والغربلة اليوم عن إنسان تركبه حماقة، فالحماقة في الفصحى تعني الغباء المتكبر بينما هي في لهجة العامة تعني شديد الغضب، ولعلّي لا أبتعد عن لهجة العامة، وإن كنت القريب من الفصحى، ففي الإِمكان أنَّ ما تعنيه الفصحى هو الحقيقة وما عنته لهجة العامة هي استعارة، فما أكثر الحقيقة التي اتخذت منها الاستعارة فإذا الاستعارة أكثر استعمالاً، فكلمة النفيس بالعامية القحطانية القديمة تعني الواسع وفي الفصحى الجديدة عنت الثمين الغالي، فأصبح الجمع نفائس وبعد..
هذه المقدمة التي شرحت بها الحماقة أشرح من هو الأحمق الذي أكتب عنه، إنه ذلك الذي سبقني إليه كتاب التراث (كليلة ودمنة)، فمن قصصه حكاية (الغيلم) وهو الذكر من السلاحف، فهذا الغيلم حيوان بري وبحري أو على الأصح بحري بري خرج إلى البر فساحل قليلاً يستظل تحت شجرة من أشجار الفواكه، وبالمصادفة كان فوق الشجرة قرد لعوب، فأخذ يتلاعب بالغيلم يرميه بتفاحة يأكلها فاستطاب بالغيلم ذلك، والقرد حيوان أنيس فاستأنس بصحبة الغيلم وتشوق ذكر السلحفاة إلى أن يعود إلى البحر فإذا هو يجد أنثاه تدعي المرض فسألها عن ما أصابها فقالت أصابتني الوحشة عنك، وقال لي جارنا الغيلم وقد علم أنك صاحبت قرداً، قولي إنك في حاجة للدواء وليس هو إلا قلب قرد، وسمع الأحمق فرجع إلى البر يحتال على القرد بغباوة الأحمق يدعوه يركب عليه يذهب به إلى بيته في البحر، فسأل القرد: ((أمعك قلبك فإن أنثاي مريضة شفاؤها قلبك)) واستيقظ ذكاء القرد فقال للغيلم لماذا لم تخبرني أحمل قلبي معي فقد تركته فوق الشجرة ارجع بي لأحمل القلب، فرجع الأحمق به حتى إذا وصلا إلى البر قفز القرد على الشجرة وقال للغيلم هذا فراق بيني وبينك فلا أريد صحبة الأحمق ورجع الغيلم إلى بحره وكيده في نحره.