شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ندوة المنهل (1)
هل استفدنا من الأدب؟!!
[اجتمعت (( الندوة )) للمرة الثانية في (( دار المنهل )) . وكانت في هذه المرة مؤلفة من الأساتذة: محمد عمر عرب، محمد عمر توفيق، حسين عرب، محمدحسين زيدان، السيد أمين مدني، عبد الله عريف. وتولى (( المحرر )) مهمة تدوين الحوار: وكان الموضوع الذي طرح على بساط البحث موضوعاً أدبياً من طرف، وحيوياً يتناول صميم حياتنا من طرف آخر. إنه يتناول دراسة أثر الأدب الحديث، أو أدبنا الحديث على التعبير الأدق - في توجيه حياتنا الحاضرة.. هل أثر؟ أو ما اثر؟. وماذا أثر إن كان له اثر؟ ولماذا لم يؤثر إن لم يكن له تأثير؟.. وقد بدأ الحديث الأستاذ محمد عمر توفيق فقال]:
- أرى أننا لم نستفد من الأدب الحديث شيئاً إذا نظرنا للفائدة من ناحيتها الاجتماعية العامة. وأما إذا نظرنا لمعنى الفائدة من الناحية الخاصة.. الناحية الفردية فيمكن أن نقول: إننا استفدنا من الأدب. فقد وجد في البلاد أدباء ووجد طلاب للأدب. هؤلاء الأدباء تكوّنوا واستفادوا من مزاولتهم للأدب وأصبحوا بستطيعون الكتابة والنقد والمناقشة. ولكن حينما نسائلهم: ماذا استفادت البلاد من أدبهم فإنهم لا يأتون في إجابتهم بفائدة واضحة.
السيد أمين مدني: ماذا تعني بالفائدة؟ فائدة الأدب للأدب؟ أم فائدة الأدب للحياة؟
محمد عمر توفيق: اقصد أن البلاد لم تستفد من الأدب الحديث فائدة مذكورة في حياتها الاجتماعية وفي توجهها وفي سائر مرافقها. وغاية ما يمكننا أن نقول استفادته البلاد من أدبنا الحديث أنه وجد فيها شيء اسمه كتاب وشيء اسمه قراء.
عبد الله عريف: أنا أعتقد أن الأخ محمد عمر توفيق متأثر في هذا الرأي بمزاجه التشاؤمي.
محمد عمر عرب: هل هو شوبنهاور جديد أو ماذا؟
عبد الله عريف: الواقع إن البلاد استفادت من الحركة الأدبية الحديثة! وأكاد أجزم بأنها لم تستفد من أي شيء كاستفادتها من هذه الحركة الأدبية. والأدب - معناه - تصوير لفكرة أو تعبير عن إحساس، والعمل لا بد أن تسبقه فكرة. فالأدب الحديث عندنا كان واسطة نقل الأفكار إلى البلاد وإشاعتها بين الجمهور.
حسين عرب: هل تقصد إشاعة الأفكار الخاصة إلى الجمهور؟
عبد الله عريف: نعم ذلك ما أقصد؛ والأدب هو الحافز لها على البروز؛ ولست أنكر أن الإنتاج اضعف مما كان منتظراً.
محمد عمر عرب: وهل تعني بالإنتاج انتاج العام؟
الأستاذ عبد الله عريف: أجل! أقصد الإنتاج في الحقل الاجتماعي العام. وسبب ذلك الضعف في الإنتاج هو قلة المتعلمين وقلة القراء.
السيد أمين مدني: أما قول الأستذ محمد عمر توفيق: إن الأديب عندنا لم يستفد فينطبق على بعض الأدباء، ونجد - في نفس الوقت - أدباء آخرين استفادوا وأفادوا. وإذا كانت الأسباب التي أدلى بها الأخ العريف فإننا نجد أنفسنا أحسن حالاً من ذي قبل، ذلك أننا إذا قسنا حالتنا الأدبية وحالة القراء عندنا نجد البون شاسعاً.
* * *
وهنا أنتقل البحث إلى ارتباط تأثير الأدب في الحياة بالتعليم قوة وضعفاً..
عبد الله عريف: هل يمكن أن يزيد التعليم في الإنتاج الأدبي - إذا زاد التعليم - بأحسن من ذي قبل؟
السيد أمين مدني: نعم يمكن! ولكنني مع ذلك لا أعتقد أن التعليم سبب ضعف التأثير الأدبي في الحياة، وإنما السبب فيما ينشر نفسه؛ ويجب أن يكون أنواعاً منوعة.
عبد الله عريف: هذا ينقلنا إلى موضوع آخر وهو محدودية الاختصاص.
* * *
وعاد ((الحوار)) إلى موضوع الأدب وأثره المباشر في الحياة..
محمد عمر توفيق: المسألة الآن هي: هل الأدب افاد اجتماعياً أم لا؟
السيد أمين مدني: نعم قد افاد اجتماعياً!
محمد عمر توفيق: وإذن فإني أحب تحديد الفائدة..
محمد عمر عرب: يقصد السيد أمين - وأنا كذلك - إن الأدب لم يفد من كل ناحية عامة، وإنما أفاد بعض المتأدبين إفادة خاصة، وهو في نفس الوقت أفاد فائدة معنوية عامة، لأنه قارب بين الطبقات، وفي نفس الوقت أشاع شيئاً من التفكير في شؤون الحياة وأوضاع المجتمع، فقراءة ما ينشر في الصحف سواء كانت محلية أو خارجية وسعت آفاق التفكير في الأدب الحجازي، ففي الوقت الحاضر يباح لك أن تقرأ بدون رقابة، بعكس ما كانت عليه الحال في عهد مضى.
محمد عمر توفيق: فلو فرضنا أن كل الطبقة الموجودة أمية فما فائدة الصحافة؟
محمد عمر عرب: لقد وجد الأدب في الحجاز قبل أن يوجد التعليم الحالي.
محمد عمر توفيق: وإذن فقد كان الصدى للتعليم لا للأدب: وإذن الأدب لم يفد شيئاً.
عبد الله عريف: أنا أقول: الصدى للأدب لأنه قوام توجيه النواحي الاجتماعية والسياسية فكان كالقنبلة تحدث في المجتمع.
السيد أمين مدني: وأنا كذلك أضم صوتي إلى صوت الأخ عريف.
محمد عمر عرب: كان الأدب في هذه البلاد يتنفس في جز ضيق جداً؛ وكانت هناك رغبة حافزة لدى أغلب المتعلمين إلى نشر الأدب وتوجيه الحياة إلى الوجهة الصالحة. ولا تزال هذه الرغبة تزداد بازدياد اتساع الأفق الأدبي؛ وبذلك يمكننا أن نقول: إن الأدب افاد المجتمع من ناحية غير عامة.
حسين عرب: الذي أعتقده هو أنه يجب تحديد الفائدة المنتظرة. وأنا لا أظن أننا نطلب من الأدب الفائدة المحسوسة التي نتوخاها من الطب أو الهندسة مثلاً، فالأدب فوائده معنوية؛ تتصل بالأذهان والعواطف. أما الطب والهندسة والعلوم ففوائدها حسية تتصل بأسباب الحياة الظاهرة. نحن لا يمكن لنا أن نطلب من الأدب أن يرصف الشوارع، أو يخطط الميادين، فهذه أمور من اختصاص الهندسة، ولا نطلب منه أن ينشئ معامل الأسلحة، فهذا من شأن العلم والميكانيك. تقول يا حضرة الأخ محمد عمر توفيق: لم أجد للأدب ثمرة ملموسة. ومتى كان الأدب عقاقير يجري تحضيرها في أنابيب واقراص، يحقن بها المريض أو يبتلعها، ليصبح أديباً أو حساساً، كما يحقن المريض بالكالسيوم والفيتامينات؟ فيصبح معافى سليماً؟! الأدب فن والفنون كالبذور التي لا تثمر إلا في تربة خاصة؛ فالأديب يستطيع أن يؤثر في أصحاب المواهب والطباع الفنية والأدبية، ولا يسري تأثيره في غير اصحاب الطبع والمواهب من الناس.
السيد أمين مدني: لا شك أن بعض الموضوعات التي يطرقها الأدباء عندنا الآن توقظ الروح وتحفزه إلى العمل وإلى التفكير في العمل.
عبد الله عريف: يرى الأخ حسين عرب التفريق بين نتائج العلوم ونتائج الأدب. فإذا قلنا إن للأدب نتائج معنوية فلا بد له من نتائج مظهرية.
محمد عمر عرب: الأدب لا يخرج عن كونه أحد الحوافز إلى التفكير وإلى العمل.
محمد عمر توفيق: وأخيراً هل أثر الأدب في المحيط العام؟
عبد الله عريف: نعم أثر! وأثره كان في كثرة القراء.
محمد عمر توفيق: كثرة القراء مدينة للتعليم لا للأدب.
محمد حسين زيدان: الأدب كمؤثر لا بد له من متأثر. ولا يتأثر إلا المتعلم التأثر الأهم، وقد يتأثر غير المتعلم بالأدب. بدليل أن الجاهليين وهم غير متعلمين قد تأثروا بالأدب. فإذا كانت الفائدة المتوخاة من الأدب أن نجعل من كل قارئ راوية فهذا لا يمكن. وأما إذا كانت الفائدة المقصودة أن يوجد الأدب روحاً في الشعب للتحفز إلى العمل فقد أوجد فينا هذه الروح، ولقد أوجد فينا وحدة اللهجة. فالحارات كانت تختلف لهجتها فضلاً عن المدن: مكة والمدينة مثلاً.
والآن بفضل أحاديثنا في الأدب وكتاباتنا أتحدت اللهجات.
محمد عمر توفيق: أنا أقول: إن هذا ليس أثر أدبنا. وإنما هو أثر الأدب العالمي في إذاعاته وصحفه.. أما أدبنا فليس له أثر يذكر.
محمد حسين زيدان: ولكن نحن الذين نقلنا هذه الاثار إلى قرائنا. فكانَ لنا فضل التأثير المباشر عليهم.
محمد عمر عرب: تعني أننا - في هذه الحالة - أشبه بموصل كهربائي..
محمد حسين زيدان: (مسترسلاً): إن ضعف تأثير أدبنا جاء من قلة إقبال الناس على الأدب. فلو أقبلت الكثرة الكاثرة على هذا الأدب لكان تأثيره قوياً بالغاً.
عبد الله عريف: والأرقام التي عندي تعدل على زيادة إقبال الناس على الأدب من ناشئة وغيرهم بدليل أن الجريدة بدأت بألف وخمسمائة الآن ستة آلاف.
محمد حسين زيدان: يمكن أن تكون هذه الزيادة من القراء.. غاية الشاب منا - والفكرة من الأستاذ قنديل - أن يكون أديباً. ولكن تنوّعت الغايات الآن، وأصبح كل شخص يسير وفق ما تحدده ميوله الطبعية.
محمد عمر توفيق: أقول: لو ألغيت الصحف الموجودة مثلاً، ولم يبق أحد يسمى أديباً فماذا يترتب على هذا؟ لا شيء!..
محمد حسين زيدان: إلغاء كل هذا لا يمكن. بدليل أن الهتلرية غيّرت الأدب الألماني فجاء أدب آخر. والأدب كميل ذوقي؛ وكضرورة حيوية لا يمكن إلغاؤه والأدب متأثر بالحياة ومؤثر فيها.
عبد الله عريف: وأقول شيئاً آخر. إن العقل الأدبي له أثر في التنظيم الحكومي.. ففي المشاريع العامة كان للعقل الأدبي تأثيره.
محمد عمر توفيق: أنا لا زلت على رأيي من أن الأدب ليس له أثر إلا فينا نحن الأدباء.
محمد عمر عرب: ومن رأيي أننا تنقصنا وسائل النشر.. أما أننا أنتجنا شيئاً فذلك ما لا شك فيه. إن رجل الشارع يقرأ ما نكتب، ويعي ما نقول:
محمد حسين زيدان: رجل الشارع مدين لأدبنا وصحافتنا وأنديتنا.
عبد الله عريف: ولقد تحسنت لغته فأصبح يقول: عفواً، شكراً. الخ..
محمد عمر توفيق: إذا كان هذا هو أثر أدبنا فهو إنتاج تافه.
السيد أمين مدني: قال الأستاذ محمد عمر توفيق: إن الإذاعة والأدب الخارجي أثَّراً على مجتمعنا أكثر مما أثَّر أدبنا، هذه نقطة إما أن نقرها وتعالج، أو نردها ونقنعه بتأثير أدبنا في مجتمعنا.
عبد الله عريف: الأدب الخارجي لا يؤثر في الرأي العام إلاَّ من طريقنا نحن الأدباء.
حسين عرب: أرى أن الخاصة استفادت من الأدب الخارجي في الأدب الخاص؛ والعامة استفادت من الأدب العام كإذاعات الراديو.
محمد حسين زيدان: كانت مصر تكتب قبل 50 سنة بلغة الجبرتي ولغة العطار، لغة سقيمة، ولكن بعد خروج لفيف من العلماء المهذبين عدلت اللهجة الأدبية. ونحن اقتبسنا من هذا الأدب ((المعدل)) ومزجناه بغيره من الأدب الأوروبي فكان لنا كيان أدبي.
محمد عمر توفيق: أنا معك في أننا قد صار لنا كيان أدبي.
محمد عمر عرب: وصارت لنا فائدة جماعية بالنسبة لك ولغيرك من الأدباء.
محمد عمر توفيق: ولكن إذا ألفت كتاباً أدبياً ونشرته فهل تجد مناقشاً لك؟ إن الأدب عند الناس شيء تافه لا قيمة له. بعكس الحالة في مصر مثلاً. إذا ألف فيها الدكتور طه حسين أو العقاد مثلاً كتاباً عنّ له مناقشون ومناظرون ومقدرون.
محمد عمر عرب: سبب هذا شيئان قلة التعليم وقلة الأنفس.. في مصر تعليم واسع الآفاق وأنفس كثيرة تقرأ.
* * *
وانتقل الحديث - إلى موضوع أثر الأدب إذا كان للأدب؛ وأثر الأدب إذا كان للحياة - في المجتمع. فقال السيد أمين مدني: إن الأستاذ إسماعيل مظهر نقد الدكتور طه حسين في موضوع كان يجول فيه فقال الأستاذ مظهر: نرى الأدباء ينحدرون اليوم في موضوعات ليست من الأدب في شيء. فرد عليه الدكتور طه بقوله: إن الأدب الآن أصبح عاماً، يشترك في كل مشاكل الحياة. إنه تطور.. فكان الأدب الصحفي الحديث كأدب التابعي مثلاً وأدب غيره مما ينشر في صحف مصر وغير صحف مصر فيستقبله القراء بلهفة وشوق.
محمد عمر توفيق: وهل للأستاذ العقاد قراء مثل التابعي فيما ينشران؟
محمد حسين زيدان: لا!
محمد عمر توفيق: وماذا يستفيد القارئ العادي من كتب العقاد؟
محمد عمر عرب: (موجهاً حديثه للأستاذ محمد عمر توفيق) أقول: إن المتعلم البسيط يستسيغ كتابة المازني لا لضعفه، ولكن لأنه يقرب إلى مدارك هذا المتعلم البسيط ما يبحث فيه. إنه يوصل فكرته إلى القارئ مبسطة أحسن من غيره؛ أما الأستاذ العقاد فله مقالات تقرؤها أنت كما يقرؤها سواك ولكنها بحاجة إلى دراسة. لأنها تمتاز بالعمق وبعد الغور.
حسين عرب: لقد تشعب الموضوع.
محمد حسين زيدان: نحن نجمع على أن الأدب قد افاد البلاد وأتى بنتائج ملموسة.
عبد الله عريف: فقد أوجد فيها حالة اجتماعية.
محمد عمر توفيق: هذا رأي الجماعة: أما أنا فلا أزال أنكر أي أثر للأدب غير أني أقول: إن له أثراً فردياً في الأدباء أنفسهم، وفي الطبقة المتعلمة التي يعن لها أن تقرأ بعض الأدباء.
محمد حسين زيدان: وهذا هو التأثير؛ وهذه هي الفائدة.
محمد عمر عرب: إذا كنت تقصد أن الأديب ينتج شيئاً حسياً فهذه فكرة لم نصلها بعد؛ وإن كنت تقصد أن الأديب يأتي بفكرة ويدعو إليها فهذا حاصل ومحقق.
عبد الله عريف: أنا أقترح قفل الجلسة وأن نحتكم إلى القراء في هذه المسألة.
تعقيب المحرر:
.. وهكذا تشعب الرأي في هذا الحوار إلى ثلاثة أوجه: رأي يقول: بأن أدبنا الحديث لم يكن له تأثير في حياتنا لا معنوياً ولا اجتماعياً. ورأي يقول: إنه أثر معنوياً في حياتنا وينتظر أن يؤثر اجتماعياً إذا توافرت له الأسباب. ورأي يقول: إنه لا ينتظر من الأدب أن يؤثر حسياً؛ وإنما له اثره المعنوي الملموس. وبقي بعد هذا أن نأخذ آراء القراء عما إذا كانوا قد تأثروا بالفعل بأدبنا الحديث؛ وبماذا تأثروا من ألوانه؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :873  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 37
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.