وما ذكرت هذا عن المتنبي إلاَّ وأنا اليوم في هذه (الأُف)، ولقد مضت سنون فما تأففت، فلم يطرأ عليّ أمر أتأفف منه إلاَّ أن تكون في لحظة أغاظت فلم تكن من ألم أضنى الجسد وما من هوى أتعب القلب غير أني اليوم أقولها: أُفٍّ أُفٍّ أُفٍّ، وما ذلك إِلاّ حين تظاهر عليّ الضعف بألم ممض جعلني كما كلب الحراسة لا أنام ليلاً لأنام نهاراً كأنما نوم النهار عجز عن الحركة.. عن السوق، عن الجريدة، عن المكتبة، عن البحر، فالألم أحاط بالزندين، عصب يتشنج، فصحوة الألم ليلاً وغفوته نهاراً، فكأني أصبحت مسوقاً بعصا جبار عنيد قوته في ضعفه، وضعفه هو من ضعفي، فلا تعجبوا أن أقول أُفٍّ أُفٍّ ما دمت أصبحت كلب حراسة ما كلفت أن أحرس غنمي لا يأكلها ذئب وإنما أصبحت حارساً من هذا الذئب الذي استكلب على يدي.
وقالها أبو نواس الحسن بن هانئ:
وما الناس إلا هالك وابن هالك
وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكشفت
له عن عدو في ثياب صديق
وهكذا أقولها أُفٍّ: لأن الألم في صديق الجسد بينما هو عدو أنهك الجسد.