شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بديع جران العود
ونريد هنا - أن نسرد طائفة من شعره نحلل فيها خيال (جران العود ) البديعي ففي مثل هذا البيت الذي جئنا به ضمن أبيات من حكمه:
ولا فاحم يسقي الدهان كأنـه
أساود يزهاها لعينيك أبطـح
(يريد الشعر الأسود القاتم) فيتصوره -وقد سقى الدهان فكان له بريق- حيات تتلامع في رمال البطحاء.
وهو يتصور المرأة المسحاح (السّريعة الخطى -وهو عيب في النساء وعلى زعمهم) وكأن عظامها لاعوجاجها وهزالها صوالجة نزع عنها المشبح لحمتها فيقول من هذه الأبيات- الحكمية نفسها.
ويغدو بمسحاح كأن عظامهـا
محاجن أعراها اللحاء المشبـح
ويتصورها وقد ابتز عنها قميصها ظليماً لا ريش له على ذنبه وساقيه خفيف الموخر فيقول:
إذا ابتز عنها الدِّرْع قيل مطرد
احص الذنابي والذراعين أرسح
ويشبه العقاب التي جرت يوم عرسه وكأنما أحرق بالنار منسرها وساقها العقيم في هذا البيت:
عقاب عقبناه كـان وظيفهـا
وخرطومها الأعلى بنار ملوح
وهو في قوله:
فخر وقيذاً مسلحبـاً كأنـه
على الكسر ضبعان تقعر أملح
يشبه نفسه وقد تدحرج مغشياً عليه ممتداً كما يرتمي الضبعان الأملح وهو يشبه المرأة الحسناء طيبة الخلق بروضة تصفر الرياض وييبس نبتها وإلا هي فقد منع حدائقها الندى أن يعبث بها وتدليها - السحائب الجون الدلح فيقول:
ولسن بأسواء فمنهن روضـة
تهيج الرياض غيرها لا تصوح
جمادية أحمى حدائقها النـدى
ومزن تدليه الجنائـب دلـح
وليتبصر القارئ الكريم معنى جميلاً بعيداً في (حماية الندى للحدائق أن يعبث بها) وهو يشبه الهديل (أو الفرخ – ابن الحمام) الغامز في مشيته بسكران يغني من نشوة الخمر فيقول:
كان الهديل الظالع الرجل وسطها
من البغي شريب يغرد متـرف
وهو يرى الأوانس يصلصلن الحجول كأنهن أبكار مها متآلفات الناس كأنما ربين في البيوت في قوله:
وبيضاً يصلصلن الحجول كأنها
ربائب أبكار المهـا المتآلـف
وما أبدع التشبيه في هذا البيت:
فبت كان العين أفنان سـدرة
عليها سقيط من ندى الليل ينطف
فهو يشبه عينه والدمع ينحدر بأفنان سدرة عليها جليد فهي تنظف فطال عليه الليل حتى جعل ينتظر سهيلاً حين يطلع آخر الليل ثم ما يلبث أن يسقط كما تطرف العين.
أراقب لوحاً من (سهيل) كأنه
إذا ما بدا من آخر الليل يطرف
ثم انظر سذاجة التشبيه في روعة الفطرة حين يقول:
لحقنا وقد كان اللغـام كأنـه
بلحس المهاري والخراطيم- كرسف
فيشبه زبد أفواه الإبل بلحس المهاري وأنوفها بالقطن ومثله قوله:
وكان الهجان الأرحبي كأنـه
-براكبه- جون من الليل أكلف
فيشبه الأبيض من الإبل الأرحبي سواداً من الليل لم تصف حمرته من سواد أطرافه.
ويشبه أسنان الكاعب العذاب. وريقها والنشوة التي تخالطهن بالخمر في قوله:
كأن ثناياها العذاب وريقهـا
ونشوة فيها خالطتهن قرقـف
ثم هي تهين جليد القوم فكأنه مريض محنة يئست منه العائدات فيقول:
تهين جليد القوم حتـى كأنـه
دو ئيست منه العوائد مدنـف
وهو يشبه نفسه أمام النساء كالغامز في مشيته تقبل قدمه على الأخرى فيقول:
كان النميري الذي يتبعـنـه
-بدارة رمح- ظالع الرجل أحنف
ويشبه قلبهما وقد باتا قعوداً من سدة الخوف بقطا وردت الأشراك فنشبت فيها فيقول:
فبتنا قعوداً والقلـوب كأنهـا
قطا شرع الأشراك مما تخـوف
ثم إليك قوله:
ينازعنا لـذا رخيمـاً كأنـه
عوائر من قطر حداهن صيف
فيشبه الحديث المخفوض الذي تجاذبا أطرافه بمتفرقات من القطر جئن من قبل الصَّيف. وإليك هذا الخيال الرائع والمعنى الجميل في قوله:
كلانا نستميـت إذا التقينـا
وأبدى الحب خافية الضميـر
فاقتلها وتقتلـنـي ونحـيـا
ونخلط ما يُمَـوَّتُ بالنشـور
ولكنـا يموتـنـا رسـيـس
تمكن بالمودة فـي الصـدور
رشيف الخامسات وقيط هضب
قليل الماء في لهـب الحـرور
وهنا روعة الجمال وبراعة الوصف وحسن المجاز في قوله:
يكاد المجد ينضح مـن يديـه
إذا رفع اليتيم عـن الجـزور
(يعني نفسه) - وقد ذكرنا ذلك عند الحديث عن امتداح (جران العود) نفسه وفي قوله:
ببلقعـة كـأن الأرض فيهـا
تجهـز للتحمـل والبكـور
يريد أن يقول: كأنما تنهب الأرض من تحتهن فهن تبادرن بالإسراع في السير.
وهو يشبه شدة إمعان نظره في كسر بيتهن بشدة نظر الضبعان بين السخابر في قوله:
أصبحت قد جُمِّعْتُ في كسر بيتكم
كما جمع الضبعان بين السخابر
وهذا خيال جميل في هذه الأبيات الآتية:
ادهقان حال الناي دونك والهجر
وجمع (بني قلع) فموعدك الحشر
ألا ليتنا من غير شي يصيبنـا
(بتهلك) لا عين تحس ولا ذكر
بعيداً عن الواشين أن يمحلوا بنا
وراء الثريا والسماك لها ستـر
ألا ليتنا طارت عقاب بنا معـاً
لها سبب عند المجرة أو وكـر
ألا طرقت دهقانة الركب بعدما
تقوض نصف الليل واعترض النسر
فقد كانت الجوزاء دهنا كأنها
ظباء أمام الذئب طردها النقر
فما ألمتنا والركـاب مناخـه
إذا الأرض منها بعد لمستها قفر
وهو يشبه الأيك وقد صدحت عليه الورق نائحات تلتذ من الندامى. وقوله:
كأن الأيك حين صدحن فيـه
نوائح يلتـذذن بـه الندامـا
هذا قليل من كثير من بدائع (جران العود) في شعره أردت أن أسوق أمثله منها. وأحب أن أترك للقارئ الكريم فرصة الاستنتاج بنفسه - من أمثال هذه البدائع حين يتناول ديوانه بين يديه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :712  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1281 من 1288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.