شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
الكتابة عن أي عمل أدبي أو توثيقي تنطلق من مدى تأثر الكاتب بالعمل المعني، وتشبعه روحاً ومشاعراً بالنص، بالإضافة إلى توغله في بيئة النص، والتي تمثل بُعداً مهماً للتفاعل مع المنجز الذي يتناوله الكاتب، فيتشعب نبض الكتابة بموجب عمق هذه المؤثرات التي لا بد منها كحد أدنى لكسر حاجز الجليد بين الثلاثي: النص، وكاتب المقدمة، والمتلقي.
لقد عقدت الدهشة لساني حينما لم أجد ما أكتبه ـ حسب ما تقتضيه الحال كناشر ـ تجاه هذا العمل الذي أشرف بوضعه بين أيديكم والموسوم: (( الاثنينية.. إصدار خاص بمناسبة مرور (25) عاماً على تأسيسها )) والذي أعده مشكوراً الأخ الأستاذ حسين عاتق الغريبي، فجاء في عشرة أجزاء تضمنت عدة محاور منها: مقالات الأدباء والكتَّاب في الصحافة المحلية والعربية (جزآن)، وما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (جزآن)، ولقاءات صحفية، ولقطات وتعليقات، وغيرها من المحاور.. فهو في تصوري بمثابة كتابة عن النفس، وما أصعب الكتابة وأعصاها عندما تتعلق بالذات.. فالكلمة التي تتمحور حول إنجاز يتعلق بالإنسان ـ بدرجة أو أخرى ـ تتطلب أفقاً غير الأفق الذي يكتنف عملاً إبداعياً له تداعياته التي تستحوذ على الكاتب ويتفاعل معها في حدود تناغم الكلمة ومفردات قاموسه المعتاد.. أما أن يقتلع الكاتب جذور رئتيه ليتنفس الكلمة من خلال (أنبوب أوكسجين) فإن حاله لن تختلف حتماً عمن (كأنما يصعد في السماء).. فمعذرة عن هذا القصور.
إن ربع قرن في مسيرة (( الاثنينية )) ـ شئت أم أبيت ـ تعني بالنسبة إلي الكثير من الذكريات، والآمال، والآلام.. فقد بدأت مسيرتها، التي أشرت إليها في كلمتي بمقدمة الجزء الأول من سلسلة أمسياتها الذي صدر عام 1411هـ/1991م، ولا أجد مندوحة من استلال فقرة منها لمن لم يتسن لهم الاطلاع عليها كاملة، فالكلمة كانت ولم تزل الأساس الذي صاغ هذه الجهود (ومع البداية الأولى.. كان العشق لها.. والحب لأصحابها يختلط بأيامي وسنوات طفولتي الباكرة: فمن جلسات الصباح التي يلتقي فيها نخبة من كتاب وشعراء وأدباء الوطن في مكتب والدي (( محمد سعيد عبد المقصود خوجه )) ـ رحمه الله ـ رئيس تحرير أول صحيفة سعودية صدرت في عهد مؤسس المملكة وموحدها ((الملك عبد العزيز ـ رحمه الله)).. إلى تلك الأمسيات الباذخة والزاخرة التي كان يعقدها والدي ـ رحمه الله ـ على ضفاف مواسم الحج من كل عام في الليلة الثانية من ليالي عيد الأضحى المبارك على شرف أدباء وكتَّاب وشعراء ومفكري العالمين العربي والإسلامي.. كان الحب على امتدادها يتجذر.. وكان العشق على أمدائها يستطيل سنديانات وأشجار سرو.. وكان الفؤاد الصغير يتوه بين ما يسمعه ولا يفهمه، وبين القليل الذي يفهمه كلمات ويجهله معاني.. وبين ما لا يفهمه ولا يعيه أصلاً.. لكن البهجة كانت تغمر القلب الصغير، دافئة ودائمة وغير مبررة).
من تلك الإرهاصات الأولى بنت حب الكلمة، واستولى على اهتماماتي حتى في السياق العملي وجذبني حقل الإعلام وصولاً إلى تبوّء منصب مدير الإدارة العامة للمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، قبل قيام وزارة الإعلام التي أصبحت مؤخراً وزارة الثقافة والإعلام.. وبتقاعدي المبكر ودخولي معترك العمل الحر، تفجرت طاقة حب الكلمة مجدداً وانقادت نفسي نحو مشارف النور التي لازمتني طوال السنوات الماضية، وهكذا جاءت (( الاثنينية )) فرعاً من دوحة الوالد ((رحمه الله)).. وشرفت من خلالها بتكريم ما يقرب من ثلاثمائة وخمسين عالماً، وأديباً، وشاعراً، ومبدعاً من داخل وخارج المملكة العربية السعودية، انداحت دوائرها شرقاً حتى الهند وروسيا وتركيا.. وغرباً حتى الأرجنتين وحواضر المغرب العربي الكبير.
إن هذه الجهود التي اختلطت بكل ذرّه من كياني، أعانني عليها نفر كرام وزملاء صاحبنا بعضنا بعضاً للقيام بإخراج وتنظيم هذا العمل وتجميع مواد كتبه وتصحيحها وأخص بالذكر منهم الزميلين الأستاذين سعد سليمان، ومحمد الحسن محجوب، اللذين رافقا هذه المسيرة ما يقرب من عشرين عاماً، وأخيراً توّج جمعنا الأستاذ الكاتب المكي المعروف حسين عاتق الغريبي منذ أربع سنوات، وقد ذكرت الأقربين الأقربين، وما أكثر من لم أذكر من رجالات إدارة وأعمال أخرى أسهموا جميعاً في تقديم وبلورة هذا العطاء.. إنها كلمات بسيطة، إلا أنه صاحبها الكثير من التعب والنصب حتى صار الأمر لما آل إليه غثه ودسمه.
وقد عمل هذا المنتدى الثقافي ما في استطاعته للتواصل مع المرأة باعتبارها نصف المجتمع، فشقائق الرجال مكان تقدير واهتمام مستمر، إلى أن تبلور الوضع بتخصيص صالة منفصلة بمدخل منفصل، وترتبط بالمنتدى عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، الأمر الذي أتاح للسيدات الفضليات المشاركة وفق الضوابط التقليدية، وقد كان دورهن فاعلاً ومميزاً ولله الحمد، وأثبتن أنهن أهل لكل دعم ومؤازرة على طريق الكلمة والثقافة والفكر الذي يسهم في خدمة هذا البلد الحبيب.. وما أعمل لأجله هو التطوير، ولا أود الإفصاح عما نحن في سبيله، إلا أن أولى الخطوات هي البدء في تكريمهن أسوة بأشقائهن الرجال.
أحياناً تكون المفاجأة أحب إلى النفس من السياق المتعارف عليه، أو الذي في إطار التوقعات العامة، ففي أمسية الاحتفاء بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على انطلاقة الاثنينية بتاريخ 24/1/1428هـ الموافق 12/2/2007م، فوجئت بسؤال من أحد الأساتذة الحضور، يقول نصاً: (سؤال من الأخ سعيد بن علي يقول: لمن تهدي هذه المناسبة وماذا تقول لمولودتك الاثنينية بعد أن أصبح عمرها خمسة وعشرين عاماً)؟ لا أخفيكم أن السؤال كان مباغتاً.. وقد أجبته بداهة، وبكل شفافية قائلاً: (في الحقيقة أهديها للجمع الكريم الذي آزرني ولولاه لما كان لي هذا العطاء.. ولكن إذا كان الإهداء لشخص فأنا أقولها مخلصاً أمامكم، لا عن جبن ولكن عن شجاعة كبرى.. لزوجتي التي صبرت كثيراً عليَّ.. التي أعطتني الكثير من وقتها، فقد اقتطعت من وقتها الكثير في سبيل الاثنينية، فهذه الليلة أنا أعترف يا سيدتي لولا عطائك لما كان هذا العطاء فأنت الشريكة ولك الشكر) أ. هـ.
