الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > التفاؤل والتواكل

التفاؤل والتواكل

ـ حين يستحيل التفاؤل إلى تواكل يصبح المرء عاجزاً يضع نفسه مأكلة لغيره لا يحسن التصرف يقف ينتظر، فالتواكل عجز النفس والعضل، انشغال بالفراغ. والفراغ مشغلة قاتلة..

وحين يستحيل التشاؤم إلى يأس يصبح المرء شرساً معجزاً يصب أذاه على الآخرين تسود الدنيا في عينيه حتى إنه ليأكل نفسه.. والأمة العربية بعضها استحال تفاؤله إلى تواكل، وبعضها استحال تفاؤله إلى تشاؤم. ولكن المخرج من هذا بادرة نصر تسترد بها النفوس العربية تفاؤلاً لا يحدث البطر، إنما تطرد به اليأس وليد التشاؤم..

قالوا.. إن فيلاً كان يعيش في الغابة يأكل من ثمارها كأنما أعالي الأشجار تتدلى تعطيه ثمرها، طال فاستطال، وكان من عبث الإِنسان أن جاء صيادون يطلقون الرصاص على ما يريدون صيده فاحترقت الغابة، وانتظر أياماً ليأكل فإذا لا شيء أصبح يسف العشب المترب ولبسته الشراسة من اليأس فأخذ يطأ ما بقي من الحيوانات الصغيرة.. يتقصدها.. الأرانب والفئران حتى إن خوفه من الفئران لم ينزع الشراسة منه. كأنه قد جن!

وقصد وادي النمل فأخذ يطأ ويطأ ولكن النمل لم يستسلم، لم يدركه التواكل ولم يثبطه التشاؤم،فأجمع بعض النمل أمره فضل فريق طريقه إلى خرطومه، فبنفرة واحدة سقط النمل، تجربة لم يعتد النمل إلى أن يفعلها، فتسلق بعض النمل يدخل أذنيه، جعله يتخبط، حك الأذنين في الشجر فأحدث جروحاً فأغتنم النمل تلك الجروح فأخذ يوسعها.. يشرب من دمه.. كبرت الفتحات.. تسلط عليه نمل كثير يتناوب الانتقام فأولاً أبعدوا عن طريقه يتكتلون زرافات زرافات تركب الجروح، فخار وارتمى. فجاءه الثعلب.. هل تريد أن أنقذك من النمل؟

قال: نعم..

قال: ولكن بشرط. تحملني في هذا النهر العريض لأني لا أستطيع قطع المسافة وأنا أعالجك..

كان الثعلب خبيثاً، لم يقل له أغطس في النهر يذهب عنك النمل، بل أخفى ذلك عنه فركبه يسير به حتى يصل إلى شاطئ النهر الآخر، وحين نزل الثعلب قال الفيل: أين العلاج؟

قال: يا كبير الجسم ويا صغير العقل، لقد عولجت ساعة أن غطست في الماء تسير بي، غرق النمل في النهر.. تبعثر. فأنت الآن لا تحس بأي نملة في جرحك. إياك وأن تستهتر بالصغار، فالنمل الصغير أذاب جسمك، والثعلب الصغير أحيا عقلك..

وأنشد الثعلب:

لا تحقرن ضعيفاً في مخاصمة

إن البعوضة تدمي مقلة الأسد

ثم أنشد مرة أخرى:

لا تحقرن كيد الضعيف فربما

تموت الأفاعي من سموم العقارب

فقد هد قدماً عرش بلقيس هدهد

وخرب حفر الفأر من سد مأرب!