الحَلْقَةُ الثَّالِثَةُ والسَّبْعُونَ |
((الأخيرة))
|
طرح الفتى سؤاله الأربعين قائلاً كيف تعرب المثال الآتي أيها الشيخ ((واحرَّ قلباه)): رد الشيخ ـ وا.. أداة نداء وندبه حرَّ.. منادى مندوب منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره، قلباه ـ مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة لالتقاء الساكنين والألف الممدود للندبة والهاء للسكت. |
ثم طرح الفتى سؤاله الحادي والأربعين قائلاً وما هو إعراب الكلمة الآتية ((شأنَك)) أجابه الشيخ مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أشأن شأنك.. كما يجوز القول على أنه مفعول به لفعل مقدر بـ ((إلزم شأنك)) ويمكن فيه الرفع على الخبرية لمبتدأ منطرح قبله هذا شأنك. |
ثم طرح الفتى سؤاله الثاني والأربعين فقال: وما هو وجه إعراب الكلمة الآتية ((شفاها أو مُشافَهةً)) ؟ رد الشيخ مفعول مطلق منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره كأنك تقول شافهتك مشافهة أو شفاها.. ويمكن النصب على الحالية لدلالتها على المفاعلة.. أي كلمتك مُشافهةً.. |
ثم طرح الفتى سؤاله الثالث والأربعين قائلاً وكيف تعرب قولنا ((لله درُّكَ شاعراً)) ؟ |
أجابه الشيخ هذا تعبير يقال للمتفوقين من الناس على سواهم كأنهم شربوا ((درًّا)) أي حليباً يفوق ما يشربه غيرهم من الناس. وإعرابه يكون كالآتي: اللام حرف جر ولفظ الجلالة اسم مجرور بـ ((اللام)) والجار والمجرور في محل خبر مقدم ((دَرُّ)) مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره والكاف مضاف إليه.. شاعراً تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره وقد يدخل حرف (مِِنْ) قبله.. فيكون مجروراً لفظاً منصوباً محلاًّ. |
وطرح الفتى سؤاله الرابع والأربعين.. فقال: وما هو وجه إعراب هذه اللفظة ((طوراً)) رد الشيخ ظرف زمان منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره. |
ثم سأل الفتى سؤاله الخامس والأربعين فقال: وكيف تعرب لفظه ((طوعَكَ)) أو ((طواعيةً)) ؟ رد الشيخ حالاً منصوبة كما يجوز النصب على المفعولية المطلقة لفعل محذوف تقديره أطوع طوعاً. |
وسأل الفتى سؤاله السادس والأربعين فقال: وما وجه إعراب لفظ ((قُرْبَ)) ؟ قال الشيخ ظرف مكان إذا أضيف إلى اسم مكان نحو وقفت قرب الحديقة. وظرف زمان إذا أضيف إلى اسم زمان نحو قولنا لقيته قرب الأصيل. |
وسأل الفتى سؤاله السابع والأربعين قائلاً وما إعراب ((قَلَّ ما)) ؟ قال الشيخ تعرب فعلاً ماضياً مبنيًّا على الفتح وما حرف مبني وعليك أن تفرق بينها وبين ((قلَّمَا)) الممتزجة والمكفوفة عن العمل.. فما هنا مكفوفة عن العمل أي عن طلب فاعل لـ ((قلَّ)) وتعرب ما زائدة. أخذ الفتى يسجل أوجه إعراب شيخه في كراسته. |
ثم طرح سؤاله الثامن والأربعين فقال: وكيف تعرب لفظة ((مهلاً))؟ قال الشيخ مصدر بدل فعله منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره. ولاحظ أنه يستوي فيه المذكر والمؤنث المفرد والمثنى والجمع. |
ثم طرح الفتى سؤاله التاسع والأربعين قائلاً: وكيف تعرب لفظة ((هنيئاً))؟ قال الشيخ: هي حال منصوبة فأنت تقول أكلك هنيئاً.. |
ثم طرح الفتى سؤاله الخمسين فقال: وكيف تعرب لفظة ((هُنَيْهَة)) قال الشيخ ظرف زمان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. |
ثم طرح الفتى سؤاله الواحد والخمسين فقال وكيف جاز رفع قبلُ وبعدُ مع وجود حرف الجر الأصلي قبلهما وهو ((من)) في قولنا لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ. قال الشيخ على حذف المضاف إليه إذ الأصل من قبل ذلك ومن بعده. |
وأخيراً طرح الفتى سؤاله الثاني والخمسين قائلاً كيف جاء الضمير هنا مرفوعاً مع أنه مصدَّر بحرف الجر وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ (الفتح: 10). رد الشيخ جاء لتفخيم لفظ الجلالة. |
فرغ الفتى من طرح أسئلته التي كانت تشغل باله. ثم أثنى على أستاذه الشيخ على تجاوبه الكريم في الإجابة على كل الأسئلة وإعرابها إعراباً مفصلاً. ولكن الأستاذ أبى أن ينتهي هذا اللقاء دون أن يطرح سؤالاً مهمًّا على الفتى فقال أي بني هل تعرف الفرق بين مدرستي الكوفة والبصرة في النحو مع ذكر أهم علماء كل مدرسة منهما. أُخِذَ الفتى بسؤال شيخه الأستاذ فقال: صدقني لا علم لي بهذا الأمر ـ وحبذا لو أفضل علي أستاذي الجليل بالإجابة عليه فهو غاية في الأهمية لي.. ابتسم الشيخ ابتسامة تنم عن الرضى فقال لفتاه سأفعل بإيجاز مختصر لضيق الوقت وعليك أن تتابع التفصيل في كتب النحو وتاريخ نشأته.. لا شك أن فضل تأسيس علم النحو يرجع إلى البصريين ثم أخذ الكوفيون هذا العلم عن البصريين ولكن سرعان ما اتخذوا لهم منحى خاصًّا بهم ومن ثم أصبح للكوفة مذهب نحوي خاصاً بها يقوم على الاتساع في الرواية وعبارات اللغة عن جميع العرب بدوهم وحضرهم دون تفريق في حين نجد البصريين المؤسسين لهذا العلم يتحرجون في الأخذ عن الحضر.. خشية فساد اللسان وترهل حاسة التذوق.. ثم قام خلاف كبير بين مدرستي الكوفة والبصرة في مسألة القياس والتحري في ضبط القواعد النحوية. في حين اشترط البصريون الاعتماد على الشواهد القائمة على القياس شريط شيوعها وذيوعها بين العرب. |
أما الكوفيون فقد مالوا في قياسهم إلى أقوال وأشعار وخطب الحاضرة عن العرب كما جنفوا إلى الاعتماد على الشاذ منها والتي قال عنها البصريون بالشذوذ وهكذا نرى تداخل القواعد الأساسية في القواعد الفرعية لذلك جاءت سيطرة النحو البصري على المدارس النحوية كلها كما قام خلاف بينهم على أصل الاشتقاق. وقال البصريون إن المصدر هو الأصل في الاشتقاق. |
وقد جمع ابن الأنباري كتاباً ذكر فيه مسائل الخلاف بين المدرستين.. ومن أهم علماء الكوفة.. هشام بن معاوية. الفرَّاء.. ابن الأنباري. |
وكان الفراء إمامهم كما كان سيبويه إمام أهل البصرة وتلميذه الأخفش أرجو أن أكون قد أوجزت لك نبذة عن مدرستي الكوفة والبصرة في النحو.. وعليك الاستمرار في المطالعة والبحث عن أمهات الكتب في النحو والأدب والتاريخ والفكر الإسلامي والإنساني. حتى تكون على مستوى ما يتطلبه رجال العلم والفكر من ثقافة ومعرفة. |
رفع الفتى إصبعه مشيراً بسؤال عنَّ له لاحظ الشيخ إصبع الفتى مرفوعة فأذن له بطرح سؤاله قال الفتى: سمعت عن المعرب بالحكاية فهل يأذن لي أستاذي الكريم بشرح الحكاية هذه؟ |
رد الشيخ: الإعراب على الحكاية معناه إعراب اللفظة أو الجملة على حسب سماعها. إما نطقاً أو كتابة فمثلاً تقول: مررت بأبو ظبي.. فـ لفظة أبو ظبي ـ مجرورة بكسرة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية وكذلك قولك ـ تعمل ليس عمل كان ـ فلفظة ((ليس)) هنا فاعل لفعل.. تعمل ـ قبلها. وقد جاء سماعاً بيت ذي الرُّمة. |
سمعت الناسُ ينتجعون غيثاً |
فقلت لصيدحَ انتجعي بلالا |
|
فلفظة ((الناس)) هنا جاءت مرفوعة مع أنها في محل نصب مفعول به وعند إعرابها نقول: |
سمعت فعل وفاعل: الناس.. مفعول به منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية.. ومنها قولنا.. منْ خالداً؟.. لمن يقول رأيت خالداً في الشارع.. فيعرب اسم ((خالداً))
((مبتدأً مرفوعاً)) بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية.. ثم سأل الشيخ فتاه هل عندك مزيد من الأسئلة يا بني؟ |
رد الفتى شكراً جزيلاً لأستاذي الكريم على كريم تجاوبه والله أسأل أن يفيض عليه نعمة الصحة والعافية ويبقيه ذخراً وكنزاً للعلم وطلابه إنه سميع مجيب.. وهكذا تم وداع كل منهما للآخر على الحب والتقدير المتبادل بعد أن أنهى الشيخ حلقاته في النحو مع فتاه طالباً الله عز وجل أن ينفع الجميع موصياً فتاه بتقوى الله أولاً وقبل كل شيء في حياته كلها.. وأن يكون دائم الإطلاع مخلصاً لأمانة العلم التي يحملها. |
|