وإنني على ثقة بأن سيدات هذا المجتمع الكريم، قد بذلن جهوداً مضنية، من وراء ستار، ليستمر هذا العطاء متدفقاً، فكثير من رواده الأعزاء وراءهم سيدات وعائلات تضحي بجزء ثمين من وقتها، ما يمنحنا دفء التواصل، وحشد الطاقات للاحتفاء بضيوفنا الأجلاء الذين لهم السبق في الخيرات لتكريم الجهود وإعطاء (( الاثنينية )) عصارة أفكارهم وتجاربهم وتوثيق مسيراتهم الخيِّرة، لتبقى أبداً إن شاء الله نبراساً لحداة الكلمة، وشداة الأدب والفكر.
وفي الوقت الذي أركز فيه باستمرار على أن (( الاثنينية )) عطاء مشترك، وليس لي فيها إلا المقعد الذي أقتعده بين روادها الأفاضل، فإنني في الوقت عينه ظللت حريصاً على وضع أكثر من خط، وإضاءة أكثر من كشاف على مبادئها الخمسة التي دأبت على مراعاتها وهي النأي عن التيارات السياسية، والدينية، والمذهبية، والعنصرية، وتصفية الحسابات.. لقد لجمت هذه المبادىء الكثير من التخرصات، وصانت حقوق الجميع من التعدي أو الهدر أو التغول، فسارت أمسياتها بفضل الله على خير ما نحب، ولم يكن لها قط هدف غير الاحتفاء بالعلم والأدب والثقافة.
لقد سعت (( الاثنينية )) باستمرار للتواصل مع مختلف فئات المجتمع، وعملت قدر المستطاع على استقطاب فئة الصم ودمجهم في أمسياتها، من خلال التعاون مع نادي الصم في محافظة جدة، الذي يرأس مجلس إدارته الأستاذ عادل عبد الله عريف، ابن الأستاذ الكبير عبد الله عريف ((رحمه الله))، ويتم نقل الفعاليات إليهم مباشرة عن طريق لغة الإشارة التي يتقنها الأخ الأستاذ محمد أبو مدرة القحطاني، مدير النادي.. بالإضافة إلى عدد من الأمسيات التي شرفنا بها على ضفاف الاثنينية، وهي خاصة بالأمسيات التي يجري الاحتفاء فيها بشأن ثقافي أو علمي مثل يوم المعلم، والاحتفاء ببعض الشباب النوابغ، وغيرها من الفعاليات ذات الصلة، وإننا عاملون بإذن الله على التواصل مع فئات المعوقين، والمكفوفين، والأيتام وغيرهم كرافد يثري العطاء ويسهم في تغطية كثير من المناسبات الخيِّرة بموجب هذا المسار الموازي لأمسيات التكريم المعتادة.
إنني أنحني تقديراً واحتراماً للزملاء الأساتذة الكبار الذين ساندوني بمشاركتهم وإسهاماتهم الخيِّرة، معتذراً عن ذكر الأسماء تفادياً لعدم الإنصاف، فهناك مئات الأسماء اللامعة في هذا المجال، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر أطال الله أعمارهم في طاعته والعمل الصالح، فالقامات الكبار لا يعنيها أن تكون في دائرة الضوء بقدر ما يهمها ما قدمت من عطاءات مشرقة، فالاثنينية خلال مسيرة ربع قرن فقدت ثلاثة وثمانين علماً ممن شرفت بتكريمهم ((رحمهم الله)) وأحسن إليهم بقدر ما قدموا لأمتهم ومواطنيهم.. وأخص بالشكر رعاتها الأفاضل الذين خرجت (( الاثنينية )) بهم من دورها الفردي إلى بدء العمل المؤسساتي، وقد أسهموا ـ مشكورين ـ في مسيرتها أيضاً منذ البدء رغم ارتباطاتهم الوظيفية المضنية، وهم أصحاب المعالي والسعادة الأساتذة الدكاترة محمد عبده يماني، ومحمود محمد سفر، ورضا عبيد، وسهيل حسن قاضي، وجميل محمود مغربي، وعبد المحسن فراج القحطاني، وعبد الله المعطاني، والأستاذ عبد الفتاح أبو مدين.. وعلى أمل انضمام غيرهم من أي مدينة إذ هي للجميع.. والذي نعمل له جاهدين ـ رعاة ومعاضدين ـ من قبل ومن بعد، آمال كبار تحقق جزء ضئيل منها، ونتمنى أن يسطع نور البقية بأكبر قدر ممكن، ومن أهم ما في الجعبة توأمتها مع الدول العربية، بل إرساء قواعد مثيلاتها وفقاً لتقاليد وعادات كل بلد، وبعطاء رجالاته وعلمائه وأدبائه الأفذاذ، دون تدخل من (( الاثنينية )) إلا في حدود الثقافة والمعرفة والفكر الذي يربط بين أبناء الأمة لعلنا نحقق أملاً من آمال وحدتنا المنشودة، بضاعتها الثقافة، ليكون لنا جمع سنوي نتحاور فيه عن شجوننا وغاياتنا وأهدافنا لما فيه خير الجميع ثقافة وعلماً وأدباً، وكل ما يتعلق بالكلمة، تكملة لمسيرة الاجتماعين اللذين شرفت بهما دارة (( الاثنينية )) مع أصحاب وصاحبات المنتديات الأدبية الأول يومي 20 ـ 21/2/1426 هـ الموافق 30 ـ 31/3/2005 م، والثاني بتاريخ 23/1/1428 هـ الموافق 11/2/2007 م وتوّج بينهما اجتماع كريم بمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بمكة المكرمة بتاريخ 22/3/1427 هـ الموافق 20/5/2006 م.. وقد سعى الأساتذة والأستاذات أصحاب المنتديات الثقافية جاهدين لتوجيه المسيرة منعاً الازدواجية، وتفعيل الأهداف التي تم الاتفاق بشأنها ومن أبرزها مراعاة المبادىء الخمسة التي سارت عليها الاثنينية، وأشرت إليها آنفاً.. بالإضافة إلى إصدار مجلة مشتركة، وإيجاد قاعدة بيانات موحدة تسهم بدورها في بلورة موقع موحد على الشبكة العنكبوتية ((الانترنت)).. ثم العمل على ربط هذه المنتديات ببعضها ببعض والإستفادة من إمكاناتها المتاحة بما يمنع الازدواجية، وفي الوقت عينه تبادل الخبرات، والتنسيق بشأن رصد فعالياتها بالصوت والصورة والكلمة المطبوعة، والعمل على استضافة أصحاب الفضل الذين يشرف بهم أي منتدى في أكبر عدد من المنتديات الأخرى قدر المستطاع.. وتتسع دائرة الأماني إلى ترجمة ما يصدر عن هذه المنتديات إلى اللغات الحية لتبقى الكلمة كما أراد لها الحق سبحانه وتعالى لغة الوصل بين عباده، والآمال أكبر والأماني التي في الأذهان أعظم إذا عملنا كمؤسسة بأسلوب يضمن استمرارية العطاء برجال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً.. (الأحزاب: 23 ) .. وفي ذات السياق نأمل من المؤسسات الثقافية والإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية تخصيص جانب من وقتها لتغطية نشاطات هذه المنتديات باعتبار أنها واحات خير تجمع بعض المثقفين لما فيه صالح الوطن والمواطنين، وليست بأقل من الفعاليات الأخرى التي يتاح لها الكثير من الوقت والمساحة الإعلامية.
إن العمل الذي بين أيديكم محاولة، وإن جاءت مجتزأة عن السياقات، فإنني أحسبها جادة، ووظفت الإمكانات المتاحة لإعطاء صورة بانورامية لمجمل جهود (( الاثنينية )) خلال ربع قرن.. وبالتأكيد لن تغطي التفاصيل كافة، غير أنه جهد المقل لتقريب الصورة، راجياً أن يجد هذا العمل القبول، ويشكل مرجعاً مبدئياً للمهتمين بهذا الجانب في الحركة الثقافية المعاصرة في المملكة، منوهاً إلى أنه منذ البدء كان الاتفاق بيني وبين الأستاذ حسين الغريبي أن تكون مادة هذه المجلدات التي بين أيديكم بعيدة عما يخصني شخصياً.
والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
عبد المقصود محمد سعيد خوجه
جدة: صفر 1428هـ/ فبراير 2007م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1256  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .