شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشيء بالشيء يذكر
والشيء بالشيء ذكر، فقد انطوت السنون عن ذكرى حظيت بها يوم فهمت مقالاً في مجلة المقتطف، وكان ذلك قبل خمسين عاماً. واجترار الذكرى دعاني إليه ما كتبته في حواري مع أبي الضياء الأستاذ عزيز عن مقاله في المقتطف.
ولقد كانت المقتطف من أولى المجلات التي قرأتها. وما كانت تصلنا في تلك الأيام، ولكني قرأت ثمانين عدداً منها، من الجلدة للجلدة يوم كنت أنام في مكتبة، لم يكن أنيسي إلا الكتاب الأم. قضيتها سنوات ثلاثاً أعيش في أعراس القراءة وقد أعارني هذه الثمانين عدداً من مجلة المقتطف صديقنا رشيد الغز يرحمه الله وهو أبو هاشم رشيد، شاعرنا في المدينة المنورة ورئيس النادي الأدبي. كانت الأعداد الثمانون مجلدة أيام رئيس تحريرها يعقوب صروف يزامله فيها فارس نمر، يكتب فيها شبلي شميل والأساطين من العلماء. قرأت الأعداد الثمانين، فكانت الباب الذي فتح لي على ثقافة العصر الحديث، وأرجعتها لصاحبها. ولا أدري هل ابنه محتفظ بها الآن أم هي ذابت حين تذيب الغوالي عوامل الإِهمال. كما ضاعت مني مكتبتي الأولى، تركتها في المدينة، ولم تصل مع أهلي إلى مكة.
إن مجلة المقتطف ما أحسب أن مجلة قد سدت الفراغ بعدها. فمجلة الهلال والرسالة وأمثالهما كن على غير شاكلتها وإن أفضن علينا ثقافة الأدب وأدب الثقافة.
والذكرى عن المقتطف كانت ذات يوم. فقد ذهبت أشتري بعض العطارة من الشيخ عابدين البغدادي، حفيد موسى البغدادي عين الأعيان في جدة، يوم كانت للأعيان قيمة. وتأخر لا يزن لي ما أطلب من العطارة، يناولني عدداً من المقتطف، يقول لي اقرأ هذا المقال وأفهمني ما تفهم منه. وقرأته واقفاً ثم جلست أعيد القراءة. فقلت لا أستطيع أن أعطيك ما فهمت لأني لم أفهمه بعد. فأعرني إياه ليلة، أنكب على دراسته لعلّي أفهمه. فقال وقد سره ذلك. خذه ليلة أو ليالي فإني واثق أنك ستفهمه. فلست كهذين. وقد عرضته على أستاذ رياضي فاستعجل ولم يتم قراءته يريد أن يفهمني، فلم أره قد فهم شيئاً. وعرضته على الآخر وهو أستاذ أديب فإذا هو كالأول. قلت له: إن الأستاذ الأول لا يعرف العربية جيداً لأنه تعلم بلغة تركية. أما الثاني فقد طبع على ألا يقول لا أدري. يريك أنه يعلم كل شيء.
وأخذت المجلة، ودرستها وفهمت المقال. كان عن الفرق بين القوة والطاقة. فالقوة متفاوتة الطاقة. ذهبت إليه، قلت له، أتعرف البطارية قوة ستة فولت و 120 أمبير، قال نعم، قلت الفولت هو القوة والأمبير هو الطاقة، وهناك مثل آخر عندك حمالان. كل منهما يستطيع أن يحمل الكيس من السكر على ظهره، فالأول يحمله من باب المصري إلى البلدية والثاني يحمله من باب المصري إلى مسجد الغمامة، فقوة حمل الكيس لديهما واحدة وطاقة التحمل متفاوتة، وفرح بهذا الجواب فانعقدت صداقة بيني وبين عابدين بغدادي يرحمه الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :744  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 493 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.