شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-2- (الشخصية السعودية)
هذه الذكريات، بما فيها من أسلوب لبق في الحديث، وموضوعي صادر عن شخصية تاريخية فذة، تأتي هادفة ومؤثرة فيما تستهدفه من توصيل للمعلومات التي يتذكرها عبد الله بلخير ويطرحها ويعرضها لقارئه، فتقنعه وتجعله يأخذ ويتأثر بتلك المعلومات المعروضة، ولا سيما التي تخص الحكام والشخصيات من آل سعود.. فتستحيل وقفاته التذكارية إلى شريط إعلامي لاحق في وجدان القارئ فتتجلى لنا "شخصيته السعودية" بأتم مظاهرها.
ومن هنا فإن كتابات بلخير عن شخصيات آل سعود، تكتسب طابعاً إعلامياً موحياً بمعانيه ومراميه، محققاً غايته في الإقناع والتجاوب مع أفكاره وآرائه ورؤاه، وإن خشي أحياناً أن يشوب كلامه شائبة مفتعلة تنعكس على المفهوم السعودي الرسمي:
"وعندما أذكر وأستطرد، ما قد ذكرته واستطردته، أعلم وأنا مواطن عادي في بلادي، أن الحكومة قد لا ترتاح إلى أن أشيد ببعض ما تقوم به على هذا النحو الذي أشرت إليه، حتى لا يشوب فضلها وقيامها بواجبها شائبة، قد يظن أنها مفتعلة أو مقصودة أو مرغوبة الإشادة بها".
ولكن له رؤية دينية في تلك الإشادة الإعلامية، فمن واجبه أمام الله أن يعدد النعم الإلهية.
ولهذا تجده يتمم عباراته السابقة بقوله: "ولكن من حقنا أن نتحدث بنعم الله علينا، ما ظهر منها وما خفي، وأن نطلب من الله العون والسداد وما التوفيق فيما نقول ونتحدث عنه، إلا من الله، وهو –سبحانه- من وراء القصد، ولا بلاغ إلا به وَإِن تَعُدُّوا نِعمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَآ، صدق الله العظيم.
وأول ما يذكر في حياة بلخير مع آل سعود، وفي رحلته التذكارية هو وقوفه على مآثرهم وفضلهم على العلم والتعليم والعلماء، ولا سيما فضل الملك عبد العزيز، والمقام يدعونا هنا إلى تذكر ما قيل عن اهتمام الملك عبد العزيز بالعلم والتعليم ورعاية العلماء، إذ تناول هذا الجانب باحثون كثيرون استقوا معلوماتهم من سيرته، وبداياته التعليمية، ونقلوا ما أثر عنه قوله المتكرر:
(البيت السعودي بيت دعوة قبل أن يكون بيت ملك). والدعوة هنا مقرونة بالتعليم، بل الدعوة في جوهرها تعليم. كما يدعونا المقام أيضاً إلى معرفة المدارس التي كان الملك عبد العزيز يستقي منها علمه بالشكل الذي تكون عليه شخصية القيادة الفذة، وقد أشار الباحثون أيضاً إلى تلك المدارس لا سيما أولئك الذين كانت لهم صلة قريبة وحميمة بالملك أمثال: (حافظ وهبة، ويوسف ياسين، وفؤاد حمزة، والزركلي وغيرهم)، وقد كتبوا عن بدايات الملك التعليمية، مما لا تجده في ذكريات بلخير، وكأنه أدرى منا بما يجب أن يقال في هذا الخصوص، ويعرف ما كرره أولئك المقربون وغيرهم من كتابات عن الملك، وأصبحت تعيش في ذاكرة الناس، لذلك لا حاجة إلى ذكرها، وإنما أخذ يذكر أموراً أخرى تقتضيها المناسبة، ويعرج عليها الاستطراد، فتأتي عفوية، ولكن لا تخلو من الإثارة والحداثة، والإعلام، وسنتحدث عن مآثر آل سعود، كما وردت في أحاديث بلخير وحسب تسلسلها.
فحين كان أديبنا بلخير يروي قصة أحد أعلام مدارس الفلاح من أصدقائه، وهو (محمود باه عمر باه) الذي جاء من موريتانيا، ثم دوره بعد ذلك في إنشاء مدارس الفلاح في أفريقيا، يستحضر لنا من خلال القفز السريع إلى الأمام، وبعد فراق دام ثلاثين عاماً بينهما، ليكون اللقاء.. ويكون أثر آل سعود على العلم والتعليم والعلماء، ومنهم الملك سعود الذي يقتدي بأبيه في حب الكتب وتعميمها، وتوزيعها لأهل العلم والمعرفة والدين.
"وقدَّمته بعد ذلك للملك سعود -يرحمه الله- فعرض طلباته، فاستجاب لها الملك بأريحية وكرم لم يتوقعه الحاج محمود.. حتى أنه كان يتوقع أن يعود ببضع مئات من الكتب، فوجد نفسه يرجع إلى بلاده بحمولة كبيرة، شحنت في صناديق تزن أطناناً من الكتب عن طريق البحر، من جدة إلى السنغال والدار البيضاء.. ولقد أفاد الله بهذه الكتب والمصاحف في دعم المدارس الفلاحية التي أقامها الحاج محمود في غرب أفريقيا، وشجعته على بناء المزيد منها بعد توفر المال والكتب، وهذا الفيض من العون أسس مدارس أخرى".
ويعرف الملك عبد العزيز مشقة الصحراء والتعليم فيها، وله معها تجارب ذكرناها، ولهذا فقد استجاب في الحال لصاحبي مدرسة الصحراء، الأخوين علي وعثمان حافظ، وهما يطلبان منه العون والمساعدة لمدرستهما:
عندما زاد عدد الطلاب في المدرسة التمسا من الملك عبد العزيز تخصيص مكافآت تشجيعية لكل طالب مقدارها نصف ريال يومياً، فصدر أمره -يرحمه الله- بذلك، وصرفت هذه المكافآت اليومية لكل طالب، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، أغرى أبناء البادية بالمدرسة".
وكان الملك عبد العزيز يعرف بفطرته وحسه التعليمي فضل المدارس على الأجيال، في بنائهم وتكوين شخصياتهم، وبخاصة مدرسة الفلاح، المدرسة النموذجية في إدارتها ومعلميها وأهدافها، ورسالتها العلمية والوطنية، فقد زارها في فرعيها بمكة وجدة، وترك لمسة طيبة إثر تلك الزيارة:
"وعرف الملك عبد العزيز -رحمه الله- أن لمدرسة الفلاح مكانتها وفضلها، فأكرم مؤسسها الحاج محمد علي زينل عندما التقى به وشكره على مكرمته بتأسيس الفلاح، وزار المدرسة نفسها في زيارات قام بها لمدارس مكة وجدة، وتفقدها وتعرف على مديرها والمدرسين فيها، وأعانها بهبات من النقد، وأرسل لطلاب كل مدرسة ضيافة غذائية، كان وقعها عميقاً في نفوس الطلاب".
وإذا كانت مدارس الحجاز في الغرب والصحراء وجدت اهتماماً وتجاوباً ودعماً من الملك عبد العزيز، فإن الدعم نفسه سيتجه منه إلى مدارس نجد وبخاصة الرياض، لهذا نسمع بلخير يحدثنا عن تلك الوجهة التعليمية العصرية.
"وكيف أدخل الملك عبد العزيز إلى الرياض – حاضرة نجد وعاصمة الكيان السعودي – المدارس الحديثة والعصرية، وشجع -رحمه الله وغفر له- حركة التعليم وبناء المدارس ودور العلم.. مما كان له أعظم الأثر في إخراج الجيل المثقف الأول الذي ساهم بدوره في بناء الأجيال التالية، ووضع الأسس الراسخة للنهضة الحديثة في كافة مناحي الحياة للبلاد السعودية".
"فأنشأ الملك عبد العزيز مدرسة في الرياض، تكاد تكون الأولى حداثة ومناهج، ثم أنشأ ما يسمى بمدرسة الأمراء ومن معهم من طلاب آخرين، جعل مقرها في القصر الملكي القديم في قلب مدينة الرياض".
"وقد كانت الرياض المنبع الأول لأول جامعة أنشأها المغفور له الملك سعود، وسميت باسمه (جامعة الملك سعود)، فكانت أولى الجامعات السبع التي توالت بعد ذلك في الظهور".
ولئن كان عبد الله بلخير يشيد بمآثر آل سعود على رجال العلم والتعليم في البلاد السعودية، فإنه من باب أولى أن يشيد بصانعي الدولة السعودية الحديثة من آل سعود وآل الشيخ في آن، ويرى أن الواجب الوطني يدعوه ليذكر ويصف أولئك المؤسسين الأول، ذكراً طيباً ووصفاً حسناً.
"ومن حقنا وحق المسلمين أن يذكروا لأئمة هذه الدعوة المتسلسلين من صلب الإمام محمد بن سعود حتى يومنا الحاضر، فضلهم ومكانتهم وجهادهم.. كما يجب علينا أن ننوه ونشيد بأبناء الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبأحفاده وبمن تبعه بإحسان إلى يومنا هذا، فنذكر للشيخ فضله وما وفقه الله إليه من صدق العزيمة، وصفاء النية والتبتل إلى الله بدعوته للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
ومآثر سعود أو الدولة السعودية التي أشار إليها بلخير أيضاً أنه "أصبحت حفلة الشباب في (منى) منذ أن بدأت لتكريم كبار الحجاج سُنة تحرص عليها الدولة وتباركها، ويحرص عليها الشباب ويلتزمونها ويتنافسون في القيام بها". وكذلك دعوة الملك عبد العزيز "طارق بك الإفريقي" ليعمل في تأسيس الجيش السعودي وتدريبه، بعد أن زكاه له الرئيس (شكري القوتلي).
وثاني ما يذكره بلخير عن آل سعود، هو وصف لمزايا بعض الملوك السعوديين كالملك عبد العزيز وابنه فيصل، وربما تطرق بشكل عام لآل سعود.. وهو وصف وانطباع ورؤى، تكونت لديه عن معاصرة ومعايشة وخدمة للدولة السعودية، وجهاً لوجه مع كل من الملك عبد العزيز وسعود وفيصل وغيرهم، استغرقت نحو ثلاثين عاماً.
يقول عبد الله بلخير يصف الملك عبد العزيز وقد قدم إلى المسجد الحرام لأداء مناسك الطواف والسعي بالعمرة: "لن أنسى طول حياتي كيف وقع نظري من بعيد على شخصية الملك عبد العزيز وهو في موكبه منحدراً من ذلك الباب، متجهاً إلى الكعبة المشرفة، وكان في ملابسه البيضاء. لا أنسى طول قامته، ولا أنسى إشراق وسامته، ولا أنسى هامته العظيمة المرفوعة المطلة على جميع الهامات المتماوجة حوله، وهو حاسر الرأس، أشعث الشعر، عريض المنكبين، تحف به حاشيته من الأمراء ومن الحرس ومن المراقبين، وكلهم محرمون بالعمرة في مثل زيه، لا يعرف عنهم إلا بطول هامته وقامته، وبأنه لا يحمل سلاحاً بينما جميع من حفوا به مسلحون".
ولقد حدد تلك النظرة الأولى التي ألقاها على شخصية الملك عبد العزيز قبيل دخوله المدرسة بعام – كان دخوله المدرسة عام 1346هـ - وسبق تلك النظرة سماعه بصيته واسمه ومكانته وبأنه ملك البلاد.
وقد حاول بلخير أن يقدم وصفاً لجوانب إنسانية وخلقية في شخصية الملك عبد العزيز، حيث "كلها تجيء في حلقة ممتزجة ومترابطة ومتداخلة، تختلط ألوانها وطيوفها ورؤاها بعضها ببعض، فتشخص بها معالم شخصيته الباهرة، في جليل الأمور ودقيقها وظاهرها وباطنها، فتتراءى بعد ذلك كاملة المعالم، جلية الأبعاد محددة الصفات".
وكان أديبنا يود أن يقرن وصفه السابق بحقيقة المصدر أو المنبع الذي استقى منه تلك المعلومات، وهو المعرفة عن كثب، والعمل في خدمته، والاتصال به الاتصال المباشر، وبحكم ذلك العمل عرف "تلك الشخصية النادرة المثال في تاريخ جزيرتنا العربية منذ أكثر من عشرة قرون.. عرفتها معرفة تامة، واستمعت إليها وخدمتها في الأسفار والرحلات، وفي الحل وفي الترحال. وعرفتها في بساطتها المتناهية، وعظمتها الزاخرة الباهرة، وفي هدوئها العجيب، وفي طموحها الخلاق، وفي توثبها للأمور كلها".
وقد أورد قصصاً من بر الملك عبد العزيز بوالده، وقصصاً عن حبه للأحدوثة النبيلة، كما روى لنا قصتين، في الأولى عن حكاية الجندي والبحار البريطاني في المدمرة البريطانية، وإعجاب الملك بتلك الحكاية، وإكرامه بكل شعبية، وفي الثانية يروي قصة الفتاة البدوية الراعية في روضة (الرميحة)، فكان محرك أحداثها حين كان مع الملك في مقناص من مقانيصه ويرويها له.
ومن الأمور التي وقف عندها صاحب الذكريات، وكانت موضع اهتمام الملك إبان الحرب العالمية الثانية، قضية التموين وتوفير الغذاء للشعب، ولا سيما أن الحرب تورث الدمار والمجاعة. فشهد شهادة حق بالروح القيادية والإنسانية التي يتمتع ويتحلى بها الملك عبد العزيز في تأمين القوت الشعبي، والإشراف بنفسه على توزيعه على المواطنين.. وذلك من خلال تطبيق وتنفيذ (قانون الإعارة والتأجير)، وبموجبه تؤمن الحكومة البريطانية الغذاء للمملكة العربية السعودية، مقابل تأمين الملك عبد العزيز السلام التام للحلفاء في الحرب العالمية الثانية. ولذلك فقد أرسل كلاً من (يوسف ياسين) و (عبد الله بلخير) إلى وزير الدولة الإنجليزية (المستر كيس) المقيم بمصر، للإشراف على شؤون تموين الشرق الأوسط.. وقد أوصاهما الملك بنص قوي يحمل اللهجة الصريحة في طلب الحق، لا الاستجداء..
"إنني لا أطلب منهم صدقة، ولا أرجو حسنة، وإنما أطلب منهم حقاً لي أستحقه، ويجب عليهم أن يؤدوه، وهو أجر وثمن تأمين للحلفاء السلام التام، والهدوء الشامل، والحياد المتعاون على جوانب بحار الجزيرة العربية المحيطة بها. فلقد وفرت عليهم وأغنيتهم عن إنشاء شبكات ودوريات مسلحة من القوات الجوية والبحرية والبرية، تنتشر في هذه الجهات التي كانت توجد فيها إيطاليا في أريتريا، وفرنسا في جيبوبي، وهما حولنا، فأمنت مواصلاتهم البحرية والبرية والجوية في هذه المناطق، فانصرفوا إلى معاركهم وصراعهم في غيرها. فلي عليهم أن يعطوني حقي، ولا مطلب لي سواه".
وكان بلخير من حين لآخر يشيد بجهود الملك عبد العزيز، ودأبه الدائم في سبيل رفاه شعبه.. وهو الهدف الذي أصبح متجهاً أو سنة يتبعه أبناؤه من بعده.
"أقول: إن جهود الملك تلك كانت جهودا جبارة، لا يعرفها إلا القليلون ممن كانوا يحيطون به، فجلالته في حرصه على حقوق شعبه، يعمل ولا يتكلم، وهي سنة سنها لنفسه، ومشى عليها خلفاؤه من بعده من سعود إلى فهد".
وقد يجمع بلخير مآثر آل سعود، ويطلق صفات بعينها تشمل الملوك السعوديين -مثل الرؤية السابقة- ولا سيما حين تصبح تلك المآثر والصفات أصيلة وعالقة في النفوس بشكل طبيعي وراثي.. طالما أنهم يقتدون وينهجون تعاليم ثابتة في جل الأمور، علمهم إياها المؤسس الأول للمملكة – عبد العزيز.
كما أنه ينوه بالسياسة السعودية السائدة باستمرار، فيوضح رسالتها، ويعدد مراميها، ويحدد هويتها:
"والسياسة السعودية قد درجت منذ اضطلاعها بالقيادة الهادفة، الصادقة، البعيدة عن التطبيل والتزمير، والصامتة في مساعيها الخيرة لكل ما فيه مصلحة العرب والمسلمين، وتوثيق صلاتهم الدولية مع من يجب أن تتوثق صلاتهم به من دول العالم من أجل السلام. تبتعد في كل أطوارها الماضية والحاضرة عن الجدل وعن الصراع السري والعلني، وتترفع عن السباب والشتائم، وتمد بالخير والعون والمساعدة كل من ترى فيه أهلاً ومحلاً لتلك المعونات والمساعدات، لا أهداف لها من تلك الألوف المؤلفة من بلايين النقود إلا صلة القربى وعون الجيران، والمساعدة على الفضيلة، ورفع مستوى الإنسانية إلى ما يليق لها من كرامة وعيش واستقرار".
كان بلخير برفقة الملك فيصل وأخيه خالد في الوفد المتجه إلى أمريكا في شهر أكتوبر -تشرين الأول- من عام 1943م، وقد حلوا ضيوفاً على الرئيس روزفلت.
وكان له تقويم وحكم على الملك فيصل، ويعرف كيف يقوم رجال الحكم من الملوك، إذ يمنحهم أبرز الصفات التي يتصفون بها، وأصبحت من مكملات شخصياتهم.
يقول عن فيصل: "إن جلالة الملك فيصل قد كان من أوائل من تجول في ميادين القتال والحرب بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فلقد زار إنجلترا وفرنسا وبلجيكا وهولندا ثم روسيا وتركيا، بعد ذلك العراق في عودته إلى الرياض. وكان تجوله يومئذ في تلك البلدان واجتماعه بزعماء الحرب في ذلك العهد خبرة اكتسبها مع مطلع شبابه، ودروساً تاريخية أثارت معارفه وأشرقت بها دراساته، فتكون من تلك المحصلة فيصل العظيم، والسياسي البارع، زيادة على اجتماعه خلال ستين عاماً وزيراً للخارجية ونائباً عن الملك عبد العزيز ثم ولياً للعهد ثم عاهلاً للمملكة. لم يشتهر ملك أو رئيس سياسي أو زعيم في العالم إلا وعرفه واجتمع به وتحدث إليه، لهذا سبقته إلى الولايات المتحدة يوم زارها للمرة الأولى سمعته وشهرته في المعلومات الدولية والمعارف المتداولة في كل مكان".
ويعود بلخير مرة ثانية ليقدم تقويماً وحكماً آخر عن الملك فيصل، ويجري مقارنة بين (البروتوكولات) الرسمية الدولية والأخرى العربية الخاصة بالبادية والصحراء.. فهي لفتة ذكية ولبقة لإبراز الرجال، ووضعهم في أماكنهم اللائقة أينما كانوا، من أجواء المعاصرة الغربية، أو الأصالة العربية.
"لقد كان الملك فيصل في كل مكان يحل فيه، ومع كل زعيم يلتقي به... يتعرف على سجيته التي فطره الله عليها، والتي عرفناه نحن بها، وعرفه معنا العالم العربي والإسلامي في كل مكان. فقد اعتاد تلك الحفلات وعرف (بروتوكولات) وقواعدها، وأتقنها إتقاناً يدهش كل من يراه، مع إتقانه وشهرته في التصرف العالي على الموائد العربية وعاداتها وقواعدها: أما على (مناسف) البادية في الصحاري والقفار، فهو مشرع في أعراضها و (سواليفها) والجلوس حولها والمحافظة على (بروتوكولاتها)، إذا ما تحلقت عليها عمائم مشايخ القبائل ورجالها ورؤسائها وعقلائها وشعرائها".
وقد ينقل إلينا بلخير آراء الآخرين في مليكه، كشهادة الرجل السوري السياسي الدولي (فارس) الخوري. يقول له فيها عن الملك فيصل: "وقال لي: والله إني لأذكر الأمير فيصل بكل إجلال وإكبار واحترام، وإنني لمندهش جداً من شخصيته العظيمة، المتواضعة، ومن بريق ذهنه لحل كثير من المشاكل العريضة التي كانت تجابهنا في هيئة الأمم عند تأسيسها، وبداية انحيازها إلى التقسيم وإلى إسرائيل".
وقد أسهب بلخير من خلال ذكرياته، عن رحلة الملك فيصل إلى واشنطن ثم لندن، وذكر الكثير من إنجازاته السياسية والدبلوماسية ومواقفه العربية في المحافل الدولية، فضلاً عما حققه لوطنه من إرساء قواعد العلاقات بين أمريكا والسعودية، وبين بريطانيا والسعودية أيضاً، وما شاركهم فيه من جهود تاريخية في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، ومن حسن حظه كما يقول، أنه صحب الملك فيصل في عام 1943، و1946 إلى أمريكا، ورأى وسمع ما كان يدور بينه وبين أعضاء تلك الهيئة الدولية من عرب وغيرهم، وكانوا يجتمعون بجناحه في فندق (ولدرف أستوريا):
"ولقد استمعت إلى أكثر ما دار من أحاديث ذلك الجناح يومئذ، ورأيت كيف كان فيصل بن عبد العزيز يستقطب قضايا العرب ويدافع عنها ويكافح في سبيلها، ومعه أولئك الزعماء العرب الذين عرفوا مكانته، فكانوا يحفون به في أروقة هيئة الأمم وتجمعاتها، يوم كان العرب بخير مما هم عليه اليوم".
وهكذا فقد منحنا عبد الله بلخير صورة كاملة عن الملك فيصل، وبخاصة ما يدور حول شخصيته الدبلوماسية ودوره في بلورة القضية القومية واحتوائه لمختلف الوفود العربية، ومن كانوا يحفون به أمثال: (فارس الخوري، وشارل مالك، وقسطنطين زريق، وعبد الحميد بدوي باشا، وسيف الإسلام عبد الله، وفاضل الجمالي، والرئيس بورقيبة، ومحمد حسين هيكل باشا، والرئيس ناظم القدسي).
ونخرج من شخصية أديبنا بلخير السعودية بانطباع واضح عن هذه الشخصية التي تقدر الملوك والحكام، وتعبر عن صفائهم ومواقفهم وإنجازاتهم من واقع حي وملاصقة ومعايشة. فتجيء تعابيره منسجمة مع موقع الرجال وعظمتهم. وقد كانت شخصيته السعودية تتضح في عملية مزج جوانب كثيرة من السياسة والإعلام والتعليم، ينتهجها صانعو الدولة السعودية الحديثة، فيترجمها أديبنا بلخير حساً وطنياً وسياسياً، وإعجاباً وتقديراً، ليمثل بها الصورة الحقيقية للشخصية السعودية حيال السلطة ومنجزاتها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1099  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 180 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

التوازن معيار جمالي

[تنظير وتطبيق على الآداب الإجتماعية في البيان النبوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج