شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إهداء
إليك يا "أمي"
تستوقفني مراحل العمر لمراجعة دقائق مواجعها ومسراتها من حين البدء مع الطفولة وإلى هذه اللحظة التي تستكتب ذكرياتي وأنا أقدم الطبعة الثانية من الديوان الذي أهديتك إياه خصوصاً عندما تئوب إلى المحزون نفسه.. بعد فراقها أغلى من تحب وافتقادها من يسكن بطاعتها قلبه، ويطمئن لبرها قلبها.. وتذكر وداعها الممض وتلك الآهات الأليمة، التي رسمت في وجداني أجمل وأكبر ملاحم التضحية والعطف والإيثار.. في أروع صورة امتزجت فيها حبات الدموع بعرق السنين ومهادنة الأيام.. حتى عادت في جوانحي ناطقة.. برغم الصمت والسكينة والوقار.. ولم أزل أراها تملي عليَّ الصبر والاحتساب كما علمتني.. ومراجعة كل فصول خداع الحياة.. والتوقف عند المعنى الصحيح للحب..الذي يرتفع فوق نوازع البشرية، إلى عوالم الغيب.. يتعطر بطهارة أسراره.. ويستظل بنوره السرمدي في مسارات السماوات العالية. وليس للنفس أن تنكر الإيمان بالقضاء والقدر..
وإذا ما عاد الإنسان إلى شكواه.. وإلى نجواه.. فإنه يستدل على المزيد من عناية الله به.. حين يتأمل نفسه ويرى أن حسن تربيته كانت من حسنات من رحل عنه إلى دار البقاء.. ويتمنى أن يسجل كلمة بين سجلات كفاح كريم في سفر عظيم لتكون البداية في كتابة القصة المضيئة للحب الرفيع.. يستلهم معانيه السامية والثبات في احتمال ألم الفراق الذي لا ينتهي وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. واللقاء بمن لا زلت أذكرها وتلهمني المشاعر الصادقة له باعتبارها المثل النابض في معرفة خوافيه.. والقدوة الحسنة في إدراك معانيه.. ومواساتها لهذا القلب المسكين في مصيبته فتجعل بتحنانها قلمي مشرعاً من أجل الإعتزاز بها.. وعساني أستطيع إيفاءها بعض ما لها من موجبات الثناء والدعاء.
ويا للأسف من تقصير غير متعمد في الوفاء.. فأراه ميلاداً جديداً لخفقات سوف تنتقل من ملأ إلى ملأ حتى تكون في جوارك في كنف الكريم الذي لا يبخل بفضله على عباده.. وإنه سبحانه أرحم الراحمين.
وأما عن معانيك.. فإنها خلاصة باقية في ذات لا يطاولها أحد أو يصاولها وأنت ترسمين عبارات زاهية عن المعروف. وكأنها خلاصة تجربة عمر مكلل به لأن مواقفك فيه لا يمكن مواجهتها بغير التقدير والعرفان. والإنسان بفطرته تأسره الكلمة الطيبة ممن يمتلك زمامها ويحافظ على أن يجعل منها الوسيلة في تخفيف ألم الوجيعة في مصاب وإلى ما بعد ذلك من الإحسان والثواب.
والحب.. لا نعرف صدقه إلاّ في مثل هذه المواقف.. لأنه لا يصدر إلاّ من قلوب عامرة به. فنستشعره جوهر إنسانيتنا.
وأنه في مؤداه لا بد أن يتصل بموجبات نزيهة.. أما التعامل بأسباب الكره في مناسبات شتى فإنه الخطأ الشنيع الذي لا يحتمل أي تبرير.. وأنه لا يأتي إلاّ من قلوب جائرة.. تتجاهل اعتبارات نهاية لا يؤخرها عن وقتها الاعتذار.. ولا تجد أمامها مساحة واسعة للانتظار من أجل إصلاح ما أفسده الكره؟ ويا ويلنا من عواطف ظالمة.. في زمن يختصر كل المسافات.. ويحمل العديد والغريب من المفاجآت؟‍ ثم ما هي مكاسب الكره.. وهو الذي يحتل الموضع المهين في حسباننا.. ولا يشكل إرادة الخير بين فضائل مكارم الأخلاق.. وأن من يعرف مقدار قوة الخير لا يقع تحت وطأة الندم.. بتحدي جمال المعقولات.. وأهل المروءات فيه لا يتفاعلون بضده.. ولا يخضعون لتأثيره باتخاذ قرار مؤلم؟‍!
كان هذا آخر درس في أصول تهذيب الروح وتطهيرها من أدرانها.. استقبلته بثقة كبيرة من "أمي" في آخر لحظة من أيامها.. يا لك من أم باسلة‍.
مصطفى عبد الواحد زقزوق
 
طباعة

تعليق

 القراءات :894  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 108
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج