شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تصدير
هذا الديوان. وهذا الشاعر
د. محمد عبد المنعم خفاجي
رئيس رابطة الأدب الحديث بالقاهرة
مصطفى زقزوق..
شاعر كبير مشهور..
تعرفه صحف المملكة العربية السعودية، والصحف العربية عامة ويعرفه قراؤها.. كما يعرفه الأدباء والشعراء.. شاعراً جيد الطبع، كامل الموهبة، أصيل السليقة العربية، متميزاً في ألفاظه وأسلوبه وأخيلته ومعانيه؛ لغته الشعرية تجتمع فيها أصالة البادية، وجمال الحاضرة، وسمات الحضارة.. لغة لها مسحتها العربية الخالصة وكأنها لغة العرب الأوائل الذين عاشوا في بطحاء مكة المكرمة وبين أوديتها، وكأنها لغة عمر بن أبي ربيعة، وجميل وكثير والأحوص، ومن إليهم من شعراء الحجاز في القرن الأول الهجري.
وديوان الشاعر "مرابع الأنس" شاهد عدل على سلامة اللغة، وصحة اللهجة، وجمال الأسلوب، وحسن الأداء.
وقد عرفت الشاعر مصطفى زقزوق من صحف العربية السعودية أولاً، ثم من صحفنا ثانياً وبخاصة الصفحة الأدبية لجريدة الأهرام، ثم من مختلف الأندية واللقاءات هنا وهناك أخيراً، ورأيت فيه شبهاً كبيراً بشعراء الوجدان الرومانسيين وشعرهم، ففيه ملامح من ناجي والهمشري وعلي محمود طه، وفيه مشابه من الشابي وأبي ماضي وبشارة الخوري وعمر أبي ريشة وعبد العزيز شرف، وفيه سمات متميزة نراها في شعره العاطفي، وقصائده الوجدانية.
وهذا الديوان "نقش على وجه القمر" الذي سماه باسم قصيدة تحمل هذا العنوان، ويقول فيها:
ذكراك أجمل ما يمر بخاطري
ذكرى لقاء في مساء عاطر
والأيك غض والورود ندية
والروح ترفل في نعيم وافر
في الحب فلسفة لبعد ظالم
لا تنتهي أبداً بنبضٍ ساهر
قد يستبد بنا الحنين إلى مدى
حتى نكرم في لقاء ناضر
نحس بأن للغة فيه مذاقاً حلواً جميلاً ممتعاً، وكأنها لغة من صفاء، أو لغة من حرير كما يقول القائلون.
"ونقش على وجه القمر" يحاول أن يصل إلى غايات الشاعر على جناح من الخيال، ويسير بأمنياته حتى تكاد تبلغ المستحيل، ولكن شعراء العربية القدامى والمحدثين ناجَوْا القمر، وحدثوه، وحدثهم، ورأوا فيه سحر هاروت وماروت وبابل، وشبهوا به الجمال الناضر، والحسن الفاتن.. وبعد أن كان الوصول إلى القمر مستحيلاً، صار اليوم في عداد الممكنات، وتهيئ بعض شركات اليوم رحلات غير بعيدة للسفر إلى القمر.
"ونقش على وجه القمر" ذو دلالة على آمال الشاعر التي لم يبلغها، وعلى أحلامه التي يتمنّى لو أدركها، وعلى أن مضمونه الشعري هو مضمون حب غامر ووجدانٍ شاعر، وعاطفة حرى ملتاعة، ترى في الحب غاية الروح، وأمنية القلب.
ونقرأ قصيدته "موعد الأمس" التي يقول فيها الشاعر:
قولي لهم: كل يوم كان يؤنسنا
فيرقص الحب في أحلى ليالينا
يداعب الفل والريحان في وَلَه
وينثر الورد عطراً في روابينا
وقلبه الخافق الصافي يداعبني
ولاعج الشوق يسترعي أمانينا
والحسن يشدو به من غير ما كلف
والأنس مستيقظ والشعر يروينا
يا موعد الأمس هل دنياك يانعة
مخضرَّة الدوح لا زالت تنادينا
إلى آخر هذه القصيدة العجيبة، التي يلبس فيها الشاعر وشاح ابن زيدون رقيقاً فاتناً جميلاً مؤنساً، وكأنه جاء من عبقر بسحر الشاعر، وشعر الساحر.
وتقرأ قصيدته "منى" فكأنك تناجي النسمة العطرة، والبحر الهادئ، والفجر الوضئ، والضوء الجميل، وكأن كل ذلك يرف عليك، ويرنو إليك، ويقف حالماً بين يديك، وترى اللغة المعطرة، والصور المنمنمة، تناجيك وتناديك..
منى دعوتك من أعماق وجداني
والشوق يهتف في آهات تحناني
يا نفحة من فتيت المسك عابقة
تزهى بخد وقد جد فتان
طاف السرور على أحناء عاطفتي
والحسن يرقص من آن إلى آن
إلى آخر هذه القصيدة...
وكذلك تقرأ قصيدة "يا دموع الفراق"، أو قصيدته "حنين الموعد"، أو قصيدته الأخرى "أيام الربيع"، فترى الشاعر نفسه ممثلاًُ في صورة من صفاء ونقاء ووفاء وحنين.
المعجم الشعري عند مصطفى زقزوق تتجمع فيه كل عواطف الحب ووجدان الأشواق، ويموج بندى الفجر، وورود الروض، وألق الطبيعة، وهو معجم غني بكل أحلام العاطفة، ووهج الشعور وفتنة السحر.
ومصطفى زقزوق في هذا الديوان يغنِّي للحرم، كما يغني للإسلام والعروبة أحلى الأغنيات.. وينشد للإنسان وللوفاء وللحب، ولكل المعاني الجميلة أجمل الأناشيد.
وقصيدته الطويلة "أفياء" ترتفع بحكمتها وروعتها وجمالها إلى مستوى الإبداعات الشعرية الرفيعة.
ومن أرق قصائد الديوان مرثية لأمه "دموع الحزن"، والديوان يحمل تقديراً عميقاً لرمز من رموز العرب في العصر الحديث، ونلمس هذا التقدير في قصيدة "قلب العرب" العميقة الشعور بمجد الماضي، ومآسي الحاضر.
يعجبني في شعر الشاعر "مصطفى عبد الواحد زقزوق"، عضو رابطة الأدب الحديث وجماعة أبولو طبعه البليغ، وملكته الشعرية الأصيلة، ولغته السهلة الرقيقة وخياله الشارد المبهر، وصوره الأنيقة الفاتنة؛ ومناجياته الحلوة الممتعة.
إن الشعر هو لغة الحلم الشارد، والخيال النافر، والوجدان الثري، والعاطفة الحرى، والحب الصادق.
والشعراء كلما اقتربوا من لغة الحلم، ونقلوا أعماق الشعور إلى الناس، كانوا أكثر قرباً من الشاعرية الحقة.
لقد قرأت الشاعر عبد العزيز شرف في ديوانه "نهر الدموع"، وقصائد كثيرة من دواوينه الأخرى، فوجدت الحلم صار حقيقة، والرمز جسَّمه الخيال في صورة إبداع، والعاطفة أصبحت ضوءاً مبهراً يهدي الشاعرين إلى أرق الإبداعات.. ومن عجب أن أرى في "نقش على وجه القمر" صورة ذلك كله ممثلة في قصائد من أرق الشعر وأعذبه.
وهذا الديوان الذي تصدره رابطة الأدب الحديث اليوم للشاعر مصطفى عبد الواحد زقزوق يمثل صاحبه شاعراً رومانسياً، من كبار شعراء أبوللو الجديدة، وخلفاً لسلف كريم خالد، حلقت أسماؤهم في سماء الشاعرية الوهاجة، أحمد فتحي - الهمشري- د. مختار الوكيل، د. عبد العزيز شرف، وغيرهم من الأسماء اللامعة في شعر اليوم بين شعراء العصر.
* * *
والأديب والشاعر الرومانسي لا يستوحي إلا نفسه وإلهام ذوقه وصدى عاطفته، وأصبح يستلهم أدبه من الطبيعة والعواطف الإنسانية.
وقد قامت الرومانسية في إنجلترا ثم في ألمانيا وفرنسا ثم في أسبانيا وإيطاليا؛ والتيار الفلسفي الذي قامت عليه هو التيار العاطفي، وجمهور الرومانسية هم الطبقة الوسطى، بعد أن كان جمهور أسلافهم هم الطبقة الأرستقراطية، ومن ثم فقد نهضت الطبقة الوسطى في ظل الرومانسية، وبدأت تسترد حقوقها ومكانتها.
ونهض الشعر الغنائي في ظل الرومانسية للاعتداد بالفرد ومشاعره، فصار تعبيراً عن الانفعال أو عن التصور في أعلى درجات إيقاعه اللغوي، ومن ثم ولد الشعر الغنائي في مفهومه الحديث في الأدب الأوربي، وضعف شأن المدح التقليدي، وهان شأن الشعر الحكمي والتعليمي، وتكونت الوحدة العضوية للقصيدة، فأصبحت القصيدة ذات بنية حية تنمو من داخلها في اتساق تام نحو نهايتها، على نحو ما ذهب إليه جوته وأوسكار وايلد ولسنج.
وقد خلط الشعراء الرومانسيون مشاعرهم بمناظر الطبيعة، ودعوا في شعرهم إلى الأصالة، وكرهوا التقليد، حتى كان هوجو وهو من شعراء الرومانسية يقول: يجب أن يحذر الشاعر من النقل عن أي شاعر آخر.
ودعوة أبوللو الوجدانية لا تبعد عن دعوة الرومانسية هذه. فقد دعا أدباؤها ونقادها إلى:
1- الثورة على التقليد، والدعوة إلى الأصالة والفطرة الشعرية والعاطفة الصادقة وإطلاق النفس على سجيتها، وإلى الطلاقة الفنية، والبعد عن الافتعال وإلى التناول الفني السليم للفكرة والمعاني والموضوع.
2- البساطة في التعبير والتفكير، وفي اللفظ والمعنى والأخيلة، ويتبع ذلك التحرر من القوالب والصيغ المحفوظة وأساليب القدماء.
3- تركيز الأسلوب، والرجوع إلى النفس والذات وإلى العاطفة الإنسانية الصادقة، والاتجاه إلى الشعر الغنائي العاطفي، وإلى التأمل الصوفي.
4- الغناء بالطبيعة الجميلة وبالريف الساحر.
5- الغناء بالوحدة والألم والسأم والقلق النفسي والعذاب الروحي.
6- العناية بالوحدة العضوية للقصيدة، وبالانسجام الموسيقي.
وهذا الاتجاه العام لمدرسة أبوللو هو نفس الاتجاه الرومانسي في الآداب الأوربية وهو نفس روح شعر "نقش على وجه القمر" الذي بين أيدينا الآن.
تحية للشاعر مصطفى زقزوق صاحب أجمل الصور وتحية للديوان الجديد "نقش على وجه القمر".
محمد عبد المنعم خفاجي
رئيس رابطة الأدب الحديث
 
طباعة

تعليق

 القراءات :858  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 108
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج