شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقك، حبيبك وصفيّك سيدنا محمد المصطفى الأمين، وعلى آل بيته الطيبين، وصحابته الطاهرين.
الأستاذات والأساتذة الأفاضل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحد الذين خصّتهم أبجدية الضاد بفتح خزانة أسرارها، ففتح بحفظه لهذه الأمانة للبحاثة والدارسين آفاقاً جديدة في الجذور التاريخية للغتنا العربية.
أرحب معكم في هذه الأمسية بالأديب السعودي، اللغوي والمؤرخ والباحث الأستاذ عبد الرحمن يحيى الرفاعي أحد أهم علماء اللغة العربية وأئمة بحثها العلمي والتاريخي في عصرنا الراهن، معلم اللغة العربية، عضو مجلس إدارة نادي جيزان الأدبي، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وجمعية لسان العرب التابعة للجامعة العربية، وعضو رابطة الأدب الإسلامي، والعديد من الروابط والجمعيات الناشطة في حقول اللغة والتاريخ والتراث.
اختارته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية عبر جمعية لسان العرب ضمن أهم عشرة علماء ضالعين ومميزين في محيطنا العربي بنشاطهم في خدمة البحوث العلمية والتاريخية في آداب لغتنا العربية وتراثنا الإسلامي، ومنحته في العام 1425هـ/2005م درجة الدكتوراه الفخرية، ودرعاً تذكارياً وشهادة تقديرية، ذلك من باب العرفان بهذا المنجز العلمي المتحصل، ولقاء مجاهداته الواضحة لرفعة اللغة العربية والارتقاء بها من خلال إنتاجه التراكمي الهائل من الأوراق والبحوث العلمية التي قدمها في مجموعة من المؤتمرات والندوات والمحاضرات المتخصصة في هذا الصدد، فلم يأخذه بريق الدرجات العلمية وأبهة الألقاب الرنانة عن مواصلة رسالته كمعلم فاعتصم بحبل تدريس اللغة العربية وآدابها ناذراً جهده لخدمة طلاب المدارس الثانوية بجنوبنا الحبيب في تفانٍ نادر.
لعل "الاثنينية" في هذه الأمسية تحاول إسقاط الضوء على أهم محطات ضيفنا البارزة وآثاره العلمية في مسارات بحثه بتخصصاته المتنوعة في مضامير اللغة العربية والتربية والتاريخ دحضاً لمقولة زامر الحي لا يطرب، وتفتح أبواب الحوار بين جمهورها الواعي وضيف أمسيتهم ليتطرق إلى جوانب مهمة من تجربته وفلسفته في التعاطي مع تاريخنا اللغوي، وتراثنا الإسلامي، ولسنا أول من تداعى إلى تكريمه لكننا نسعى لأن يكون تكريمنا مختلفاً وفيه شيء من الإضافة؛ فالرجل قد كرمه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله بمنحه شهادة تقديرية وخطاب شكر على بعض مؤلفاته سنة 1402هـ/1982م، وأعقبه صاحب السمو الملكي أمير الشباب فيصل بن فهد بن عبد العزيز رحمه الله بمنحه شهادة تقديرية لجهوده في خدمة اللغة العربية والتراث الإسلامي سنة 1403هـ/1983م، وقد منحته دارة الملك عبد العزيز آل سعود جائزة الأمير سلمان بن عبد العزيز في تاريخ الجزيرة العربية سنة 1428هـ/2007م، وغيرها من الدروع والأوشحة والشهادات التقديرية من بعض جامعاتنا وأنديتنا الأدبية المنتشرة في بلادنا الرحيبة، وعلى المستوى الخليجي فقد كرمته إمارة الشارقة بشهادة تقديرية لدوره في حفظ التراث العربي والإسلامي.
ولجازان أنفاسها في رئة الأدب السعودي الحديث، فلا يمكننا الوقوف على تجربة ضيفنا العلامة الأديب الكبير الأستاذ الرفاعي ولا ترن حول تلك التجربة أصداء تجارب من سبقوه وأسهموا في صياغة وعيه في مراحل مبكرة من تعلقه بالآداب العربية وانجذاب روحه الشاعرة للضاد وتراثها الإبداعي؛ فقد فُطر على النشأة الأدبية والتوغل في أعماق اللغة وتاريخها ببساطة لأنه نشأ في ظلال بيتين من بيوت الأدب السعودي في جازان فترعرع في بيتي العقيلي والسنوسي، قبل أن يصقل هذه الفطرة ويتوّج قدراته بدراسة متعمقة للغة العربية في جامعة الإمام سعود بالرياض. ومما لا شك فيه فقد انطبعت في نفسه الشفافة بحفر عميق آثار مغني جازان الشاعر محمد علي السنوسي وما لها من ذائقة خاصة في نفوس أهل الجنوب، ولا يذكر السنوسي الشاعر دون أن يقترن ذكره باسم رفيق دربه مؤرخ جازان الشاعر محمد أحمد العقيلي، فقد بلغ أثر هذين الرجلين في نفس الأستاذ الرفاعي أن جمع روحيهما في روحه المتفردة بتعلقها بالأدب والتاريخ في آن. فقد خلف هذان الأديبان سفراً مهماً من الآثار الإبداعية التي أضفت كثيراً من الغنائية على المشهد الشعري في الثلث الأخير من القرن الهجري المنصرم، وقدّما نماذج نادرة من آداب الجنوب قاما برصدها بمنهجية نقدية دقيقة، فأسهما في رفد تجربة ضيفنا بكثير من أدوات الفعل الإبداعي التي أعانته في بداياته.
وقد أودع الأستاذ الرفاعي خلال مسيرته العلمية الحافلة بالعطاء الأدبي والعلمي والفكري كثيراً من النظريات المهمة في تاريخ اللغة العربية وآدابها وأصبحت هذه البحوث والنظريات مرجعاً يستند إليه طلاب الدراسات العليا في علوم اللغة وتاريخها، ولعلّ نظريته في التوحد اللغوي وأثره على إنتاج المعرفة العربية تظل واحدة من أهم فرضياته العلمية، وهي التي لفتت إليه نظر الجامعة العربية فاعتبرتها مدخلاً مهماً لرتق النسيج الثقافي العربي للحفاظ على تماسك ووحدة الأمة، وهذا في حد ذاته يعدّ حافزاً حقيقياً لديمومة مشروعه العلمي ونجاحه على المستويين النظري والتطبيقي، وحسب ما تيسر لي فهمه فنظريته قائمة على فكرة التوحيد اللغوي، ففرضية التوحيد ذات أثر إيجابي على الإنتاج المعرفي للعقل العربي الجمعي يتجلى في وحدة لسان الأمة العربية بمعنى وحدتها الثقافية أي زيادة ثرائها المعرفي، بينما ينهض مفهوم التوحد بخلاف مفهوم التوحيد بمدلول سالب فهو دعوة إلى التعصب من شأنها أن تفضي إلى حالة من النزوع إلى الطائفية اللسانية وتعظيم التمسك باللهجات المحلية؛ خروجاً بها من سياقها الثقافي بتبني لهجات منقطعة بذاتها وناكرة للصلة بنسبها الحضاري والتاريخي.
وللأستاذ الرفاعي بهذه النظرية توجساته الخاصة التي قد يقرّها البعض ويخالفها الآخر، فهذه الفرضية تشير إلى خطورة استشراء ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة التوحد اللغوي وهي النعرة المتفشية لنشر عامية كل أقلية على حدة في ظل احتدام حمى السموات المفتوحة التي تتجسد أعمق إفرازاتها أثراً في تمدد مساحات البث الرقمي الذي دخل بيوتنا العربية بأجندته الواضحة بدعاوى حرية التعبير وديمقراطية الرأي، وأباح لكل أهل أقلية حقوق نشر ثقافتهم بلسانياتهم الخاصة دون النظر للمجاميع الثقافية التي تنتمي إليها هذه الأقليات، وعليه يصبح توجسه أمراً مشروعاً في القلق على مستقبل الخصوصية والهوية الفكرية لأمتنا العربية التي تتبعثر طاقاتها الثقافية وتتفرق أيادي سبأ باتخاذها لعوامل التوحد اللغوي بديلاً لمفهوم التوحيد اللغوي الجامع. وقد رأى القائمون على مجمع اللغة العربية أن هذه النظرية ذات أثر كبير ومهم في إعادة النظر بالعديد من الفرضيات العلمية التي تثار أحياناً حول الجذور التاريخية للغتنا العربية، وتحتوي على الكثير من المفاهيم الجديدة والرؤى ذات الأثر الإيجابي في تنشيط ساحات الحراك الأدبي والعلمي في ميادين الدراسات والبحوث اللغوية والتاريخية.
كذلك من فتوحات الأستاذ الرفاعي اللغوية الهامة في بحثه المتواصل في تاريخ اللغة وجذورها عثوره على الخيوط المفقودة في إثبات خروج اللهجات السامية وتوالدها من اللغة العربية أي اللغة الأم لهذه الألسن التي تنحدر في الأصل منها وارتباطها التاريخي بمنصة الضاد لانطلاقها في فضاء ثقافاتها المحلية والطائفية، معززاً تلك النظرية بإثباته لعروبة النسب لأبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام قاطعاً الطريق أمام دعاة التشرذم اللغوي بدعوى الدفاع عن السامية؛ فوحدة الجنس والموطن للغتنا العربية أوضح الأدلة لخروج هذه اللهجات من رحمها على الرغم من أثر تداعيات الهجرات المتعاقبة على هذه الفرضية، وما أفضت إليه عبر مراحل تاريخية مختلفة من مآل التغريب اللغوي، ومحاولات العزل من الأصول الثقافية لمصادر تلك اللهجات القديمة. لقد قدم لنا الأستاذ الرفاعي عبر سلسلة مترابطة من البحوث الموثقة في التاريخ اللغوي ما يصلح أن نعتبره نواة لنظرية لغوية حديثة تحمل في طياتها محاور دقيقة للبحث العلمي، وتشكل مرجعية ضرورية لتقصي المصادر التاريخية للغة اللوح المحفوظ.
والأستاذ الرفاعي على الرغم من وضوح تداخل الملفات التي يشرف عليها، وما يبدو عليه من انشغال دائم بأعباء عضويته في كثير من اللجان والجمعيات المتخصصة في التربية والتاريخ والتراث اللغوي والإسلامي، على الرغم من كل ذلك فقد تفرد بغزير إنتاجه من المؤلفات إسناداً لمسارات اهتماماته وبحوثه العلمية والأدبية الحية، فنجده قد ألقى بكثير من البريق على أرفف مكتبتنا العربية المتخصصة في الشأن العلمي في النطاقين اللغوي والتاريخي، وأرفف مكتبة الآداب والتراث العربي والحضارة الإسلامية باضطراد مؤلفاته التي قاربت الخمسين مرجعاً متفاوتة ما بين الدراسات والبحوث اللغوية والأدبية والإبداعية المتنوعة، وما بين التحقيقات والأبحاث التاريخية والتراثية البحتة، والنظريات الفكرية المتخصصة في حصيلة إجمالية بلغت سبعةً وأربعين مؤلفاً أثارت في المشهد النقدي سجالاً محموماً وأضفت مزيداً من الحيوية في طرحها الجريء لبعض الملفات التاريخية المثيرة للجدل، ولامستها بعمق المفكر وبريشة المبدع في آن، وله قيد الإعداد والطبع ما يزيد عن خمسة مؤلفات في نفس مساقات بحثه العلمي والأدبي، ما يضاعف من قيمته الفكرية والأدبية في محيطنا المحلي والإقليمي، ويلفت الانتباه إلى قدراته الفذة في توثيق مواد التراث اللغوي والإسلامي النادرة بتوفره على كثير من المرجعيات الغنية بمادة البحث والمدارسة التي تصلح لأن يتخذها المتخصصون وطلاب العلم مادة متجددة في مباحثهم للعلوم الإنسانية والنظرية التي يطرقونها، وقد تُرجمت بعض مؤلفاته إلى الفرنسية لحيوية وقيمة وموضوعية المادة التي تناولتها ولما يضيفه على صفحات الحضارة الإنسانية وتاريخها من معارف جديدة.
صفحات ثرة وثرية يمكن تسطيرها في الحديث عن إسهامات ضيف أمسيتكم سعادة الأستاذ عبد الرحمن الرفاعي في كثير من مساحات بحثه المتشعبة، ولا يسعني الوقت المتاح لكلمتي بالمرور عليها مجتمعة، آملاً أن يضيء في كلمته تلك النقاط التي لم تشع حروفي ببريقها.
كونوا على موعد في اثنينيتكم القادمة مع الأستاذ إحسان صالح طيب الأمين العام لهيئة الإغاثة الإسلامية، المدير العام السابق للشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة، أحد أبرز أركان العمل الإنساني والاجتماعي بالبلاد لقرابة أربعين عاماً، لم يبخل بخبراته حتى بعد تقاعده؛ فتفرغ للاستشارات والخدمات الاجتماعية بفطرته النزّاعة إلى العمل الخيري والتطوعي، وروحه الطيبة، فإلى لقاء يتجدد.
طبتم، وطابت لكم الحياة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
عريف الحفل: شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على هذه الكلمة الضافية. أودّ أن أشير أيها السادة والسيدات إلى أنه بعد أن تعطى الكلمة لفارس أمسيتنا هذه الليلة ستتم محاورته كالمعتاد وكعادة الاثنينية عن طريق الأسئلة، وكما تعودنا منكم يعرّف السائل أو السائلة باسمه ومهنته ثم يطرح السؤال وليكن سؤالاً واحداً لتتاح الفرصة لأكبر عدد ممكن.. الآن هناك بعض الكلمات التي ستتحدث عن ضيفنا المكرّم في هذه الأمسية نبدؤها بكلمة لمعالي الدكتور مدني علاقي وزير الدولة السابق فليتفضل.
 
طباعة
 القراءات :369  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.