شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قصة إنشاء مدرسة الصولتية
لم تكن مدرسة الفلاح هي الأولى، فقد سبقتها مدرسة أخرى هي المدرسة "الصولتية" التي سميت كذلك نسبة إلى أميرة هندية مسلمة، كانت تنفق على هذه المدرسة، هي الأميرة "صولة النساء"، والحقيقة أن لهذه المدرسة قصة تستحق أن تروى، فقد سعى إلى تأسيسها عالم هندي مسلم بعيد النظر متوقد العقيدة، اسمه الشيخ رحمة الله بن خليل الله، عاش في الهند، وأدرك أبعاد مأساة المسلمين في العالم الإسلامي، ومأساتهم في الهند بالذات مع الاستعمار البريطاني في أول عهده، ولمس الجهل المتفشي في هذا العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وقد شغلته هذه الظاهرة كثيراً وأقلقته، وقد هداه تفكيره إلى أن مصيبة المسلمين في ظل الاستعمار، هو انطفاء جذوة العلم بينهم، وقرر أن يبدأ بإشعال جذوة حتى لو كانت صغيرة للعلم في هذا العالم الإسلامي المظلم، ولقد احتار من أين يبدأ، هل يبدأ بإنشاء مدرسة في بلاده الهند؟، أم يسعى إلى إنشائها في بلد إسلامي آخر، استقر تفكيره أخيراً على أن يبدأ بعاصمة الإسلام وقبلة المسلمين أم القرى مكة المكرمة، إذ لا يمكن أن يصلح حال العالم الإسلامي إذا بقي الجهل في مهبط الوحي، والتي نزل بها أول فعل أمر للمسلمين بالتعلم "اقرأ". وصمم الشيخ رحمة الله، وعزم على الحج، لاستطلاع الأحوال في مكة المكرمة، وبعد أن أدى الفريضة، وخلال فترة درسه وتدريسه بالمسجد الحرام انكشف له الأمر العظيم، وهو أن مكة المكرمة عاصمة الإسلام، لا يوجد بها مدرسة واحدة، ويقتصر التعليم فيها على التعليم الديني، في المسجد الحرام فقط، والجماعات محدودة من المجاورين فيها والحجاج إليها.
عاد الشيخ رحمة الله إلى الهند، وقد قرر أن الحاجة ماسة إلى "سراج" بمكة المكرمة، يضيء ويقود بعثاً علمياً يستقطب الناشئة والأجيال العربية والمسلمة، من أبناء البلاد وما جاورها من بلاد العرب. وفي الهند عرض الشيخ رحمة الله الأمر على عدد من المصلين من علماء الهند فاستصوبوا رأيه، وعرض فكرة إنشاء مدرسة في مكة المكرمة على الأميرة الهندية "صولة النساء" فتحمست للأمر ووعدته بأن تمده بكل ما يستلزم إنشاء المدرسة من مالها الخاص، وشجعته على البدء الفوري بتنفيذ الفكرة. وأن يعود في الحال إلى مكة للشروع بإخراج هذه الفكرة إلى الوجود.
وعاد الشيخ إلى مكة للحصول على التفويض من السلطة العثمانية، التي كانت تحكم الحجاز في تلك الفترة، من أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، واختار لبناء المدرسة المكان المعروف في مكة المكرمة بـ "الخندريسة" تحت جبل الكعبة من محلة الشبيكة. وتأسست فعلاً المدرسة. وبعد ذلك بارك الله فيها، فتخرج منها أكثر علماء المسجد الحرام، وقضاة ووجهاء مكة المكرمة، ومنهم الشيوخ الأجلاء: أحمد قاري، حسن المشاط، ومحمد علي اليماني، وأحمد الغزاوي، وعبد الوهاب دهلوي، وعباس قطان، وعبد الحميد الخطيب، ومئات من علماء العالم الإسلامي الذين التحقوا بهذه المدرسة عند أدائهم لفريضة الحج والعمرة، ولا تزال هذه المدرسة قائمة اليوم في المكان نفسه الذي أسست فيه، ويكاد أن يمضي عليها قرن كامل من عمرها المديد إن شاء الله.
والشيخ رحمة الله بن خليل، المعروف بخليل الرحمن بن الحكيم (الطبيب) نجيب الله، المنتمي إلى أمير المؤمنين ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولد في قرية "كيرانة" بمحافظة (مظفر ناجار) الهندية عام1233هـ- 1818م في عائلة واسعة الثراء، عظيمة الجاه والنفوذ، ودرس كتباً من كتب الشريعة الإسلامية واللغة العربية على يد أبيه، وما أن أتم الثانية عشرة من عمره، إلا وكان قد قرأ القرآن الكريم، وتعلم اللغة الفارسية. ثم ارتحل إلى العاصمة الهندية "دلهي" لطلب التعليم العالي، والتحق بمدرسة الأستاذ محمد حيات، وأقام بها، وفي عام 1250هـ عمل والده خليل الله سكرتيراً للملك الهندوسي بها، فانتقل إلى بيت أبيه، وكان يتلقى العلم صباحاً على يد أستاذه محمد حيات، ويحفظ في الليل الأشعار التي تتحدث عن بطولة وشجاعة جلال الدين محمد أكبر، المسماة "أكبر نامه" على الملك "هندورائي بهناوز" وبعد مدة، سافر الشيخ رحمة الله إلى مدينة العلم والأدب والحضارة في الهند "لكنوء"، وواصل تعليمه على كبار العلماء والأساتذة من أمثال: المفتي سعد الله، والعارف بالله الشيخ عبد الرحمن الحبشي، والطبيب الحكيم فيض محمد، الذي درس على يده علوم الطب. وعلى جماعة أخر من جهابذة علماء المسلمين، حتى إذا تم ذلك كله، تصدر الشيخ رحمة الله مجالس التدريس والإفتاء، فأسس مدرسة شرعية في مسجد قريته ومسقط رأسه "كيرانة"، وكان من تلاميذه عبد السميع الرامبوري، وشهاب الدين العثماني، وحافظ الدين الدجالوي، وعشرات بل مئات غيرهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :3146  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل