بقلم عبد الله أحمد بوقري - بقسم مراقبة الصحافة بمكة
يا فم الغيب كم ترى تبلع الذخر الذي تم صنعه من دهور(2)!
الله أكبر! أهكذا يفعل القدر؟ أهذا مصير الحياة؟
مرسل عن يد لهذا المصير
((كل)) ما تزرع الحياة حصيد
أغاب ذلك الفرقد الثاقب؟!! انهار ذلك الجبل الشامخ العالي؟ أمات ذلك الأديب الصامت الحساس الأستاذ ((محمد عمر عرب))؟
نعم لقد مات وخيّم الظلام وحلت القارعة، إِن الفجيعة ثائرة لا تهدأ فما المصير؟ وما القول؟ لا غرابة أنها تصاريف الدهر وما يحوكه القدر ، أجل لا غرابة! فالموت حق لاحق بنا جميعاً، وهذه سبيل الورى، فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ.
أَفزعنا ذلك النبأ الأليم حينما اصطدم به السمع صباح يوم الأربعاء 6/5/1375 وتيقظ القوم من غفلتهم وهرعوا من مراقدهم لوداعه الأخير، وكانت الوجوه كئيبة شاحبة وكانت الرؤوس مطرقة ذاهلة. وكان الحزن عميقاً لاعجاً وكان الدمع دفاقاً منهمراً، كل إلى ربه ناظر خاشع يطلب رحمته وغفرانه.
فالفقيد - رحمه الله - يتصف بصفات خلقية قل أن تجدها في سواه. كان أباً رحيماً لا تفارقه تلك الابتسامة الرقيقة المرتسمة على شفتيه، قوي الإيمان بالله، ويتحلى بمواهب اللطف وكرم الأخلاق مع المروءة العالية، مساعداً لمهضومي الحقوق نزيهاً في كل أدوار حياته، وكان شاعراً عاطفياً يمتاز بسهولة التصوير - وهو من الرعيل الأول وقد تتلمذ له الأستاذ محمد حسن عواد إلى حد ما(3) كان أديباً بليغاً قوي البديهة حاد الذكاء معروفاً برقة الأسلوب وإن كان لم يكتب إلا قليلاً لأنه ليس من أصحاب الرسالات. وقد ولد بمكة المكرمة سنة 1318 هجرية وتلقى علومه بمدرسة الفلاح بمكة. وتقلب في مناصب حكومية كثيرة وآخر منصب ارتقاه هو أنه اختير رئيساً لديوان وزارة الصحة.
هذه ملامح بعض السمات والصفات التي كان يتحلى بها الفقيد. وأخيراً تعازينا وزفراتنا الحار. إلى أهله وذويه وإلى الأدباء جميعاً ممتزجة بالدعاء والابتهال للفقيد الغالي.
الأبيات المستشهد بها في هذا المقال مقتبسة من قصيدة ((في بيتها وعلى قبرها)) للأستاذ العواد في رثاء والدته، وهي منشورة في ديوانه ((نحو كيان جديد)) في باب ((الشاطئ المنتظر)) طبعة دار المعارف بالقاهرة.
لم تكن تلمذة حقيقية، وإنما كانت صداقة ومشاركة في البحث ومناقشة وسماعاً للمحاضرات التي كان يلقيها ((عرب)) على تلاميذ مدرسة الفلاح بجدة وكان العواد أحدهم حينذاك ولكنه كان لا يخضع لما يسمع خضوع التلاميذ بل كان شذ عنهم فيجادل أساتذته ويناقشهم وكان يحرج الكثير منهم بحرية فكره واستقلاله، الأمر الذي لفت إليه ولاة أمر المدرسة فاختاروه مدرساً للصفوف العليا والمتوسطة لكبار الطلبة من أقرانه ومن هم أكبر منه سناً، وكان من ضمن هؤلاء الأديب حمزة شحاته وكثير من أمثاله.