات مختلفة، على مسمع من ((عهد)) الجريحة وأمها.. عن فتيات صغيرات في عمر الزهور، زوجوهن وطلقن بعد سنة.. بعد شهور.. بل بعد شهر!
ـ قالت واحدة منهن: نصف بنات الجامعة مطلقات الآن!
ـ قالت أخرى: وي!... نص إيه؟.. قولي ثلاثة أرباع البنات مطلقات!
ـ قالت ثالثة: إللي يشوف البذخ في حفلات الزفاف، يتحسَّر على المبالغ الطائلة التي تهدر، ويكون مصيرها الطلاق!
ـ قالت الأولى: إنت همك الفلوس. قولي: اللي يشوف بنت مثل القمر في ليلة زفافها.. يحصّنها ويخاف عليها من المصير البشع الذي قد يرميها فيه شاب متهور، أو لا مبالي.. المهم إنه.: استمتع لفترة.. كأن بنات الناس لعبة!
اختلطت الأصوات، واحتد النقاش!
فرغت فناجين الشاي والقهوة، وترمدت نار ((الشيشة))، وامتلأت طفايات السجائر بالأعقاب والرماد!
انفض الجمع.. وبقيت الأصداء في بيت ((خالد السعيد)) تلاحق ((عهد)) وأمها، وتهز جسم ((عهد)).. في اللحظة التي تمسح فيها دمعة الانكسار في عينيها!
* * *
وقبل أن ينتصف الليل.. طرق والدها باب غرفتها.. رأته أمامها شامخاً كعادته، مهاباً.. يحاول أن يرسم ابتسامة مصطنعة على شفتيه.. اندفعت نحوه، قافزة من فوق سريرها.. احتضنته، وغمرت رأسها في صدره، وبكت بحرقة.. بنشيج عال، ويده تربت على ظهرها، وتمسح شعرها الأسود الغزير.. وقد تحوَّلَت بين ذراعيه إلى طفلة بريئة، لكنها تنزف شبابها، وتجربتها كدماء الجريج!
ـ قال لها: جئتك.. لأنني أعرف حاجتك إلى البكاء، لا بد أن تبكي لترتاحي، وبعد ذلك حاولي أن تطوي الصفحة السابقة.. اقذفيها إلى الماضي، وتوجّهي بشبابك، وبآمالك، وبطموحاتك إلى الغد.. فلم يزل أمامك العمر، والشباب، والفرص، والعلم.، والله معك!
تلك الليلة نامت باستغراق.. أحست أن كلمات والدها تنقذها من الغرق.. تجفف دموعها.
ـ قال لها بعد ذلك: لم تكوني الأولى، ولا الأخيرة.. في مجتمعنا بوادر جنون، الجميع غافل عنه.. إنها مأساة مجتمع في رأي.. وغيرك كثيرات، ولا أحد يجيب عن هذه الأسئلة المطروحة. كأن الآباء، والأمهات، والعلماء، والمفكرين.. قد انشغلوا جميعاً.
تركت كل هذه الأسئلة، ونامت ليلتها تلك.. فقد كانت مرهقة، محطَّمة، فاحتضنت إرهاقها، وانكسارها، واستسلمت للنوم!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1064  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 119 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.