قالت - تُسِرُّ إليّ البثَّ -: ضائقةٌ |
وبين أحداقها حزن تُداريه |
ولاح لي بين أجفان الحبيب جَوىً |
وحرقة ودموع في مآقيه |
وفي ملامحها ما كدت أقرؤه |
من الحديث وكادت لا تُخَبّيه |
فقلت: يا أخت روحي. بل مشاربها |
هل لي إلى بعض ما يؤسي أؤدّيه؟ |
لكنها حبست عني مدامعها |
وإن بدا الدّمع رقراقاً تواريه |
واسترجعت زفراتٍ من حشاشتها |
أخفت بهن الذي كادت لَتَحْكيه |
قالت: فما ثَمَّ ما أشكو إليك به |
وليس من سبب أسطيع أبديه |
فقلت: بوحي إلى حُرّ يَضِنُّ بما |
أسررت. عن نفسه إن شئت يخفيه |
بوحي إليّ. إلى صدر سيحملها |
عن صدرك الغض. مثلي من يُفَدّيه |
لا تُثقليه. فتُذوي من نضارته |
في مَيْعَة العمر إن الهمَّ يذُويه |
بوحي إليّ. لعلّي إذ أشاركه |
في ما يعانيه أُذهِبْ من غواشيه |
فإن أقل لك شيئاً في مؤانسة |
شورى القلوب لهمِّ القلب تُزجيه |
ولا تضني بأن تضفي عليّ يداً |
إن كان لا بدّ من حق أوفِّيه |
والسرُّ عندي في الحالَيْن مُدَّخَرٌ |
في حرز مِثْلَيْه. بل عندي فصونيه |
وكل صدر حَرِيٌّ أن يبوح إلى |
صدر بآلامه، أو عن أمانيه |
عَلّي أواسيك بعضَ الوقت. فآنْفَجَرَتْ: |
والوقت مِن بعده ما حيلتي فيه؟!
(2)
|
فقلت يرتاح فينا القلب آونة |
فيستعين بها في ما يلاقيه |
لولا المرارة لم نعرف لضَرَّتها |
معنى ولا ذاق طعم الشّهد شاريه |
وفي الدَّمامة ما يُوري مشاعرنا |
إلى الجمال اندفاقاً في مجاليه |
فاستروحي تستريحي فالوعاء إذا |
ما اكتظّ نقذف منه بعضَ ما فيه |
قالت ولكنني لا أشتكي سبباً |
أحسُّه الآن في نفسي فأرويه |
فقلت هذا كلام لست أنكره |
في منطق العقل بل إنّي لأَدْريه |
يحسُّ واحدُنا في بعض حالته |
هَمّاً تَنَزَّل لا تُدري مساريه |
أما الحقيقة في علمي وتجربتي |
فإنه عَرَضٌ للهمّ نطويه
(3)
|
إنا لنختزن الآلام نحبسها |
عن ظاهر الحسّ في عمد وتمويه |
إما لنخدع عن عمد مشاعرنا |
أو نخدع الناس عن حال نجافيه |
فما تَرَسّب في الاحساس مُخْتَزَنٌ.. |
إلا تسرَّب همّاً في مجاريه |
فعالجي الأصل تنفي من عوارضه |
ما تشتكين فإن الكبت يذكيه |
واستروحي تستريحي فالوعاء إذا |
ما اكتظّ نقذف منه بعض ما فيه |
وقلت للنفس: حسبي من محاورة |
هذا الذي كان أمْسكَ عن تقصّيه |
وإن تكن حبست عني شكايتها |
عِزَّ الكريم عن الشّكوى تؤذيِّه |
فإنها أشعرتني - جِدَّ صادقة - |
أني إلى قلبها مما حواشيه |
وعدت أسأل في مكر المحب وفي |
إشفاقه من ظروف لا تواتيه |
يا أخت روحي أخشى أن أكون أنا |
بعض العناء لمن بالنفس أفديه |
قالت: بل العكس. قلت العكس منبهمٌ |
على فؤادي ففضيّه تريحيه |
فغمغمت وتهادى في تبسّمها |
وبين أحداقها معنى أرجّيه |
فقلت للنفس حسبي من مداعبة |
حسَّ الغواني حياءٌ لا تُزيحيه |
وقلت: أم مقدمي في غير موعده |
أثار من شأننا ما لم تحبيه |
قالت: بل العكس - إني قد سعدت به |
حتى لأَذْهَبَ بعضاً ما أعانيه |
فقلت بعضاً! فقالت وهي ضاحكة |
لا بل كثيراً. كثيراً من مآسيه |
فصار للعكس تفسيراً سعدت به |
يغني عن الشرح في شتى نواحيه |
ورُبَّ لفظٍ إذا فَسَّرْتَه عَنَتَاً |
ضاقت بِمُتَّسَع فيه معانيه |
* * * |