شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أحمد العربي.. المعلم والشاعر والأديب
قراءة في الأعمال الشعرية والنثرية للأديب الشاعر أحمد العربي (1)
في هوى المجد في سبيل المعالي
ما تلاقي في الحل والترحال
كل يوم لك احتمال به تسـ
تهدف العرب أعظم الآمال
كل يوم لك ارتحال لتوثـ
يق عُرى يعرب وشد الوصال
فعلى مركب السلامة واليمـ
ن وفي ذمة النهى والمعالي
أعلاه أبيات مجتزأة باختيار مقصود من قصيدة للأديب الشاعر الأستاذ أحمد العربي، ووجه اختيارها مبني على حال تطابقها بصورة من الصور مع سيرة حياته، ومجرى أيامه وخطراته.. وما من شيء أوثق دليلاً وأقرب تصويراً لأي كاتب أو شاعر أو مشتغل بالأدب إلا نتاجه الأدبي والفكري، ففيه تكمن روح الكاتب، وتتجلى في مرآته صور مجسدة لحياته، فمعلوم أن الشاعر أو الأديب أو المفكر يكشف عن شخصيته أو أطوار من شخصيته من خلال منتجه الإبداعي، فإن فشل في ذلك فإنما يكون منتجه من بعد ذلك صورة لشخوص كثر ربما يكون أو قد لا يكون هو أحدها بأي حال من الأحوال وهنا يبرز السؤال هل المنتج الإبداعي، بهذا المفهوم، هو سيرة ذاتية للمبدع؟ ونقول بكل بساطة إنه ليس يعنينا من المبدع كل أطوار وخطرات حياته وإنما يهمنا ـ كل الاهتمام ـ لحظة تجليه عند مخاض النص والحالة النفسية الدال عليها نصه المحدد. فهذه لحظة تكشف لنا ما قبلها وما بعدها بشيء من الاجتهاد وترينه في كامل حلته الإبداعية دون زيف أو رتوش فإنه لحظتها إن لم يكن في كامل الوضوح والجلاء فلن يكون بأقل من بعض الإبانة. فإن استطاع المبدع أن يصور لنا حالته هذه تمام التصوير فقد أوفى دينه وأكمل حظه وأوثق صلته بين ذاته وحضوره، وما بقي لنا إلا أن ننظر هذا الإبداع لكي نرى ونسجل خطراتنا وملاحظاتنا في كراسة المشاركة والتفاعل حول هذا المقام الإبداعي.
إفادات وإشارات
وفق هذا المنظور وبالرجوع إلى كتاب الاثنينية ((الأعمال الشعرية والنثرية للأديب الشاعر الأستاذ أحمد العربي)) الذي أصدره الناشر عبد المقصود محمد سعيد خوجه متزامناً مع مناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية يقف الكتاب مشيراً بدلالته إلى مزية الاهتمام الاحتفاء بالرموز الثقافية والإبداعية في المملكة العربية السعودية بما يشج الصلة ويعمق قيمة التواصل بين الأجيال ويفتح الكوى لمرور ضوء الإشراق الإبداعي بعيداً عن غوائل النسيان وتراكمات التجاهل والتغاضي، ويزين هذا كله بعض الإفادات في حق الأديب الشاعر العربي التي خطته أقلام بعض الأدباء والمفكرين، لتعمل بهمة عالية في كشف جوانب حياته، وتجسر المسافة بين المعرفة ومتلقيها، لتكتسب النصوص الشعرية والنثرية التي ضمتها دفتا الكتاب بعداً جمالياً منظوراً فيما ورد من إشارات وإفادات.
ولعل في كلمة الناشر الأستاذ عبد المقصود خوجه تعميق لهذا المعنى حيث يقول في كلمته: ((إن نشر هذا الكتاب بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية)) لعام 2005م يوافق مرور مائة سنة بالتمام على ميلاد أستاذنا المربي الفاضل السيد أحمد بن محمد بن محمد بن رشيد العربي، المعروف بالسيد أحمد العربي، المولود بالمدينة المنورة سنة 1905م فما أكرمها من مناسبة نذكر من خلالها بكل الخير والفضل والعرفان ما قدمه هذا الرائد الأديب والمربي الكبير من جلائل الأعمال التي زينت جيد الثقافة والفكر والتعليم في بلادنا الحبيبة..
ويمضي الخوجه في كلمته مبيناً الميزات التي ازدان بها العربي حيث يقول: ((لقد امتاز أديبنا القدير بجملة من الصفات التي حملته إلى واجهة الصفوة من جيل النهضة الأدبية في المملكة العربية السعودية، فبالإضافة إلى تقلده العديد من المهام الرسمية في السلك التعليمي والإداري والتربوي فقد كان ـ رحمه الله ـ ذا نزعة شديدة لمواكبة أحداث عصره، لم يكن منغلقاً ولا منعزلاً ولا انطوائياً بوهيمياً.. بل أسهم بجهود مقدرة في معترك الحياة وساهم عملياً في إذكاء روح الدعوة بالقدوة الحسنة، والتضحية بالوقت والمال لتحقيق طموحاته في هذا المجال الخيّر..
مثالية العربي
وهذا أيضاً ما يؤكده مقال الأستاذ عمر عبد الجبار ـ رحمه الله ـ الذي أورده الناشر في هذا الكتاب، حيث تناول عبد الجبار مثالية العربي بقوله: ((إنه مثالي في أدبه مثالي في إخلاصه، تبدو مثالية الرجل واضحة جلية في كل خطوة يخطوها، يؤثر في نفسك برقة خلقه، ودماثة أدبه، تأثيراً يترك بها صدى طيباً وينتزع منك احترامه عن إعجاب وحب وتقدير))..
وعن دوره في مجال التعليم نقتطف جزءاً مما كتبه الأستاذ أحمد محمد جمال حيث يقول: ((إن السيد أحمد العربي صاحب فضل كبير في حقل التربية والتعليم، على أجيال متتابعة من الشباب في المملكة لأن المعهد العلمي السعودي ومدرسة تحضير البعثات كانا يضمَّان طلاباً من مختلف شباب المملكة، ذلك لأنهما الوحيدان يومذاك المختصان بالدارسة الثانوية وكان الطلاب يفدون من أنحاء المملكة القريبة والبعيدة، ولن ينسى هؤلاء الطلاب ـ مهما كبروا مقاماً أو كبروا سناً ـ هذا الفضل الكبير للسيد الجليل..)). ((أما الأستاذ عبد الله عبد المجيد بغدادي فيشير في كلمته إلى دوره الثقافي والأدبي قائلاً: ((إن السيد أحمد العربي هو أحد الرواد القلائل الذين تركوا بصمات قوية في حياة أبناء أجيالنا الحاضرة)).. وليس بعيداً من هذا ما سجله الأستاذ عابد خزندار من إفادة في حق الأستاذ العربي حيث يقول: ((أحمد العربي لم يكن مجرد موظف صاحب رسالة بل كان مسكوناً بالهم الوطني والاجتماعي، يتجلى ذلك في قصيدته التي حيا فيها أول دفعة من طياري المملكة والتي يقول فيها:
أهلاً بقادمة الصقور طليعة العهد النضير
الرافعين لواء مجد بلادهم فوق الأثير
من خلال هذه المقطتفات من إفادة الأساتذة نخلص إلى جملة من الحقائق تتمثل في حسن سيرة الأديب الشاعر العربي بين أقرانه وإحساسه العميق بمعاني الوطنية وقيامه بما أوكل إليه من مهام وواجبات خير قيام، وتفرد أسلوبه في التربية والتعليم هذا مع كونه أحد الرواد الكبار في الأدب والثقافة والفكر في المملكة العربية السعودية ليمثل بذلك رقماً لا يمكن تجاوزه حين قراءة المنجز الثقافي السعودي في ذلك العهد.
سيرة ومنجزات
وقبل المضي في استعراض بعض النماذج المحققة لما أشرنا إليه من معاني من خلال شهر الأستاذ العربي وبعض نصوصه النثرية يلزمنا أن نشير إلى بعض المحطات في حياة الأستاذ العربي فقد ولد الأستاذ العربي بالمدينة المنورة في شهر ربيع الأول من عام 1323هـ/1905م ونشأ في ربوع المدينة المنورة فتشبع منها روحياً وثقافياً وفكرياً، فقد حفظ القرآن الكريم على يد والده وهو ابن عشر سنوات ثم التحق بمدرسة الفلاح المكية وفي عام 1343هـ التحق بالأزهر الشريف بمصر، ونال شهادة ثانوية الأزهر ثم التحق بكلية دار العلوم وتخرج فيها في عام 1350هـ وبذلك كان من أوائل الثلاثة الذين نالوا شهادات جامعية ليتنقل من ثم في الدور التعليمية موجهاً ومعلماً ومرشداً حتى اختير في عام 1372هـ عضواً بمجلس الشورى ثم مديراً عاماً للأوقاف في عام 1382هـ، من مؤلفاته ((الأدب الحديث في الحجاز)) وهي عبارة عن محاضرة ألقاها في النادي الأدبي بسنغافورة في عام 53 و((كتاب الهجاء الحديث)) بالاشتراك مع السيد محمد شطا وعمر عبد الجبار، والإمام الشافعي الفقيه الأديب و((نخبة من الأذكار المأثورة والصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم)) و((قصائد شعرية متفرقة))، منشورة في الصحف وفي كتاب (( وحي الصحراء )) وفي الجزء الأول من كتاب الاثنينية، و((ديوان شعر مخطوط)) و((أحاديث إذاعية عن الحضارة العربية في العصر الجاهلي والعصور الإسلامية)) بعنوان: أمجادنا في التاريخ، وتراجم لبعض الشخصيات الإسلامية الرائدة في العلوم والآداب والسياسة، بجانب مقالات في الصحف والدوريات والمجلات..
ليرحل الأستاذ الكبير أحمد العربي في يوم الأحد الخامس من ذي القعدة 1419هـ الموافق الحادي والعشرين من شباط/ فبراير 1999م لتنطوي بذلك صفحة مشرقة من صفحات العطاء الوطني والريادة الثقافية والأدبية.
نماذج شعرية ونثرية
إن المعاني التي أشرنا إليها سلفاً في حق المربي الأستاذ الأديب أحمد العربي تبدو جلية في ثنايا شعره ونثره، فقصيدته بمناسبة جلوس صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها تؤكد تفاعله بما حوله وسعيه للمشاركات الوطنية، ففي هذا القصيدة يقول:
عيد الجلوس ألا حييت من عيد
لأنت أحرى بتكريم وتمجيد
فأنت في العرب يوم لا مثيل له
وأنت غرة ما في الكون من عيد
وتعضد هذا المفهوم جملة من القصائد الأخرى مثل قصيدته في عبد العزيز الإمام وأخرى في وداع الشيخ هاشم دفتردار، وقصيدة بعنوان: ((حي البطولة والحماس بجلق)) والتي يعود تاريخها إلى الخمسينيات الهجرية والتي يقول فيها:
فيم الشعوب تردد التحنانا
وعلام تذرف دمعها الهتانا
ما بالها تتنفس الصعداء والـ
برحاء والآلام والأشجانا
أربت على الثكلى ولبت ثاكلاً فالـ
شرق لم يفتأ يدل كيانا
وتتوالى قصيدة المناسبات فقصيدة ألقاها بمناسبة الحفل الذي أقامه نخبة من شباب المدينة المنورة بمناسبة عودته من البعثة التعليمية وفيها يقول:
حيا الحيا طيبة الفيحاء حياها
أحب دار إلى نفسي وأغلاها
دار الرسالة والوحي التي شرفت
على البلاد وفاق الكون مثواها
أما في القسم النثري من الكتاب فنطالع عدداً من المقالات التي خطها قلم الأستاذ أحمد العربي حيث تكفل بكتابة مقدمة لديوان عبد الحق النقشبندي، ومذكرات عن الملك عبد العزيز متتبعاً فيها مجالس الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وكيف يقضي الملك يومه في القصر بالرياض، ثم مقال ثالث عن ((الشعر في الحجاز اليوم)) الذي يعود تاريخه إلى 23 يناير 1935م مبيناً في مقاله مكان الشعر الحجازي قائلاً: ((لست أحاول أن أدافع في هذا المقام عن مكانة الشعر في الأقطار العربية جميعها فذلك يحتاج إلى سفر خاص ووقت طويل، وإنما بحسبي أن أقدم في هذه العجالة السريعة صورة موجزة أشد إيجازاً للشعر في الحجاز اليوم جلاء للحقيقة وتنويراً للأذهان)).. وهكذا مضى العربي في بيان مكان الشعر الحجازي مستشهداً بنماذج من الشعر لأبناء الحجاز وقتذاك.
كذلك اهتم الأستاذ أحمد العربي بالظواهر الاجتماعية فكتب مقالاً عن أخلاقنا وعاداتنا في ميزان النقد نشرت بجريدة المدينة في عام 1937م حيث يقول في ذلك المقال: ((أشد ما يتملك الناقد الأسف والدهش حينما يحاول الموازنة بين أخلاقنا وعاداتنا وأخلاق وعادات السلف الصالح وأجدادنا الأولين، فأين تلك الأخلاق الفاضلة المتينة، من أخلاقنا الواهية المتذبذبة بين الفضيلة والرذيلة))..
هذه بعض نماذج عرضنا لها سريعاً من حديقة الأستاذ الأديب الشاعر أحمد العربي فلعلها تكفي بما يكفي الجزء عن الكل، لا عن إشارة إعراض، ولكن بمفهوم إعطاء المثل غنى عن إيراد الكل، وهي بعد كل كلام مستوفية لشروط الجمال ومحققة لما ذهبنا إليه من مكانة الرجل الأدبية والفكرية والثقافية والشعرية والاجتماعية، لتقف بذلك كالصوى على الطريق مشيرة باتجاه يحدده الإبداع ويحدو ركابه التوفيق لتكتب سيرة علم كانت حياته جهاداً في سبيل الوطن، ولحظاته وقفاً على العلم والأدب.
رحم الله الأستاذ الأديب الشاعر أحمد العربي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :430  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الثاني: أديباً شاعراً وناثراً: 1997]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج