شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشرخ!
أربعة أيام مرَّت، و ((خالد)) لم يطرق باب أهل زوجته ((إلهام)).. وطفلاه يلحان في السؤال عنه. ((فارس)) يتوتَّر مع كل سؤال يطرحه. وهو يقول:
ـ يسافر كيف وما يقول لنا.. ما يسألني عن الهدية اللي أبغاها؟!
((عهد)) تسأل عملياً بواسطة دموعها.. فهي امرأة صغيرة تتدرب على ما تفعله أمها دائماً، وكل النساء.. فلم تكف عن البكاء احتجاجاً، ومناداة لأبيها.
ضاقت الساعات والدقائق في وجه ((إلهام)). لم تعد تدري ماذا تصنع، لكنها تحاور نفسها بعتاب غاضب لزوجها الذي لا يسمعها:
ـ كده يا خالد.. ما صدَّقت أخرج من البيت وما سألت ولا حتى بالتليفون؟!
ويضيع سؤالها العاتب في صمت الليل، ويتلاشى في حرارة النهار وزحامه، وينقضي يوم آخر.. دون أن يأتي ((خالد)).
اتصلت به هاتفياً في عمله لمجرد أن تسمع صوته ولا تحادثه، فلم يرد، وحتى في بيته أيضاً لا يرد!
ـ ترى.. أين ذهب، هل سافر؟!
أشركت والدها في السؤال، فلم تجد عنده ما يطفئ غلتها... بل أجابها أبوها قائلاً:
ـ قلت لك من يوم ما خرجت من بيتك: عودي.. أنت المخطئة، وما سمعت كلامي!
ـ قالت لأبيها: هادا ما هو وقت التقريع والعتاب.. يكون جرى له شيء؟!
ـ قالت أمها: يمكن سافر لعمل، ما هو دائم السفر؟!
ـ قالت لنفسها هامسة: هل هان عليه ((فارس)) و ((عهد)).. لا يسأل عنهما، ولا حتى يسمع صوتيهما؟!
جاءها ((فارس)) يركض لاهثاً. ارتمى في حضنها، وهو يردِّد:
بابا.. بابا!
انتفضت فرحاً وهي تسأله: فين.. جاء؟
ـ لا يا ماما.. أنا شفته. بابا ما هو مسافر، لكن إنت وهو إتنين متعبين لنا.
ـ ليه يا حبيبي تقول كده؟
ـ خلاص.. أنا كبرت.. عندي الآن خمس سنوات. الله الغني عنكم، أروح اشتغل أحسن من نقاركم إنت وأبويا اللي ما يخلص.
ـ أبوك فين شفته، وبلاش لماضه؟
ـ وحشك يعني؟.. خارجه من البيت ليه.. تتعبونا وبس؟!
ـ قالت له: إنت مسحوب من لسانك زي أبوك.. عيب، أنا ماما!
نظر إليها متأملاً. وضع يده على خده، وصمت. قالت له أمه:
ـ إنت سكت ليه.. فين شفت. أبوك؟
ـ في السفر، ما هو إنت قلت أن بابا مسافر.. شاور لي من الطيارة!
ـ يا واد.. عيب كده!
ـ بابا طلعت له ذقن كبيرة على وجهه.
ابتسمت ((إلهام)).. بما يعني أن زوجها قلق، ويفكِّر فيها. وأهمل حلاقة ذقنه. ولكن... إنها تخاف لو أهمل عمله أيضاً، خاصة وأنه لا يرد على الهاتف في مكتبه.
ـ سألت ابنها: إنت كيف شفت بابا، وفين؟!
ـ رحت له البيت.
ـ لوحدك يا جني؟!
ـ أخذت فلوس من جدي من غير ما أقول له، وركبت تاكسي ورحت لبابا البيت علشان أضربه!
ـ ومين اللي قال لك إن ((أبوك)) في البيت
ـ ما حد قال لي. سعتك تتكلمي مع جدي وجدتي. عرفت إنك بتكذبي عليَّ.
ـ عيب يا ((فارس)) تقول عن ماما كذابه!
ـ وليه عيب.. ما هو إنت كذبت عليَّ. بس ياست ماما.. أخدت من الشارع اللي قدام بيتنا عصا كبيرة. وضربت جرس البيت.. فتح بابا.
ـ ها.. وبعدين؟!
ـ رفعت العصا علشان أضربه وأنا أقول له: إنت طردت ماما من البيت ليه.. إنت زعَّلتها ليه. أخدني في حضنه وباسني بقوة، وشفت دموع في عيونه.
ـ سألك عني؟
ـ لأ.. سألني عن ((عهد))!
ـ يا ولد؟!
ـ هو قال لي بعدين لا تقول لماما إني سألتك عنها. لكن هو سألني.. أنا ما أحب الكذب زيك!
ـ المهم.. ليه ما جبته معاك؟
ـ أما كانت عصا كبيرة يا ماما.. كنت رايح أخرج الدم من راس بابا علشانك، وكنت رايح أظلمه.
ـ وإنت كمان تعرف الظلم؟!
ـ الظلم في كل مكان.. ما شفتي الأطفال في لبنان؟
ـ يا ولد يا سياسي؟!
ـ إيوه.. الدم رجع في وجهك لما قلت لك بابا هنا في البلد.
بس يا ماما إنت ليه دايماً تزعِّلي بابا؟!
ـ هو قال لك كده؟
ـ تعرفي يا ماما.. إنت وبابا زي الأطفال!
ـ يا فارس.. إنت لسانك طويل، بعدين أضربك!
ـ لما تزعلي إنت مع بابا.. دا أكتر من الضرب.. كأني أنا وأختي مسافرين.
ـ طيب.. خلاص. ما قلت لي ليه ما جبت بابا؟!
ـ بابا راجل ما يجي.. إنت لازم تروحي له.
ـ إشمعنى.. هو اللي زعَّلْني؟
ـ وإنت تركت البيت.. هو ما قال لك أخرجي!
ـ ما شاء الله.. درّسك ولقّنك وإنت كده مفعوص؟
ـ مفعوص إيه.. وتلقين إيه؟ حرام عليكم. قومي نروح بيتنا.
ـ وإذا ما قمت؟!
أجيب لك العصا!
كيف؟.. ولد قليل الأدب!
دخل والدها وهو يستمع إلى نهاية الحوار بين ((إلهام)) و ((فارس)).. يقهقه سعيداً.
ـ قالت إلهام لوالدها: أنت كمان مبسوط من تهزيء ابني لي؟!
ـ دا ما هو تهزيء.. ما شاء الله على فارس، ذكي، ولبلب. أنا مبسوط منك يا فارس.
ـ قال فارس: يعني ما إنت زعلان يا جدو علشان ركبت تاكسي ورحت لبابا؟
ـ لأ.. إنما المفروض تعطيني خبر.. على الأقل كان رحت معاك.
ـ وليه ما رحت قبلي، والا كان أخدت بنتك ورجعتها لبيتها؟!
صرخت ((إلهام)) في وجه ابنها مؤنبة: أنت فعلاً قليل أدب!
ـ قال والدها: بالعكس.. فارس معاه حق.
قرع جرس الباب في هذه اللحظة. قام ((فارس)) يركض وخلفه ((عهد)) تردِّد:
ـ بابا جا.. بابا جا!
انزلقت دمعة من عيني ((إلهام)) وهي ترى ابنها وابنتها يتشوقان لرؤية والدهما.
عاد ((فارس)) يقول لجده ووالدته:
ـ دا السواق معاه أكل!
جاءت ((عهد)) ووقفت في مواجهة أمها. ثم وضعت يدها في خصرها تتوعد:
ـ أنا قال لي فارس عن مكان بابا.. أنا وهو رايحين عنده، وإنت على كيفك.
نظرت ((إلهام)) نحو أبيها، ووالدها ما بين حالة الابتسام والتأنيب لابنته. قامت ((إلهام)) من مجلسها إلى غرفة أخرى.
ـ سألها فارس: أنا وعهد رايحين لبابا مع جدو.
ـ قالت بحدة: روحوا.. أنا لا يمكن أرجع له، إلا إذا جاني بنفسه، واعتذر، ووافق على طلبي.
اختفت ((إلهام)) في غرفة أخرى تنتحب. لحقت بها أمها تهوِّن عليها، وتقنعها بالعودة إلى بيتها دون أن تفلح. قالت لها أخيراً.
ـ إحنا عملنا اللي يرضي ضميرنا، اللي بتعمليه غلط، ورايحة تتحملي نتيجة وخيمة بعدين!
ومضى النهار كله.. دون أن يعود إليها فارس، وعهد، وحتى والدها لم تره.. فهي لم تبارح غرفتها، حتى خيَّم الليل.. فشعرت بالقلق. خرجت تسأل أمها. قالت لها:
ـ أبوك اتكلم بالتلفون، وبعد شوية راجع مع فارس وعهد.
ـ قالت: أحسن.. بس أنا بدي ورقتي.. لازم يطلقني.
خبطت أمها على صدرها فزعة، وبكت، وهي تقول:
ـ يا بنتي اتعوذي من الشيطان.. فين يروحوا الأولاد من غير أبوهم؟
ـ قالت: مكلَّف إنه يصرف عليهم.
ـ قالت أمها: وإنت؟.. تتزوجي الديكور أفندي؟!
ـ قالت: بلاش سخرية يا ماما.. لو كان ((خالد)) يحبني.. ما رفض طلبي.
ـ قالت أمها: وهو عمره ولد الناس رفض لك طلب؟.. لكن طلب مجنون زي هادا لازم يكون مرفوض.
ـ قالت: ما هو طلب مجنون.. من حقي إني أعمل.. أجل أخدت الشهادة ليه؟
ـ قالت أمها: يا بنتي ما قلنا حاجة.. إنما بالتفاهم، لو كان مرتب زوجك ما يكفي معليش.. بعدين، فين يروحوا أولادك.. عند مين.. الخادمة؟!
ـ قالت: أنا ملِّيت يا ماما من قعدة البيت. و((خالد)) طاير طول النهار.
ـ قالت أمها: عجيب والله.. ما هي طبيعة الرجل وعمله.. من فين تاكلوا؟ ويجلس معاك يعمل إيه؟!
كان الحوار يرتطم دائماً بين الأم وابنتها بجدار صلب من التشبث والعناد والإصرار.
ودخل ((فارس)) وخلفه ((عهد)).. دون أن يكلما أمهما. توجست منهما شيئاً. صرخت في وجه ((فارس)).
ـ إيه.. مبلِّم كده ليه؟
ـ قال فارس: إنتوا تجيبونا، ونحن اللي نتعذب.. تجيبونا ليه؟!
رفعت ((إلهام)) كفها، وصفعت ((فارس)) على وجهه قائلة:
ـ أنت زوَّدتها.. لسانك طول ولازم تتربىَّ.
تلقفت ((فارس)) جدته.. بينما أخرجت ((عهد)) لسانها لأمها، وركضت تجري إلى جدها، خوفاً من صفعة تلحق وجهها مثل أخيها. وانخرط ((فارس)) في البكاء.
لأول مرة تصفع ((إلهام)) ابنها بهذه العصبية والقسوة. تحدَّرت الدموع من عينيها ندماً.. فهرعت إلى ابنها تحتضنه وتبكي، وهو يرفض أن تلمسه، وقد اختلط صوته بنحيبه قائلاً:
ـ ابعدي عني.. ما أحبك، وكمان ما أحب بابا.. إنتو الاثنين مجانين. أنا بدي أسكن هنا مع جدو!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1085  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 90 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.