حج الحجاج بن يوسف فنزل بين مكة والمدينة ودعا بالغذاء.. فقال لحاجبه أنظر من يتغذى معي وأسأله عن بعض الأمر، فنظر نحو الجبل فإذا بأعرابي بين شملتين من شعر، نائم فضربه برجله! وقال: إت الأمير، فأتاه. فقال له الحجاج: أغسل يدك وتغدى معي.. فقال: إنه دعاني من هو خير منك فأجبته. فقال: ومن هو؟ فقال: دعاني الله إلى الصوم فصمت، فقال: في هذا الحر الشديد؟ فقال: نعم صمت ليوم واحد هو أشد حراً من هذا اليوم فقال: له: أفطر وصم غداً، فقال إن ضمنت لي البقاء إلى غد! فقال: ليس ذاك إلي.. فقال: كيف تسائلني عاجلاً بأجل لا تقدر عليه؟ فقال: إنه طعام طيب.. فقال: لم تطيبه أنت ولا طيبه (الطباخ) ولكن طيبته العافية.."
* * *
هذا هو أعرابي الصحراء المؤمن الورع الذي آثر الأجر والثواب من الله تعالى على مجاملة صاحب السلطان وهو الحجاج على جبروته، ولم يعبأ بفرصته معه في الخلاء.. وبهذه الروح الدينية القوية تمكن السلف الصالح من فتح الدنيا وإعلاء كلمة الله.. وإقامة حدوده.. (ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)..