شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تحفة معمار
زار الشاعر مدينة (بودابست) عاصمة المجر عام 1982 وقال فيها:
على شاطىء (الدَّانوب) داعبتُ أوتاري
ووقَّعت أنغامي، ورتلت أشعاري
إذا ما الصحاري خشَّنتْ من طبائعي
ففي لجج (الدانوبِ) أغرقت أوزاري
بُعِثتُ وليدًا في شواطىء جنة
يُرضِّعني في حجرها خمرُها الجاري
قطعتُ بكل الموجعات علائقي
وأسلمتُ (بوادبستَ) روحي وأفكاري
وعدتُ بعمري القهقرى لأعيشه
ولو بخيال واهن الحسن خوَّار
وكنتُ شهيدًا في حياتي كأنما
أزيلَ زمانٌ من صحائف آثاري
قضيتُ بأرحام الضياع شبيبتي
فما ليَ من عمر سوى عمر أوطاري
وما ليَ أرجو البعث بعد منيتي
وها أنا في الفردوس أقطفُ أثماري؟
***
لأجلك (بوادبستُ) لوَّنتُ ريشتي
وحبَّرتُ أقلامي وأرهفت قيثاري
ونشَّرتُ أوراقي لأرسم صورة
يعيش بها فكري وفني وتذكاري
كأن خطوطًا أبدعتها أناملي
شرانق وحيٍ مترف اللون زهَّار
وكنتِ بها الروحَ الذي من خلاله
تفيض حياة في خطوطي وأسطاري
***
(بدابستُ) يا بنت العصور وإن يكن
شبابك يسري في عروقي كتيَّار
ويجري حياة ما يزال ربيعُها
يطوف بأحلامي ويوقظ أسحاري
أرى الأمس مثل اليوم كلٌ بعشقه
يباهي كأن العشق أرْيٌ لمشتار
غرفنا ولم يُنِقص من الحب غرفُنا
كأنا نزيد الحب حبًّا بمقدار
بكل رصيف عاشقٌ وحبيبة
وهمسُ غرام ناعم الجرس سحَّار
إذا قَطفت عيني ابتسامةَ غادةٍ
وهبتُ لها قلبي المكلَّل بالغار
***
وطافت بنا (الدانوب) أحلى سفائنٍ
كباقاتِ ريحان، وأسراب أطيار
يكاد يجسُّ الماء منها حيازمًا
وما بلَّ منها غير صفحة مسمار
تغنيه أحيانًا بلحن بلابل
وأخرى تناجيه بأحلام بحَّار
وددتُ لو ان عُمِّدتُ في طهر مائه
لأقضي حياتي بين حاناتِِ أطهار
***
حنانيكِ (بودابست) أيَّةُ جنَّةٍ
أقامت على الشطينِ مطلعَ أقمار
بها أكتحلت عيني فما عاد خافيًا
عليَّ من اللذات همسة سمَّار
إذا كان شعري أمسِ إنجيلَ راهب
فشعري منذ اليوم مزمور خمَّار
***
أيا متحف التاريخ فكرًا وروعة
وفنَّ بناء خالد منذ أعصار
لقد بهرتني بالفنون شوارع
تلوح مبانيها كتحفةِ معمار
تماثيل غاداتٍ حسان بجنبها
زخارف حيوانٍ وأشكال أشجار
إذا عشت فيها راهبًا متبتِّلاً
ففي الفن محرابي وللحب أذكاري
***
أحبكِ (بوادبست) حبًّا لو انه
يقسَّم لم يقسم هوايَ لأشطار
بلاد الأخلاء الذين ترفعوا
عن الدعوات المغريات بإصرار
همُ بشٌر لكنَّهم بصفاتهم
يفوقون الآفًا من الناس أشرار
لقد صدقوا مع نفسهم ثمَّ أصدقوا
سواهم وإن النار تورى من النار
خلائقهم كانت منابعَ لطفهم
وهل تنضح الأزهارُ إلا بأعطار
لأهلكِ (بوادبست) أحنيتُ هامتي
وما كنتُ أحنيها لأية جبار
وقدَّست فيهم كل نبل وعفة
عن الغش، من أهل وجار وزوار
وكم كان إكباري لهم فوقَ طاقتي
وقد آثروا طفليَّ أيَّة إيثار
يلاقونهم بالرفقِ في بسماتهم
وكم حملوهم بين أذرع أبرار
كأنهم أبناؤهم أو بناتهم
بلى إنهم أبناؤهم غب اقراري
فما الود محتاج لعطف أبوةٍ
وكم من أب ساوى بنيه مع الجار
ذكرت على الجسرين (بغدادَ) فانبرت
خواطر في نفسي تحن إلى الدار
وكم ليَ في (بغدادَ) أهل ورفقة
ولكن (ببودابست) قلبي وأسراري
تنَازعني ماضٍ عزيز وحاضر
شهيٌّ، فماذا تصطفي ليَ أقداري؟
***
 
طباعة

تعليق

 القراءات :165  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 258 من 271
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج