شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة حول هذا الديوان
لا أدري هل لي أن أتحدث عن الشعر، ولستُ شاعراً؟ ولكن الذي أدريه أن لهذا الديوان بعض الجوانب، من حقي أن أعَبِّر عن رأيي حيالها؛ فإن كان منها ما يَمسُّ الناحية الشعرية، فإن حديثي عنها ليس بِدْعاً في عالمنا الذي لا تخضع فيه الآراء والأفكار لمقاييس المنطق، ولا لقواعده المرسومة، منذ أن استطاع المرء تحريك هذه المضغة التي بين فكيه!!
لقد أصبح هذا الشعر -بعد أن (قذف) به صاحبه إلى هذه الآلات المتحركة (المطبعة) لتعرضه على من أراد استعراضه- مُشاعاً، مُباح الحِمَى لكل من استطاع أن يقول عنه ما يريد قوله، إن حقاً، وإن باطلاً فإذا أخذت حقي من ذلك فهل أكون مَلُوماً؟!
عرفت الشاعر -مما كنت أقرأ من شعره منشوراً في الصحف- عام 1349هـ (1930م) وما بعده، وكنت أقرأ ما ينشره، وما ينشره غيره من شعرائنا منذ ذلك العهد، ولكنني وجدت في شعره ما استهواني، ودفعني لتتبع كل ما أستطيع الاطلاع عليه من شعره، أما لماذا؟ فهذا ما سأحاول توضيحه.
أنا لا أجد في نفسي مَيْلاً لقراءة كثير مما يُنشر من الشعر الحديث، وليس العيب في ذلك الشعر، ولكنه عيبي أنا، فقد كان للطريقة التي سِرْتُ عليها في حياتي أو سيّرتني تلك الحياة، أكبر الأثر في اتجاه تفكيري، وتوجيه رغباتي وميولي النفسية، مما لا أستطيع الآن أن أسترسل في الحديث عنه، ولكنني أكتفي بالإشارة إلى أنني وجدت في شعر حسين حوافز ثلاثة أثَّرَتْ في نفسي أبلغ الأثر لتتبع قراءة ما يكتب، وخاصة ما كان شعراً:
1- صِدْقُ الإحساس وعمق الشّعُور، وأتَبَيَّنُ هذا مما يحدثه في نفسي من أثرٍ عند قراءة الشعر الذي ينظمه حُسَين.
2- عُمْقُ الصلة وقُوَّتها بين الشاعر وبين حياة بيئته التي عاش فيها، وانطبع بطابعها، وهي حياة الصَّحراء التي عشت فيها.
فحسين -وإن كان من مواليد مكة المكرمة في عام 1334هـ (1) إلا أنه وهو ابن البادية، أمضى زهرة شبابه، وريعانه، وعهد كهولته، متنقلاً في مرابعها ومراتعها، فبدت سمات تلك الصحراء بارزة في شعره، في جزالته، وفي صدق تعبيره، وفي أسلوبه، وفي استعماله كلمات يظنها قارىء شعره مما تعمّق الشاعر في البحث عنها في معجمات اللغة، بل من عويص تلك الكلمات، وما هي -والحقُّ يُقال- سوى ما أوحت به الفِطرة، ووعته الذاكرة، وحفظته، بعد أن تلقفته مشافهة، لا دراسة، ولا التقاطاً -بغية الإغراب- من معجمات اللغة، مما يضطر قارىء شعره إلى الاستعانة بالقواميس من كتب اللغة لفهم كثير من الكلمات الواردة في شعره، مع أنه أبعد الشعراء عن الإغراب، وأكرههم لمحاولة إيهام القارىء أو مضايقته بما لا يكاد يفهمه إلا بمشقة وجهد، وهذا ما ينبغي لقارىء هذا الشعر إدراكه.
قلَّ أن نجد بيننا قارئاً يدرك (إيماض المرْوِ بعد المطر) ولكن الذنب ليس ذنب الشاعر، وإنما هو ذنب من لم يفهم حياة الصحراء، ولا يعرف صخورها ومظاهر الحياة فيها، ثم الذنب ذنب الصحراء نفسها أيضاً!!
وقد يعترض القارىء كلمات يستعصي عليه فهمها ولو استعان بكل ما أُثِر عن علماء اللغة من مؤلفات، ولكنه لو عاش كما عاش حسين، وكما عاش كل إنسان في صحراء الجزيرة -لما وجد أية صعوبة في فهم أسلوب الشاعر، ومعاني كلماته، ولما احتاج إلى الاستعانة بأي كتاب.
3- في شعر حسين ومضات تتصل من النفس في أعماقها، قلَّ أن يدرك القارىء لها مثيلاً إلا في شعر (المعرّي) وأضرابه، ممن عمدوا إلى مخاطبة العقل مخاطبة نجدها في حياتنا التي ألفناها وعشناها قاسية وشاقة، وبعيدة عن مألوفنا، بُعد هذا المألوف عن واقع الحياة.
وقد نجد في ذلك الشعر ما نراه ألصَق وأقرب، إلى (الخيَّام) وأمثاله، ممن نقرأ شعرهم قراءة المكبَّل بقيود عقلية، تقسره على أن يرى في ذلك الشعر ما يراه الشاعر نفسه، وسيّان نظرنا إليه هذه النظرة أو تلك، فنحن أمام شعر يؤثر في النفس، ويهزّ أعماقها وما الشعر سوى ما كان بهذه الصفة، إذا ساغ لي أن أعرّف الشعر، متأثراً بما عرفته عنه، ولكنني لا أرضى بالنزول بمستوى شعر حسين إلى مستوى ذلك الفهم الفجّ الخاطىء لشعر الخيام وأضرابه.
4- وحافزٌ ثالث أجده في شعر حسين، يشدني إلى ذلك الشعر، ويدفعني لكي أسير معه، هو أنني لا أحِسُّ في ما أقرأ من شعر شعرائنا ما هو أقرب إلى ما أُثر لشعراء العرب المتقدمين -أسلوباً وجزالة، وصدق تعبير- من شعر حسين، مما قرأت من شعر أولئك الشعراء، وقد يكون مردّ ذلك إلى قلّة ما أقرأ، وإن كنت لا أرضى لنفسي بأية صفة من صفات القصور، ولكن هذا هو الواقع، وقد أكون فيه على غير صواب.
عن تلك الحوافز الثلاثة، اتصلت بالشاعر، وألححْتُ عليه بأن يجمع شعره وأن ينشره، فسوَّف، ثم وَعَدَ ومَطَلَ، وبعْد إلحاحٍ مني، ومَطلٍ طويلٍ منه، دفع إليَّ دفتراً يضمُّ 16 مقطوعة، تقع في 269 بَيْتاً، بعد أن نمقَ على غلاف ذلك الدفتر "أجنحة بلا ريش".
ثم بعد إلحاحٍ من أخ كريم -لكي يقدمها للقراء- كتب بِضْعة سطور -يجدها القارىء- عن "الشعر".
مقطوعات لم تكن منتقاة، ولكنه دعاها (الباكورة) وتمنى أن لا تُعْقِم، ومن عرف حُسَيْناً حقَّ المعرفة أدرك ما وراء تمنّيه، وما تحمله كلمة (الباكورة) لديه من معنى. لندع هذا إلى ناحية أخرى تتعلق بالشاعر -بعد أن قدَّم لنا (الباكورة) في انتظار ما بعدها-.
عرفت شعراء كثيرين من أهل هذا العصر، معرفة لا تبلغ من العمق الدرجة التي تمكنني من أن أتحدث عنهم حديثاً يرضاه الباحث، ويقنع به الدارس، وهذا لا يمنعني أن أشير إلى جواب من حياة شاعرنا على حدّ تلك المعرفة.
وما أقصده من الحديث عن الشاعر لا يعدو لمحات موجزة قد تمكّن قارىء شعره من فهمه.
إن حسيناً -وإن كان ابن الصحراء في كثير من أخيلته وتعبيراته إلا أنه واسع الاطلاع بدرجة عجيبة حقاً، بحيث لو وصف بأنه في خلال الثلث الماضي من هذا القرن قلَّ أن يصدر كتاب في الأدب أو التاريخ، أو في الشعر أو القصة لم يطالعه، لما كان في هذا القول مبالغة، يجد قارىء شعره أثر هذا واضحاً فيه.
والشاعر يجيد نظم الشعر باللهجة العامية، أي ما يعرف في نجد بالشعر النبطي، وفضلاً عن إجادته فهو يحفظ كثيراً منه، حفظ تذوّقٍ وفهمٍ وإدراكٍ، وفي بعض الأحيان قد يعمد إلى شيء من ذلك الشعر فيصوغه في قالب فصيح.
وللشاعر أسلوب في النثر يكاد يكون متميزاً، يقوم على أساس من السخرية التي لا تجرح العاطفة، بل قل أن يدركها القارىء السريع، ولا أريد إطراء الشاعر عندما أقول بأنه -في نظري- كاتب، أبرع منه شاعراً، وإنني قلَّ أن أترك أية مقالة يكتبها عندما أبدأ في قراءتها قبل إكمال القراءة، وذلك قبل -بضع سنوات- بخلاف شعره فقد أكتفي بقراءة بيت من قصيدة، وقد أقرأ القصيدة كلها مرة أو مرات، وهذا ما سيلحظه قارىء هذا الشعر، وسيرى فيه أنماطاً مختلفة منه، لا يجمعها سوى الوزن والقافية، وهذا راجع -في الغالب- إلى أن الشاعر لم يُعْن بجمع هذا الشعر، وإنما اكتفى بتقديم قصائد منه هي أقل من أن تبلغ مبلغ الديوان، غير أن أحد أصدقائه استطاع بعد نبش بعض الصحف القديمة أن يضيف إلى ما قدّمه الشاعر قدْراً يكمله من حيث الكم وإن لم يتفق معه من حيث "الكيف".
ولهذا فلن يعدم طلاب الهنوات والهفوات في هذه المجموعة الشعرية ما يريدون، ولن يحول دون صاحبها وبين توجيه سهام النقد إليه عدم اختياره للجيد من شعره ليعرضه منقحاً مختاراً، كما يفعل كل إنسان يعيش في هذا العصر، ولكن بنظرة إلى الحياة تختلف عن نظرة شاعرنا الذي يراها أتفه من أن تنال شيئاً من الاهتمام، مهما كان قليلاً على حدّ قوله في كثير من شعره.
ومن يدري فقد يكون من الخير لمن يريد أن يتقصّى بعض جوانب حياة الشاعر، خالياً من كل بهرجة وزيف، أن يرى ذلك الشاعر على سجيّته، في جميع أحواله، وهذا ما قد يجد القارىء قدراً منه بالنسبة لشاعرنا، وأوضح في تصوير نظرته إلى الحياة، مما نشر هنا، مما لا يبرز للقارىء صورة واضحة متميزة القسمات لشاعرنا.
بيروت
حمد الجاسر
 
طباعة

تعليق

 القراءات :560  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.