ولما شددت الرحل قال محدثي: |
أرى صاحِبي عجلان ملء ثيابه |
ترى هل حزمت الأمر أم أنت مسرع |
خطاك، فلم تحفل بكل صعابه |
فقلت: بلى لكن إلى الله هجرتي |
وللمصطفى المختار ثُم صحابه |
أما إننا وفد النبي وضيفه |
فأكرم بمضياف تُرى في جَنابه |
مشينا نشد الرحل نحو الذي به |
هدى الله أقواماً مشوا في ركابه |
لنقرئه منا السلام مُعَطَّراً |
بذكراه نستهدي بها في رحابه |
ونأمل عفو الله عن كل زَلَّة |
ونستلهم الله الهدي عند بابه |
وحسبك من قرب (الرسول) ووصله |
وقد غاب عن دنياك غَيْبُ خطابه |
وإن لبعض الغيب في النفس هزَّةً |
يُقَصِّر عنها ماثل في ثيابه |
كذلك ذكرى النابهين وإن جرى |
بها الدهر صخَّاباً بطيّ عُبابه |
تَرَدَّدُ في مسمع الزمان وخلده |
وتَعْلَقُ منه في جبين كتابه |
فقل للألى ظنوا الحياة غنيمة |
قنعتم بماء ضاحل بل سرابه |
تعجلتمو زيف الحياة فغرّكم |
فتونٌ لها يُغري بريقُ خِضابه |
ولَلْبَاقياتُ الصالحاتُ خوالدٌ |
على الدهر أبقى للفتى في مآبه |
سلاماً - رسول الله - من قلب مدنف |
هواك وحَرُّ الشوق قد بَرَّحا به |
أتاك يُغِذُّ السير، لهفان، مسرعاً |
يُبَلّل جوفاً صادياً من لُعابه |
ألحَّ عليه الوَجْدُ، والشوق، والهوى |
وكلهمو يضني الفتى من عذابه |
ولكنّ شقوى الحب، بِرٌّ، ورحمة |
مذاقهما حلو على رغم صابه |
قعدتُ فلم أشخص إليك، ولم يكن |
هواي، مصيرُ المرء فوق حسابه |
وأخشى الذي أخشاه، أنْ كنتُ مبعداً |
عقوبةَ محروم، وِفاقاً لِعابه |
وما كنت - وأيم الله - أسلوك إنما |
حليف ادكار، رغم طول غيابه |
وما كنت - عمري - جاحداً فضل نعم |
فكيف بربي، ثم هادي صوابه |
ولكن يعزيني يقيني بأنني |
محب، وهذا شافعي في عتابه |
وإن عظيم النفس من كان حبه |
شفيعَ محب، مُقْصِرٍ في جوابه |
وأي عظيم لا تُرى أنت فوقه |
ومن مثل قلبي صادقاً في حُبابه
(1)
|
وكنتُ على البعد المُمضّ أزُفُّها |
تحية مشتاق تُصَوِّرُ ما به |
فأسمع في أعماق قلبي إجابة |
يَرِفُ لها قلبي رفيف شبابه |
إجابة من يُربى الكرامة مُجْزِلاً |
كريماً، يحاكي المزنَ عند انسكابه |
فكيف وقد أمسيت مذ شد رحلنا |
على قاب قوسين، هنا، في رحابه |
حبيبي رسول الله طوبى لمدنف |
لقاء حبيب بعد طول اغترابه |
وتلك لعمري - حظوة دون حظوتي |
بلقياك في أرض الهدى ومآبه |
شددت إليك الرحل في مطلع الهدى |
إلى مصدر الإشعاع غِبُّ احتجاجه |
ركنت إلى (الأنصار) للحق داعياً |
فكان بنو الأنصار آساد غابه |
وحسب بني الأنصار ما خَلَّدتْ لهم |
صحائفُ مجد في جليل كتابه |
جزيتهمو عنها جزاءً مُوفَّقاً |
كدأبك في شتى الفِعال النوابه |
رجعت بهم من بعد فتحك (مكة) |
(ليثرب) إكرامَ الشَّرى وغِضابه |
وقلت لهم قولاً يكافئ حبَّهم |
وإنك أدرى بالهوى وطِبابه
(2)
|
"لو أن عباد الله ساروا بمسلك |
وعاف بنو الأنصار شتى دِرابه |
سلكت مع الأنصار عقبى حفاظهم |
على الحق حتى أصبحوا كجِرابه" |
ومن هو أولى منك بالفضل والنهي |
جزاء كريم، أو رعاية نابه |
ألا يا صَفِيّ الله.. قد طبت مولداً |
وطبت فَتِيًّا في ربيع شبابه |
فكنت (أميناً) في قريش وسيداً |
حبيباً إليهم، طاهراً في رِغابه |
رضوه لأمر ليس يُرْضي لمثله |
سواه فكان الخيرَ فصلُ خطابه |
وكنت ترى في ما حواليك أمة |
وليس لها في العلم غير حَبابه
(3)
|
تلمست باب الله تستلهم الهدى |
كأنك تدنو منه فوق هضابه |
وتستنزل الإلهام نجوى مُنَبَّئ |
فرشَّدك الرحمن هَدْيَ صَوابه |
ورحت تنادي الناس: هذي سبيلكم |
إلى الله. فامشوا خُشَّعاً نحو بابه |
وما هي إلا البِرُّ والخير والتُّقى |
ونصرةُ مظلوم، ودرأُ مُصابه |
وكنت (مثالَ الدعوة الحيَّ) رائعاً |
تعيش لمحض الخير بل لِلُبابه |
ضربت من الأمثال ما يرفع الورى |
فسارت مع التاريخ فوق ضبابه |
تشق لنا سبل الرشاد كأنها |
صُوىً تُرشد الساري طريق احتطابه |
ولكننا حدنا عن النهج قيّماً |
ضلالَ جهولٍ، سادرٍ غير آبه |
فإن جرَّنا للخير داعٍ من الهوى |
خفي، عجزنا عن تمام نِضَابه |
ومن أضمر السوأى وأظهر غيرها |
فلا بد أن يبدو بغير حجابه |
وإنا ذوو دعوى بعيد حدودُها |
كحُلْم شَروبٍ غارقٍ في شرابه
(4)
|
فحق علينا أن نبوءَ بوزرنا |
جزاء كذوب مفحش في كِذابه |
إلى الله نشكو أنفساً ضل سعيها |
تملكها غي هوت عن غلابه |
فسخرت الدنيا متاعاً معجلا |
غرور غبي مسرف في طِلابه |
ومن يأمن الدنيا يكن مثلَ آمن |
أَذى الليث امّا افتر عن بعض نابه |
فيا رب إني في جوار (محمد) |
وعبر رؤى التاريخ - غِبّ اصطحابه |
إليك رفعت الكف ألتمس الرضا |
وأرتضع الغفران، حلوى رُضابه |
فما لغريق في الخطيئات شافع |
لديك - وأنت الله غير منابه |
* * * |