شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سطر...بدفء شجرة!
(1)
● دعني أشرع أمامك أبواب نفسي.
أنا هذه "الأنثى" التي لا تعرف شيئاً عنها.. ولكني - في بدء دخولك إلى نفسي - أقول لك: إنني "محرومة" من نعمة الغيرة!
الغيرة - في رأيي - وإلى حد طبيعي، هي نعمة!
أظن ذلك لأنها توقد الغضب في الإنسان، ومع الغضب يسرع النسيان!
عندي صديقة لم تستطع أن تنسى بسرعة.. لأنها لم تستطع أن تغار من امرأة أخرى جذبت انتباه رجلها!
لعلك تدهش، حين تعلم أن صديقتي أبقت على صداقتها مع تلك المرأة التي استحوذت على عواطف رجلها.. لم تنقص صحبتها يوماً.. لم يتغير لونها ظلاً واحداً!
فكيف تصدق؟!
بقيت أفكر في هذا "الموقف" القصة، أو في هذه القصة التي تخلخل فيها "الموقف"!
تذكرت ما علّمته أمي لي منذ وعيت!
كل ما تعلمته من أمي بقي في حياتي مقدساً، مقدساً، مقدساً!
أتذكر الآن أنها قالت لي ذات يوم:
ـ الغيرة خطأ.. إنها تدمر حياة المرأة!
شربت هذه الكلمة. رضعتها مع اللبن من ثدي أمي. حفظتها غيباً. حرمت من الشعور بها!
الغيرة خطأ.
النساء جميعهن، أو أغلبهن يغرن. لكني أنا.. الغيرة عندي خطأ!
فكيف أفسر ذلك؟!
غير وارد أن أقتل رجلي، أو أقتل نفسي.. أيضاً غير وارد عندي أن أغار. الفعل والمقارنة يتساويان!
لو عاد رجل صديقتي إليها - قبل أن تنساه - لغفرت له، وعادت إليه!
لعلك تظن، أو - متأكد - بأن الذي لا يغار.. لا يحب!
ربما.. في ظروف طبيعية!
لكن ظروفي أنا، لم تكن طبيعية.. لم، ولن أعرف الغيرة!
(2)
لقد طلبت "الحبيبة" ذات يوم أن تتعرف علي.. بحجة أسباب علمية!
لم أكن أعلم الخلفيات، والأسباب الحقيقية.
لم أكتشف شيئاً.. إلا بعد أن أصبحت صديقتي حقاً.
عرفت السبب الحقيقي لتعرفها عليّ.. لأنها أرادت أن "تتفرج" على الزوجة التي تستحوذ على الضوء في حياة زوجها.. على الجهر أمام الناس.
فهمت.. وأشعرتها أنني لم أفهم!
ستقول: برود ليس له مثيل. وغريب!
ربما ..ولكنني طمأنتها من خلال مجرى حديث عادي، وقلت لها:
ـ إنه لم يحبني قط!
كذبت عليها. كنت قد نسيته يومها على كل حال. وكان لطمأنتي وقع السحر عليها.
وتوثقت صداقتنا أكثر!
وذهبت إلى زوجي بسؤال/ جواب.
ـ سألني مندهشاً: هل هي محاكمة.. أم ماذا؟!
ـ أجبته: لك ما تشاء. لعلها مصارحة. صدق. شجاعة. أنا أصلي من أجلك يومياً لكي تنجح في الهروب مني!
هل يمكن أن كل صلواتي ودعواتي لم تنفعك؟!
بل.. كيف يخطر في بالك أنني أطلب منك براهين وإثباتات على صدقك. على.. لا أدري ماذا؟
لمجرد أنني قلت لك: إن الله قد برهن لي مراراً أنه يحبني. بمعنى أنني أطلب منك براهين، أم ماذا؟!
منطق الأطفال دائماً يلكزني بالدهشة!
لا شيء أطلب منك... لا شيء سوى الهرب - بنجاح - بجلدك الأبيض، وبسرعة البرق!
لم يجبني. صمت. وبقي يحدق في وجهي!
(3)
استطردت بسؤال/ جواب ثالث، كأننا في محاكمة سرية - علنية. قلت له:
ـ من المسؤول عن وضعك "الحزني" هذا؟!
كأنني أصغيت إلى صوتك يردد:
ـ لست أنت المقصودة بالحزن.. بل لعلك تشبهينني - فقط - بمشاعرك!
ست سنوات أعرفك. من بعيد ومن قريب. ولكني لم أحاول أن أستفزك؟
ما تبقى.. يصبح لا أكثر من صُدَف، غرقت بها أنا أكثر من غرقك أنت!
تهت. استغرقني ذهول منتش، أو كأنني بلا وعي.
وجدت نفسي بدون سابق إنذار "مجرورة" مثل أية كلمة يسبقها حرف الجر.. مثل الخروف إلى المذبح، ولكن.. لا أدري إلى أين؟!
أقول لك دون أن أتحرك: لقد وجدت نفسي - فجأة - في غير المكان الذي كنت أقف فيه!
المضحك - المحزن: أنني أنا - لسبب ما لا أزال أجهله - وبشعور داخلي.. كنت أحس طيلة الوقت أنني "مُطاردة" لأطاردك!
وجئت أنت بعد ذلك، تقول لي العكس.
صدقني.. لقد ضعت، برغم إنني أدري أكثر منك بأن النساء يختزن الرجال عادة، مع إيهام هؤلاء الرجال أنهم هم الذين اختاروهن!
كلنا في داخل هذه الحكاية بالذات!
أنا لم يخطر في بالي أن أفعل ذلك.
إن كنت ترتاح لفكرة أنني طاردتك.. لا مانع عندي!
أنا لا أحاول أن أجادلك.. أحاول - فقط - أن أخبرك الحقيقة، كما رأيتها.
أنا - أيضاً - حاولت الهروب مرات، وكنت أنت.. أنت - في كل مرة - تعيدني مقيدة من هنا، أو هناك في ظلك، تماماً.. بمثل هذه الصورة التي صورها الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً، وقال له إياك.. إياك أن تبتل بالماء!
(4)
هذا الحوار معك.. أعتبره إجابة عن سؤالك الذي طرحته:
ـ لماذا لا أعترف؟!
ها أنذا أعترف: إنني لأول مرة منذ سنوات ضعفت!
يلتقي الواحد منا بين الحين والآخر شخصاً.. يشعر أنه يعرفه من زمن.. ينجذب إليه بسرعة تفوق سرعة الصوت، ويحس بتقارب عفوي معه.. بأنه لو التقاه في ظروف حرة أكثر.. لكان حراً معه أكثر!
حدث هذا معي خلال أعوام طويلة.. لكنني - في كل مرة - كنت أقطع الحبل بحزم من أول الطريق، وبسكين حاد جداً، لا يترك مجالاً للأخذ وللعطاء.
ومرة. أو أكثر.. أصر "الطرف الآخر" على العناد.
أخبرت أهلي، وطلبت منهم أن يزيحوني عن طريق ذلك الشخص، لأنني لا أريد أن أضعف!
أنا لم أضعف مرة واحدة خلال تلك السنوات الطويلة.. سوى هذه المرة معك!
أنت لا تحب التردد، والحلول الوسط.. ولا أنا!
لذلك يا - سيدي - فإن الحل الوحيد، هو وضع حد لمشاكساتنا المطلقة.
وجدت نفسي مسروقة، ومتهمة بالسرقة!
وأصدق نفسي، وأصدقك!
يحصل.. ربما لا يحق للواحد منا أن يلقي نظرة خارج الدار، حتى ولو مرة بعد سنوات طويلة!
ربما.. لكنني فعلت ذلك.. سامحني أرجوك.
يوم كان عمري سبعة وعشرين
عاماً.. كانت حواجز أهلي تقيدني، لأنني لو كسرتها لطالت الملامة أمي قبلي.. فنذرت "العزلة" حتى لا يطال ظفرها الصغير سوء!
ولم تتخذ صديقتي - يومها - هذا القرار الذي اتخذته أنا.. إلا بعد أن تأكدت أنها لن تؤذي أمها، أو عائلة رجلها، أو فتاها!
لكني الآن أنا.. وليست صديقتي!
أنت مخطئ إذ تظن أنني ألعب بألعابي، ثم أحطمها وأرميها.
مخطئ.. مخطئ.. وهذا يكفي!
(5)
هل من أسئلة أخرى؟!
نعم أعرف أنك تخبئ لي سؤالاً بعد.. وهذا جوابي عنه!
تعلم أن أمي ذهبت إلى هناك.. إلى بلدنا لبنان، وإذا لم أستطع أن أراها خارج ذلك الجحيم، فلابد أن أذهب إليها
وحدي.. لن أصطحب الأولاد معي.. لن أعيدهم إلى كابوس ما قبل ثلاث سنوات.. حين هربنا من خروم الشبك بالبحر!
المطار قد يقفل أو يفتح مئات المرات.. من الآن، وإلى أن يأذن الله!
أنتظر، وأرى. أتمنى لو رميت نفسي في البحر!
غليان....
قد تخرج أمي من البحر!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :785  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 47 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.