شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ولَوْ زرعُوا التفاح في طشت الغسيْل
لدينا الفتى العنيد، والفتى المغرور، والفتى المشاكس.. وما أشقى بلادنا بهذه الألوان الثلاثة في أمتنا:
((الواد دحماني قام من النوم الساعة 6 نص الليل مشتهي التفاح)).
أين هذا التفاح في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل؟ شيء لا يفهمه الولد، أو لا يريد أن يفهمه، لأن وسيلته في إحضار التفاح، أو ما هو أهم من التفاح، لا تكلفه إلاّ أن يبكي!! ويبكي بإصرار حتى يقلق البيت ومن في البيت!!
- ((يا ولد دحين فين نلتقي التفاح!! طيب والله العظيم أشتري لك التفاح من ساعة نصبح بس اسكت!!)).
ولكن الولد لا يريد أن يسكت.. لأنه لا بد من التفاح ولو زرعوه الساعة في طشت الغسيل!!
هذا (دحماني). أمّا (حمتو) فأمره ألطف..
إنه استيقظ يبكي.
- أبويه.. شيلني على كتفك.
- يا ولدي ارقد.. أنا تعبان.
- لأ.. شيلني.
((ولأ.. شيلني..)) كلمة لا يعني الصبي منها إلاّ أن أباه يجب أن (يشيله) على كتفه، ويقف به الساعة أو الساعتين، حتى يسبقه النعاس، فيوسده أبوه الأرض في هدوء الخائف، الذي يخشى أن يعود إلى اليقظة، فيستأنف الوقوف (والشيل)!!.
أيستطيع أبو (حمتو) أن يعصي ولده فيما طلب؟ أو يستطيع أبو (دحماني) أن يهاود في إحضار التفاح؟
أبداً.. إنهما لا يستطيعان ذلك لأن (المحافيض) (الله يخليهم) أولاد معاندون!!
من أين جاء هذا العناد؟؟
أولدوا به يوم ولدوا؟
- كلا! وإنما هي تصرفات البيت هيأتهم لهذا العناد وعلَّمتهم إياه.
إن تساهل الوالدين فيما يجب بالنسبة لابنهما.. كالشدة العاتية في معاملاته.. كلاهما مدعاة لسوء التربية وفسادها.
هناك حد وسط يجب أن يقف الوالدان على كثب منه ليحزما أمور الصبي، فلا يحرمانه في غلظة وقسوة، ولا يجاريان رغباته في خور وضعف.
إن قسوة الوالدين تطبعه على احترام الطغيان، والطغيان وحده!! وبذلك نُعده إعداداً مهيناً، ونعلمه ألاّ يسلس إلاّ لمن يركب عنقه بالعصا.. وبذلك نُفقد فيه غداً كرامته، واستقلاله الذاتي.
وإن مجاراة الوالدين لرغبات الطفل في خور وضعف تدربه على العناد، وتعلمه الإصرار على ما يعتقد أو يرى.. إصراراً لا يثنيه إقناع، ولا تحد من شأنه محاولة.. وبذلك نُعده للاستعباد، ونهيئه ليكون وبالاً على نفسه وأمته.. فالأمم لا تمتحن بشيء كما تمتحن بالعنيدين من رجالها، والمستبدين بآرائهم في صفوفها.
والوالدان بعد هذا يستطيعان أن يمنحا أمتهما رجالاً لهم قيمتهم في المروءة، والنبل، والسمو الإنساني، إذا استطاعا أن يعاملاهم بمثل هذه الخصال، ويتركاهم يفهمون مواقع معانيها فيمن يعاملون.. كما أن في استطاعتهما أن يُزوِّدا أمتهم بالمتمردين، والطغاة، والمجرمين إذا اشتطا فيما يعاملان به أبناءهما، وتركاهم يفهمون أن ضعفهم عرضهم لظلم الآباء وقسوتهم.
إن الطفل الذي يدرج في أغلال غليظة من الامتهان يصور له خياله المحدود أن الحياة لمن غلب، فلا ينفك يستجمع قواه في سكون حتى إذا شعر بما توافر له من هذه القوى صبها على أول من يصادفه.. إنساناً أو حشرة.. ويستمرئ هذا على مر الأيام، ثم يألفه بالتدريج حتى يتأصل في أعماق نفسه.. فلا غرابة إذا بليت أمته به غداً طاغية أو مجرماً!!
ثم لا تنتظر بعد أن يتأصل الداء أن تُجديه مواعظك، أو تنفعه نصائحك، أو تردعه عقوبتك.. مهما يكن شأو ذلك، لأن العقدة قد باتت موثقة.. لا تحلها جميع الوسائل إلاّ وسيلة واحدة، لعلّه يوفق فيها شخص واحد، يتمثل في طبيب نفساني، يدرس في استقراء وتبصر حقيقة العقدة، ثم يناقش في أسبابها، حتى تنقشع الغشاوة عن فتانا، ويتبين وجه الخطأ فيما عقد.. وعند ذاك يبدأ الحل وتشرع أعمال الإنقاذ.
هذه حقائق أقرتها أحدث النظريات في التربية، فهل نعقلها اليوم ونحن على أبواب نهضة جديدة؟ أم نقنع بها بما جربه المتحضرون من أرقى الأمم وأوسعهم ثقافة ومعرفة؟
والطفل في سنه المبكرة لا ينفعه شيء ما تنفعه التجارب التي نصطنعها له ليلمس حقائقها بيده، فإن مثل هذه التجارب الصغيرة تهيئه لفهم النتائج في حدود ما يعقل، وتعلمه كيف يتقي شرها بدافع من غريزته.
وإذا رأيت يا سيدتي -الأم- ولدك يأبى إلاّ أن يتسلق الكرسي، فلا تنهريه كثيراً، بل دعيه يتسلق كما شاء، وافرحي لوقوعه إذا وقع، ما دام الوقوع لا يكسر رجله ولا يهشم عظمه.. ثم لا يرعك إذا تألم أو بكى، فإنها آلام محدودة، وبكاء صبياني لا بد منه. وحاذري إذا رأيته يبكي أن تمعني في تأنيبه أو وعظه.. بل اتركيه لما جرب، ودعيه يأخذ حظه مما وقع، وثقي تماماً أن عقله المحدود سيربط الحادثة الصغيرة بمسبباتها، وأن غريزته في المحافظة على النفس ستقوم قيام المؤدب الناجع أكثر ممّا يقوم التأنيب وإرسال نصائحك المملولة.
حدثت سيدة أجنبية من المتخصصات في علوم التربية عن نفسها فقالت:
كان (جيمي) وهو في السابعة يأبى دائماً أن يأوي إلى فراشه مبكراً، فتركته ذات ليلة يسهر كما يشتهي على شريطة أن يستيقظ كالمعتاد في الساعة الثامنة صباحاً، فجعل يستمع آونة إلى الراديو، ويلعب مع أخته أو يقرأ في كتابه آونة أخرى.. ودقت الساعة التاسعة وهو يجهد ألا يغمض أجفانه.. كان يريد أن يستمع قليلاً إلى الموسيقى.. ولكن ما حانت الساعة التاسعة والربع حتى كان مستغرقاً في النوم فحملناه إلى فراشه.. وفي صباح اليوم التالي ناديناه مراراً، فلم يستيقظ، وأخيراً جررناه جراً من الفراش وهو يقول: ((لم أنم بعد ما يكفيني)) فلما عاد من المدرسة في ذلك اليوم استلقى ونام بدلاً من أن يخرج للعب.. ولما حان وقت النوم في المساء لم أقل له شيئاً، فذهب إلى غرفته، وخلع ملابسه، وقال: ((لست أشعر بحاجة إلى النوم. ولكن يحسن بي ألاّ أعدو الساعة الثامنة، لأني لم أكن على ما يرام هذا اليوم)).
إلى أن قالت السيدة: وهكذا.. فبعض التجارب الصغيرة التي لا خطر منها، كثيراً ما تفيد الطفل ووالديه!!
وأقول بعد هذا: إن مثل هذه التجارب خليقة بأن تمرنه على الاستنتاج في حدود عقليته الصغيرة. فمرحى للأمة التي مرن صغارها على الاستنتاج الذي تنمو ملكته كلما نمت مداركهم في الحياة.
عرّجوا بنا نجرب هذا..
ودعونا.. نمشِ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :735  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 2 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج