شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تحيَّة لا تقديم
بقلم: الأستاذ ثروت أباظة
رئيس اتحاد الكتّاب المصريين
أسعدني كل السعادة أن أقرأ ديوان الشاعر محمد إسماعيل جوهرجي فإننا منذ زمان نتلمس الطريق إلى شاعر له هذه العذوبة وهذه الأصالة وهذا الإدراك الرفيع للحرف العربي وأسراره.
فإِن أمثاله اليوم قلة بعد أن طفت على سطح الشعر العربي العجمة وحطمت أوزانه محاولة التشبه بغير العرب فإذا الموسيقى الشعرية تضيع نغماتها، وإذا معانيها تنفر من ملبسها الغريب عليها وتصبح القصيدة لوناً رديئاً شأنها من المقالات السياسية أو الاجتماعية وإذا جنح الشعر الحديث إلى الغزل أو إلى المعاني الإِنسانية رأيته أشبه ما يكون بتقرير صادر عن مصلحة حكومية لا ينقصه إلا خاتم المصلحة وتوقيع المدير المسؤول.
وهكذا وجد الشباب نفسه تائهاً يصطنع هذا الشعر الحديث متلمساً في انعدام القافية فيه وتحطيم البحور رخصة تجعل النظم سهلاً ميسوراً. ولكن الشباب ما يلبث أن تصدمه الحقيقة. فهواة الشعر ومحبوه يرفضون هذا النوع الغريب على أذواقهم البعيد عن عروبتهم.
ولهذا لم يكن عجباً أننا لا نجد اليوم من يروي الشعر الحديث وكيف لكلام هزيل قمىء بلا وزن ولا قافية أن يحفظ بله يروى.
ولم يكن عجباً كذلك أن هواة هذا الشعر هم صانعوه بلا جمهور لهم ولا مستمعين. فهم يكتبون ما يكتبون ويقرأونه بعضهم لبعض ويضطرون أن يرضوا عن أنفسهم ويقنعوها أنهم صنعوا شعراً وربما كانت نفوسهم في دخائلها تعرف الحقيقة وتروغ منها كما يروغ الطفل الصغير عن المرقى الصعب مؤثراً السلامة على المعاناة.
فالشعر العربي الأصيل لا ينقاد إلا لمن يهب نفسه له. ولا يحب إلا من يحبه. وحب الشعر طريق ليس سهلاً ولا ميسوراً وإنما هو يحتم على مرتاديه أن يكونوا على علم بسر الكلمة العربية وخوافي حروفها ووقع هذه الحروف وموسيقاها في الأذن. وأعرف أن كثيرين ممن لا يعرفون العربية استمعوا إلى قصائد عربية فأخذهم الجرس وهالتهم النغمة الرائعة في الشعر العربي. وذهلوا لثراء اللغة العربية وقدرتها أن يكتب شعراؤها القصيدة من مئات الأبيات على وزن واحد وقافية لا تتغير.
ولو كانت اللغات التي ينقل عنها أصحاب الشعر العربي الحديث بهذا الثراء ما كتب شعراء هذه اللغات شعرهم هذا الذي يلقون العنت كل العنت في أن يجروا الموسيقى بين ثناياه فإذا هي مهما يبذلون من محاولة موسيقى خشنة لا تصل بأي حال من الأحوال إلى الانسجام الموسيقي في شعرنا العربي.
لهذا كله سعدت أن أقرأ ديوان الشاعر محمد إسماعيل جوهرجي فقد وجدت فيه اللفظة الشريفة تجري في جداول الأبيات وكأنها ما وجدت إلا لتجري في هذا المجرى اقرأ معي:
لك شامة تلهو على
خد الربيع بظل ورده
وتتيه في شمخ الدلال
تثير بي شجن الموده
راشت فؤاديَ لا حمىً
يأوي إليه يعيد رشده
تعتادهُ الذكر التي
لمست رؤاه فليس عنده
غير التصبر والرجا
يصطاده ليسد أوده
وتذكرني كلمة راشت بأبيات شوقي حين يعارض ابن زيدون:
ماذا تقص علينا إن يدٌ
قصت جناحك جالت في حواشينا
كلّ رمته النوى ريش الفراق لنا
سهماً وسل عليك البين سكينا
ويعجبني في قصيدة الأستاذ جوهرجي البيتان الأخيران من الأبيات التي اخترتها حين نجده يكمل البيت بالبيت الذي يليه وكأنه ينظر إلى فكرة وحدة القصيدة وربما كان الشاعر جوهرجي يدري ما يجول بنفسي عن الموسيقى الشعرية وما هذا بغريب فنحن محبي العربية نصدر عن مشاعر فنية واحدة يندر أن تختلف. اقرأ معي قصيدته العذبة ((عطر وموسيقى)):
من أنت.. قولي.. من أنا
روحان أم روح لنا
حين التقت نظراتنا
أوحت بما في قلبنا
يا زهرة في شطنا
تختال في تيه السنا
تنثو أريجاً سوسنا
إلى أن يقول:
ونأى المزار لحينا
فتذكري أني هنا
اصطاد أطياف المنى
وحدي المعذب في الدنا
أرعى الوفاء لحبنا
أتراك لاحظت قوله ((قلبنا)) فكأنما قلبه وقلب حبيبه ليسا قلبين وإنما هما قلب واحد. أو تراك لاحظت أن الكلمة جاءت في مكانها لا ترغمها القافية وإنما يرسيها في موضعها جمال المعنى.. لا شك أنك لاحظت كما لا أشك أنك طربت لكلمة تنثو وشممت منها وحدها ما أراد الشاعر أن يبلغ به إلى مشاعرك من عطر.
أهنىء الأستاذ جوهرجي بديوانه هذا وأرجو أن يتحف الشعر العربي بالمزيد والمزيد من شعره وعطره وموسيقاه.
ثروت أباظة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1047  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 32 من 105
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .