شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سطر..بدفء حلم!
(1)
● كانت تقف في نهدة عمرها.. تحوطها المرايا!
ترى وجهها.. وما تعبر عنه ملامحها وانفعالاتها وتلقيها.
وترى ما حولها.. ما يؤثر في حياتها مداً وجزراً.. شروقاً وغروباً.. ضحكة ودمعة!
وترى ما خلفها.. وما يدبر، مما يعد تجربة مضت، أو خسارة آلمت، أو ذكرى رسبت الأصداء والشجن في أعماقها.
حاولت أن تحذر وتلتزم الحرص.. وأن لا تنزلق بخطوة متعجلة لا تعرف نتائجها،ولا تبصر امتداد الطريق إلى هدف تريده.
وأنهت دراستها الثانوية، واستقبلت مرحلة جديدة في عمرها.
وعندما انخرطت في مجتمع الجامعة.. كانت البداية بالنسبة لها تفرض عليها الكثير من التلفت، والتمعن، والحذر.
ـ قال لها والدها مرة: لا تكثري في التلفت إلى الخلف، ولا حولك.. لا أمنعك أن تفعلي ذلك حتى تكتشفي من بجانبك، ومن يلتصق بك، ومن يمسك بيدك، ومن يحاول أن يطعنك من الخلف.. لكن كثرة التلفت تعيقك عن التركيز في الطريق الذي أمامك، وتعرقل خطواتك أو تؤخرها قليلاً.
وفي الجامعة.. أطلق عليها زميلاتها صفة: المنعزلة، أو الصامتة!
وبرغم أنها حينما تناقش فكرة ما في دراستها.. تحاور، وتكسب إعجاب من يسمعها، وتذهل اللواتي لا يملكن إلا الإصغاء إليها عندما تتحدث!
وحينما تخلو إلى نفسها.. لابد أن تفتش عن إحدى صفاتها التي "يتهمها" بها زميلاتها، وتتعجب!
وأيضاً.. تجد نفسها تبحث عن إحدى صفاتها التي تداريها، وتواريها عن الناس وتجسدها بالخيال، وتحادثها، وتعيدها ثانية إلى ذلك الصندوق - بين ضلوعها - وتقفل عليها!
(2)
كثيراً ما تساءلت في خلوتها:
ـ هل الأحلام عيب؟!
تصمت بعض الوقت.. ما بين حيرة تتوازعها، ويقين يسكن نفسها، وتجيب بعد ذلك:
ـ من قال إن الأحلام عيب؟!
الأحلام.. تصبح في بعض الأحيان مطلباً ضرورياً أو علاجاً نفسياً للحصول على الراحة.
ولكن.. ربما تصبح الأحلام رهقاً، ونصباً.. لو استطرد الإنسان بأحلامه فتجاوز الركائز الهامة في حياته، واستخف بالأحزان، وبالتحديات وبالمثل، وبالقيم، وبالطموحات.
وعادت تستفتي نفسها بسؤال آخر:
ـ ترى.. هل تطول أحلامك هذه؟!
وإلى متى يظل الإنسان يحلم؟!
تجيب عن هذا السؤال وهي شاردة نحو البعيد:
ـ أحياناً.. أحلامنا تعين قدراتنا، وأحياناً أخرى تشل تلك القدرات!
لكن الإنسان ينتقل من حلم إلى حلم.. كلما حقق حلماً، فإنه لا يكتفي وإنما هو يتطلع، أو يتلفت نحو ميلاد حلو جديد.
ـ استطردت: ولكنني أعترف. نعم.. لسنا الآن في زمن الأحلام!
إن الكوابيس التي تقض غفوات الإنسان مفزعة وأليمة على النفس.. فنحن في عصر الماديات، وعصر السلاح المهدر ضد النفس الإنسانية المباحة، فكأنها كوابيس متلاحقة!
تفكر قليلاً، أو يستغرقها الشرود. صوت من داخل نفسها يعلو قائلاً:
ـ ولكننا نفرح أيضاً. هناك الحلم، و هناك الأمل، وهناك الحب الذي يرقرق المشاعر، و يهدهد النفوس الملتاعة!
(3)
ولم ينته هذا الديالوج الداخلي بينها، وبين نفسها.
لكنها حاولت أن تحبس ما تبقى منه في صدرها، وأن تتنفس في نفس الوقت.
وشخصت بنظرها إلى نجمة بطيئة الحركة.. تتوسط السماء في ليل يسوده السكون والظلام، كأن القمر الذي تفتش عنه أصبح يخضع لمثل حالة بعض البشر في مناطق من الأرض.. يخضع لحظر التجول، والإحتماء من النيازك والشهب.
وطال تحديقها، وهي تنفي - في هواجسها - أن توافق بين ما يجري على الأرض بفعل الإنسان ضد نفسه، وما يجري في امتداد السماء الرحبة!
وفي تلك الهواجس.. كانت بعض الصور الراحلة من حياتها تلوح كما الأطياف، وتتذكر الكثير، والمحدود!
لقد كانت تحلم - منذ أخذت تشب عن الطوق - واندفعت إلى العلم، وأنهت الدراسة الثانوية، ودخلت الجامعة.. ومازالت تحلم، قائلة:
ـ كيف يمكن للإنسان أن يتسلق الشاهق من مرتفعات الزمن الوعرة، ولا يسقط؟!
وهي الآن في عامها الجامعي الأخير.. قاب قوسين أو أدنى من التخرج!
هي الآن.. تعتادها في وحدتها هذه أسئلة أخرى عن الخيارات الصعبة:
ـ هل تواصل التحصيل.. حتى تنال الدكتوراه؟!
ـ ترى.. ما هو المجال المفيد للزمن الآتي؟!
أم تراها ستقبل الاقتران بشاب من الذين تقدموا لخطبتها، وتقنعه بالاستمرار حتى تحقق حلم مستقبلها؟!
إنها الخيارات الصعبة.. فأين المستقر؟!
وأين ذلك الشاب الذي تتطابق رؤيته للمستقبل مع رؤيتها.. فيضمها إليه رفيقة درب، وشمعة تضيء حياته، وإثراء حب يرفد وجدانه؟!
كيف يفهم الشباب.. أن المرأة لم تعد فراشاً، وغسالة، وبوتوجازاً، وثلاجة تبرد أعصابه؟!
مازالت تذكر ذلك الشاب الذي تقدم لخطبتها بعد أن طلق زوجتين.. الأولى عاش معها عاماً، والأخرى طلقها قبل انتهاء فترة الخطوبة؟!
كان دفاعه عن نفسه: إن البنت هذه الأيام تريد زوجاً "مفصلاً".. بينما هو، كان يريد زوجة بالزر!
(4)
انشطر وجهها الصافي إلى جزءين:
وجه يبتسم، والآخر يغرق في الحزن!
ولماذا الحزن إذن؟!
إنه الحزن المضطرب.. حزن لو تبددت الأحلام، حين يقتحم الإنسان الحياة العملية، أو حياة المشاركة لإنسان آخر، أو تقتحمه الحياة بهمومها ومشاغلها، فتغمر لحظة التألق الروحي!
وهو حزن.. لو تحققت الأحلام، وأصبحت معايشة، ومن ثم معاناة وأشياء صغيرة، وبذلك تنحرف الأحلام وتتشوَّه. فلا تبقى للإنسان تلك اللحظة التي تمنح التألق الروحي!
ـ وكأنها تناجي نفسها فتقول:
كل فتاة حينما تتزوج، تتضخم آمالها بما يشبه تضخم ميزانية المال.. بمعنى: أنها تشعر بالاضطراب، أو تطلب المزيد على حلم متواضع وهنيء، أو تصاب بالفجيعة عندما لا تستطيع أن توفق بين الحلم والحقيقة!
(5)
وشعرت بالحزن، ويتكشف هذا الحزن أكثر، وهي تستعيد صدى صوت الشاب الذي تفكر أن ترتبط به، دون أن تعده.
لقد كان يهمس لها قائلاً:
ـ سنتزوج بمجرد خروجك من قاعة الامتحان.
ـ قالت له: أنا أرفض هذه الطريقة.. لأنها تشعرني بالزج السريع!
وتراءى لها - لحظتها - أن هذا الشاب يعدو نحو صفقة لا يريد أن يخسرها.. وهي ترفض أن تفهم الزواج على أنه صفقة.. حتى لو وجد فيها صفات الجمال، والعقل والنضج، والهدوء.. ولكن روحها أكبر ما فيها، أو أن الروح هي مضمونها.. بينما العقل هو عنوانها الإنساني!
طلبت منه أن يطرح بينهما بساطاً من الحوار ليلتقيها عند نقطة تجمعهما!
ولكنه هرب.. كأنه قد تغرغر بكوب ماء ومجّه!
وشعرت أن جانباً من الحلم قد احترق، وتساءلت:
ـ ترى.. هل هذه صفة الشباب اليوم؟!
(6)
ونجحت في الجامعة، لكنها رسبت في أول تجسيد للحلم!
وتحسست صدرها ذات مساء بعد تحديق طويل في الصمت. ونقرت بأصبعها على موضع القلب، لعلها تسمع الصدى!
إلى متى.. تبقى جالسة ترتقب أن تسمع الصدى؟!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :758  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج