شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ، أحمدك اللّهم كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيمِ سلطانك، وأصلي وأسلم على خير خلقِك -حبيبِك وصفيِّك- سيدِنا محُمّد، وعلى آلِ بيتِه الطاهرين، وصحابتِهِ أجمعين.
السيداتُ والسادةُ الأفاضل:
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، أبجديةُ الروحِ لا تُكتَبُ حُروفُها على سطحِ المعنى، ولكن تُحَفرُ عميقاً لتسبرَ أغوار تربةِ اللغةِ، وقليلون يجيدون تنضيد جذورِ الكلمةِ من شوائبِها غير المرئيةِ لمن هم في مقامٍ دونَ مقامِ الرؤية. وتحاول ((الاثنينية)) النفاذَ إلى حصونِ أسرارِ ضيفِنا، والكشفَ عن بعض أغطيته، للتعرف على مسيرتِهِ الحافلةِ بالعطاءِ الفكري والإبداعي، ومحاولة أن نُبْصِر في تجربتِهِ الطويلةِ ما لم يُبْصره الآخرونَ، الكاتبِ، الناقدِ، الشاعرِ، المثقفِ المتجددِ الدكتور سعيد السريحي.
وإذ نحتفي بضيفنا الكريم هذه الأمسية، فإننا نحتفي بمدرسة نقدية ذات جذور وفروع، نمت فأزهرت وأثمرت.. بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع رؤيتها الأدبية والثقافية وما تكتنفه من مشاريع فكرية، فذلك شأن آخر لم تعتد ((الاثنينية)) أن تكون طرفاً فيه بحال من الأحوال، بل تقف دائماً على مسافة واحدة من جميع التيارات الأدبية والصراعات الثقافية والفكرية والنقدية.. بيد أنها تحتفي وتسهم بما تستطيع لتسليط الضوء على بعض الرموز الذين قدموا الكثير لتحقيق ما تصبو إليه نفوسهم وما يؤمنون به من أفكار يثقون أنها تعمل في النهاية على خدمة المجتمع والتوجه نحو الغايات المنشودة.. كما تسعى إلى توثيق جانب من الحراك الثقافي في هذه المرحلة من حياتنا الثقافية المعاصرة.
لقد واجهت حركة الحداثة -في تجليات خطابها الفكري- وبخاصة في معرفية هذا الخطاب -سجالاً عنيفاً لكونها تدعو- في ما تدعو إليه- إلى ضرورة عصرنة التراث وإعادة قراءته بساطع ما أنجزه العقل المحايث من كشوف، وما شهدته الحياة من تغيرات بنيوية عميقة تستدعي ((استنطاقاً أكثر عمقاً)) لنصوص التراث مواكبة لمستحدثات العلم وتماشياً مع ما يشهده المجتمع نفسه من حراك ساهمت ثقافة ((السماوات المفتوحة)) والتقانة الحديثة وما تحمله من ((عولمة ثقافية)) في مضاعفة تأثيره وخطره على الثقافات المحلية، وبخاصة منها تلك التي تستعصم بتالد تراثها وتلوي عنقها في إباء عن ((إغراء الحداثة)) وسموم ثعابينها الفاتنة، وإن كانت لا تستطيع مغالبة شغفها بمستهلكاتها الظاهرية؛ فغابات الإسمنت الشاهقة في مدائنها والسيارات الفارهة في شوارعها تحكي ((غزلاً حميماً)) ولواعج توق محرقة، ويتولى الخطاب المحافظ تبرير ذلك ((بفقه المصالح المرسلة)) لتسكين جزع أنصاره من مغبة انفلات هذا الخطاب، ومن ثم فقدانهم لذاكرة ((الألفة)) مع الموروث وما تشكله من طمأنينة عميقة.
والمنهجيةُ النقديةُ عند الدكتور السريحي -بحسبِ ما لمستُهُ من بعضِ ما تهيّأتْ لي مراجعتُهُ من قصاصاتٍ نقديةٍ- تحاولُ أنْ تكتشفَ شيئاً ما بعيداً في ما تقرأهُ من التراثِ، فهي تدعو لا إلى قراءةِ الإرثِ التاريخيِ فحسبْ، بلْ وإلى إمعانِ النظرِ، والقدرةِ على النفاذِ داخلَ تجاويفِهِ لتكتشفَ شيئاً جديداً في ما تُخبِّئه هذهِ الحفريات. وفي تقديرنا أنّ الدكتور السريحي يعَدُّ واحداً ممن ساهموا في تشكيلِ ذائقةٍ نقديةٍ وجماليةٍ لها خصوصيتُها، بمؤلفاتِهِ المتواترةِ في النقدِ، والتي لاقتِ احتفاءً وترحيباً في المشهدِ الثقافي السعودي -اتفقنا أو اختلفنا حولَها- فكانَ لكتابِهِ النقدي ((الكتابةُ خارجَ الأقواسِ)) صدىً كبير في خلقِ حوارٍ فكريٍ عميقٍ ومُتّصِل.
وفي القليلِ من أشعارِه التي أتيحَ لي أنْ أطّلعَ عليها، وجدتُهُ يأخذُني إلى أقاصي النشيجِ بلغتِه الشعريةِ الفادحة، فالحوارُ الحميمُ الذي يسِمُ لغتَهُ يحيلُ البناءَ الشعريَّ عنده إلى غنائيةٍ تتماهى فيها المعاني، وتتموقعُ فيها الصورُ في مكانٍ ما داخلَ النّصِ دونَ أنْ تُشوّشَ على طلاوةِ الانسيابِ الموسيقي لمفرداتِها المنتقاةِ من قاموسٍ يخُصُّ تجربتَهُ الشعريةَ المتفردةَ بحضورٍ أخّاذٍ. ولستُ في مقامِ الناقدِ المُتَبَصِّرِ الذي يحدّثُكم عن هكذا شاعرٍ، فليتَهُ يعرَجُ بنا بحديثهِ إلى مضاربِ القصيدِ في فضاءِ ذاكرتِهِ الشعريةِ.
آثر ضيفنا الكريم كتابة المقال الصحفي، وتذوق حلاوة التواصل الوجداني، والتلاقح المعرفي، رغم بعد المتلقين عنه، فظل المقال الصحفي يمثل الحضن الدافئ الذي يجد فيه نفسه، فتعلق به، ومنحه الكثير من جهد جهيد وطاقة فوارة، وفكر خلاّق.. فكان متنفساً طبيعياً يلجأ إليه، يبثّه شكواه وولعه وشوقه، تناول فيه كثيراً من القضايا المختلفة التي تهم المجموع، عبر في كثير من موضوعاته عن رأي الأغلبية الصامتة، عكس همومها.. آلامها.. آمالها، خاض في القضايا الحياتية الحيوية الكثيرة والمتشعبة، يكتب رأيه بعبارات واثقة الخطى، تمر كنسيم الفجر تارة، وتزمجر كعاصفة رعداء تارة أخرى، يجرح بمبضعه دون أن يدمي، لا يسيء ولا يسوء، يقول ما تعتلج به مشاعر البسطاء والحيارى الذين أعياهم الانتظار أمام أبواب سلحفائية بعض الدوائر البيروقراطية. تناول ضيفنا الكريم المقال الصحفي بمهنية راقية، بما حبي به من رصيد تجارب ثرّة، يغوص في أعماقه، له أساليبه الخاصة التي تتناسب مع كل مقال يتعامل معه بمفاتيحه وأدواته الخاصة والمتنوعة، ليصل نداؤه إلى أبعد مدى مستعيناً بذكائه الفطري الموشح بأدب النفس واحترام الآخر. له أساليبه الخاصة في إدارة دفة الحديث بما يتناسب مع كل مقال.. يلجأ إلى السخرية بعض الأحيان حين لا يجدها إلا طريقاً لتوصيل صوته ورأيه وفكره. عندما يشعر بألا جدوى من الجدية، يطلق عليها ((البكاء المر الذي يتحول إلى ضحك)) ويسترجع بيت القباني: ((كان في ودي أن أبكي ولكني ضحكت)).
هذه مجرد إضاءات ولمحات خاطفات، ومرايا متناثرة تشف عن بعض مزايا ضيفنا الكريم، آملين أن تكون أمسية مميزة بمشاركة المتحدثين الذين يتناولون محاور عطائه الثري. سعداء أن نلتقي الأسبوع القادم في رحاب صاحب المعالي الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم كافود، المتخصص في الأدب العربي المعاصر، الذي شغل حقائب التربية والتعليم والثقافة والتعليم العالي، ورئاسة المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بدولة قطر الشقيقة، فإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير.
طبتم وطابت لكم الحياة.
والسلام عليكم ورحمة الله.
عريف الحفل: شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه مؤسس ((الاثنينية)) في هذه الكلمة الضافية الترحيبية، أود أن أشير إلى أنه بعد أن تعطى الكلمة لفارس أمسيتنا ستتم محاورته عن طريق الأسئلة على أمل أن تتفضلوا بإلقائها مباشرة راجين أن يكون سؤالاً واحداً لكل سائل أو سائلة من قسم السيدات أيضاً، وأن يعرّف السائل أو السائلة بنفسه ثم يطرح السؤال مباشرة، لكي تتاح الفرصة لأكبر عدد منكم ومنكن. قبل أن نستمع إلى حديث ضيفنا في هذه الليلة والمحتفى به الدكتور سعيد السريحي، هناك من طلب الكلام للتحدث حول فارسنا المكرم هذه الليلة، نبدأ بالاستماع إلى كلمة الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني.
 
طباعة
 القراءات :657  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 13 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج