شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
إن دراسة أدب الأستاذ الكبير حسين سرحان "رحمه الله" بشقيه النثري والشعري، تستدعي تأمل الفترة الزمنية التي عاشها (1332-1413هـ/1914-1993م)، ففيها الكثير من مفاتيح شخصيته والأطر التي شكلت خلفيته الثقافية والفكرية.. فهو ممن تفتحت أعينهم على ذيول الحرب العالمية الأولى بكل تأثيراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العالم بصفة عامة، والعالم العربي بصفة خاصة.. مع ما شكلته من انتقال سريع نسبياً للأفكار والرؤى التي كانت سائدة في أوربا وبعض الدول العربية التي عاش روّادها -أدباء وشعراء- في تلك الأجواء الثقافية.. وبالتالي أمكنه أن يتصل بتلك الثقافة الوافدة، ويتأثر بها رغم جذوره الضاربة في الأصالة والتراث.
من هذه الثنائية (التراث/والمعاصرة) كانت إبداعات الشاعر والكاتب الأستاذ الكبير حسين سرحان، فبالرغم من حياته في مكة المكرمة، وما تمثله من مدنية وحضارة وتجانس مع مختلف التيارات والثقافات الوافدة إليها عن طريق الحجاج والعمّار والزوّار والمجاورين، والأثر الملموس الذي صبغوا به الحياة الثقافية المكية على مدى عقود متتالية، إلا أنه كان ميالاً لحياة البادية، فعاش سنوات متنقلاً في بادية مكة المكرمة، والطائف، وعسير، وبطبيعة الحال تأثر بالشعر والمفردات وأسلوب الحياة الشفيفة وغير المعقدة التي تتسم بها البادية أينما كانت، فاكتسب قاموسه الخاص مفردات ذات صلة وثيقة بالبيئة التي عشقها وتماهى في وجدانها، حتى ليحسب القارئ في بعض الأحيان أنه يطل على شاعر من العصر الجاهلي، مدخل غزل ووصف طبيعة، واعتزاز وثقة بالنفس ومكارم الأخلاق.
إن اللغة عند شاعرنا غزلة، مطواعة، يشوبها طائف من الحزن الشفيف الذي تسرب إلى نفسه واستأثر بخلواته وتجلياته إثر وفاة ابنته الكبرى "مُزنة" -رحمها الله- وأحسب أن هذا النفس الملتاع قد جعله زاهداً في المجتمع والدنيا بصفة عامة، فاعتزل الناس والملتقيات الثقافية والأدبية، فاعتمد الكتاب جليساً، والقلم أنيساً، والورق رفيقاً، إلى آخر عمره.. فكتب الكثير من المقالات التي وجدت طريقها إلى النشر عبر مختلف الصحف المحلية، وكانت في مجملها تتناول أعلى ضروب الشأن الثقافي والاجتماعي، وكأني به يخاطب شريحة معينة من المثقفين.
الجدير بالذكر أن هذه الأعمال الكاملة الشعرية والنثرية تتضمن دراسة بعنوان "شعر حسين سرحان -دراسة نقدية" للأستاذ أحمد عبد الله صالح المحسن، حصل بموجبها على درجة الماجستير من كلية الآداب بجامعة الملك سعود عام 1404/1405هـ-84/1985م.. بالإضافة إلى ثلاثة مجلدات من إعداد الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري بعنوان "آثار حسين سرحان النثرية -جمعاً وتصنيفاً ودراسة" 1426هـ-2005م.. وهي دراسات جادة أسهمت بدور فعّال في حفظ هذا التراث القيّم، وألقت عليه الضوء بصورة منهجية وعلمية.. فلهما الشكر والتقدير والثناء على جهودهما القيّمة، لضمها في هذه المجموعة الكاملة.
إن النبوغ المبكر لشاعرنا الأستاذ حسين سرحان "رحمه الله" رشحه للإسهام في المشاركة ببعض نتاجه الشعري في كتاب "وحي الصحراء" لسيدي الوالد ومعالي الشيخ عبد الله بلخير "رحمهما الله"، والذي صدر عام 1355هـ، فشارك بتسع مقطوعات شعرية.. الجدير بالذكر أنه كان في الحادية والعشرين من عمره آنذاك، إلا أن نزوع شعره إلى الأسى والحزن وعميق الفكر في الحياة والموت تنبئ عن كهل تجاوز مرحلة الشباب، فهو يشير إلى أن في جوف قلبه "طلل دارس عفا عليه الدهر حتى محاه"، ويتحدث عن "مغاني صبا أيام كان العمر حلو جناه"، ويحدّث نفسه قائلاً: "قد مضت نزوة الشباب فكفي"، وكلها تشير إلى مرحلة عصف ذهني يجعله ينهض بعمره الغض إلى مدارك الرجال.. ومما لا شك فيه أن قراءاته المتعددة وموهبته المبكرة جعلتاه مكان تقدير مؤلفي الكتاب، ومن ثمَّ وطّن نفسه لمزيد من التأليف والانطلاق في ميادين الثقافة والأدب والشعر والفكر، فكان حقيقاً به أن يكون ضمن كوكبة روّاد (وحي الصحراء).
واستكمالاً لهذا العمل، وغيره من إصداراتنا التي تتناول كتاب "وحي الصحراء"، احتفاءً يليق بالذكرى المئوية لصدوره ولمكانة هؤلاء الأساتذة الأفاضل، رحم الله من توفي ومد في عمر الباقين.. وإيماناً منا بالدور الرائد الذي قاموا به مشكورين مأجورين في التعريف بالأدب السعودي خاصة خارج المملكة، باعتبار أن هذا الكتاب المرجع الأول للنهضة الثقافية الوطنية في ذلك الوقت الذي شحت فيه سبل التواصل مع الآخر في بدايات النصف الأول من القرن العشرين.
سعيداً أن أضع هذه الأعمال الكاملة بين أيدي الأساتذة الأفاضل من أدباء وشعراء، وبين شداة الأدب ممن ينقبون عن الأصالة والمعاصرة.. آملاً أن يجدوا فيها بعض ما يرضي تطلعاتهم ويعينهم في مساراتهم المختلفة.
والله الموفق.. وهو الهادي إلى سواء السبيل.
عبد المقصود محمد سعيد خوجه
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1053  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.