شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأستاذات الفضليات
الأساتذة الأكارم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يسرني أن نلتقي الليلة في رحاب صرح من أعرق أوعية العلم النظامي في بلادنا، فقد كانت ((الكتاتيب)) التي يُدرس بها ذوو الفضل من علماء أجلاء وعالمات فضليات تشكل قمة المنحى التعليمي حتى قيام المدرسة الصولتية التي نحتفي بها الآن عام (1290هـ ـ 1873م)، وحفظ لنا التاريخ أن بيت الطبري وحده في مكة المكرمة كان فيه أكثر من مائتي عالمة يقمن بتعليم الفتيات والأطفال.. وكما تعلمون فإن القرن التاسع عشر الميلادي كان يمثل شراسة وسطوة عصر التسلط الاستعماري الغربي الذي أحكم مخالبه على كثير من الدول الإسلامية، وبالتالي فإن التعليم بشكليه النظامي والأهلي كان مُحارباً بشدة لأنه من الأخطار المباشرة على مصالح المستعمر، فالتنوير والظلامية يظلان أبداً على نقيض، وقد نجح التعليم الأهلي في هيئة الكتاتيب باختراق سجف الجهل إلى حد ما، ورواده من طبقة كبار المجاهدين الذين كانوا رأس الرمح في خاصرة تلك الحقبة التي انطوت باطّراد بعد انتشار المدارس النظامية، سواء كانت بتمويل أهلي أو بدعم حكومي متواضع.
كان لا بد من هذه اللمحة التاريخية تمهيداً لنظرة اجتماعية جددت الأمل في نهضة علمية تواترت مسيرتها عبر عقود طويلة حتى أزهرت وأثمرت شوامخ الصروح التعليمية التي ننعم بها حالياً رغم ما قيل ويقال عنها.. فالمدرسة الصولتية أنموذج لنظام تعليمي أفرزه المجتمع في ذلك الوقت، وهو ليس غريباً عن النسيج الاجتماعي والعلمي السائد في كثير من الدول الإسلامية آنذاك، خصوصاً في الهند، والباكستان، واليمن، ومصر، والمغرب، وغيرها، وهو ما يعرف بالمدارس الدينية التي ثار حولها لغط كبير في السنوات الأخيرة.
لا شك في أن هناك إنجازات لا يمكن إغفالها، فالمدرسة الصولتية رغم أنها لم تسلط عليها الأضواء، فقد ظلت أكثر من مائة وسبعة وثلاثين عاماً تحمل مشعل التنوير في أم القرى، واستفاد آلاف الطلاب من برامجها التعليمية، وكانت النافذة الوحيدة التي أطلوا منها على عالم الدراسات الجامعية والعليا.. ومن ثمَّ اتخاذ سبيلهم إلى دنيا العمل والمشاركة في البناء الوطني.. وأحسب أن لا بد من وقفة مع مناهج مثل هذه المدارس الدينية، فقد ظلت عبر تاريخها تكرس جهودها وجهود علمائها وأساتذتها الأفاضل في النواحي الشرعية واللغة العربية، وهذه العلوم مطلوبة بالتأكيد غير أن المتغيرات التي انتظمت العالم من حولنا، ثم داخل حدودنا، تتطلب حشد المزيد من الجهود لمواكبة روح العصر وفق آلية تضمن تحديث المناهج بما يوسع قنوات التحصيل الأكاديمي ويسد حاجة سوق العمل.
فالمتأمل لقاعدة المنهج التعليمي في المدارس الدينية التي ننظر إليها من خلال المدرسة الصولتية، يجد أن علوم (المنطق، والحساب، والهندسة، والفلك)، تشكل نسبة 18 % من إجمالي المواد التي يتم تدريسها للقسم الثانوي والعالي، أما العلوم الشرعية وهي المفصلة في (القرآن الكريم، التفسير، الحديث، التوحيد، الفقه، الفرائض، أصول التفسير، مصطلح الحديث، أصول الفقه، قواعد الفقه) فتستحوذ على نسبة 45 %، تليها علوم اللغة العربية وتفصيلها في (النحو، الصرف، الأدب العربي، البلاغة، الإنشاء، الإملاء، الخط) فنصيبها بحسب الخطة السنوية يعادل 32%، أما النسبة المتبقية وقدرها 5% فمن نصيب مادة التاريخ. (المرجع مجلة الصولتية لعام 1426هـ صفحة 56).
إن الدول النامية بصفة عامة، ومجتمعنا جزء لا يتجزأ منها، تظل في حاجة ماسة إلى كوادر وطنية لخدمة البنية التحتية وتوفير العمالة التقنية المدربة تدريباً جيداً في مجالات الصيانة التي تستهلك الكثير من ميزانيات المشاريع التي اكتملت وكلفت الدولة بلايين الريالات وسوف يظل سيف الصيانة مصلتاً عليها ما بقيت قيد الإنتاج والأداء، لذا أصبح من الضروري الالتفات إلى تنمية الكوادر الوسيطة التي تسهم في سد حاجة القطاعات المختلفة من الأيدي العاملة المدربة، فهناك عجز واضح يحتاج إلى تحرك سريع ومباشر من كل الجهات ذات العلاقة، وفي تصوري أن ليس هناك تناقض بين دمج العلوم الشرعية مع توفير احتياجات الوطن من أبنائه العاملين في مجالات الصحة والصناعة والنقل والمواصلات والطرق والكهرباء والطباعة وعشرات المهن الاحترافية التي يمكن تأهيلها في المدارس التي تنتهج خط المدرسة الصولتية.. وبقليل من العزم ومراجعة المنهج يمكن تقليص الفجوة بين مخرجات هذا النوع من التعليم واحتياجات المرحلة التي تفرضها ضرورات التنمية.
لقد أصبحت اللغة الإنجليزية والكمبيوتر والتعامل مع الإنترنت من متطلبات الحياة العصرية في كل العالم، وليس سراً أن التصنيف الحديث للأمية بات يأخذ في الاعتبار الأمية التي تتجاوز الحرف إلى التعامل مع الكمبيوتر، وهي من البديهيات التي ينبغي أن تتجسد عملاً سريعاً لتلافي أي خلل في تركيبة خريجي هذه المدارس، وحتى يتمكنوا من المشاركة في الحياة العملية وفق أسس قوية.
نحن سعداء هذه الأمسية بتكريم المدرسة الصولتية، وعلى رأسها الأستاذ ماجد بن مسعود رحمت الله، الذي بيده زمام المبادرة لاتخاذ خطوات تطويرية سوف تؤدي دون شك إلى مردود إيجابي كبير ونقلة نوعية في المناهج ومخرجات التعليم، وكم يسعدنا جميعاً أن نسمع منه ما يسر الخاطر ويطمئن تجاه الخطط اللازمة لتفعيل ونهضة مسيرة المدرسة، إذ ليس من طبيعة الأشياء أن يبقى أي وضع على ما هو عليه، أو يتطور ببطء ينحسر كثيراً عن تلبية التطلعات المشروعة لمستقبل مشرق يهفو إلى مشاركة أبناء الوطن في كل مشاريع البناء التي تنتظم ربوعه. لا يفوتني هنا أن أشيد بأن الجهود التي تبذلها المدرسة الصولتية هي جهود تلقائية بمقدرات من المؤسف أنها تعتبر بأقل القليل، وإذا قدرناها بهذه المعطيات المادية نجد أن معطياتها العلمية هي أكثر بكثير ولكنني من باب التفاؤل والرغبة والنظر في هذا الأمر ليكون أبعد وأعظم قدراً فوق ما قدم من قدر له منا جميعاً كل التقدير، لهذا أرجو ألا تعتبروا أن ما أشرت إليه تقليل، بل هو تعظيم أريد به أن يكون التعظيم أكثر، وهم إن شاء الله على ذلك قادرون، وعرفت والده رحمة الله عليه وعرفت جده وأنهما من ذوي العزم، أما والده فقد عرفته ربطتني به رابطة حميدة وقد أهداني في عام 1405هـ هدية يسعدني أن أحتفظ بها وهي حبات لأقراص كتب عليها من الخطوط التي كانت تعتبر في يوم من الأيام من العلوم البارزة كالكتابة على الأرز وبعض الحبوب مع هذه البطاقة ومع هذا المنظار المكبر واعتبرها من الهدايا ذات الشأن التي أحتفظ بها في مكتبي الخاص وقد أخرجتها في هذه الأمسية لأريكم كيف أنه كان الإخاء يربط بين الناس، ولا يزال الخير في أمتي قائماً إلى يوم القيامة، وسأعمل على الحفاظ عليها ما دمت حياً ومؤكداً على أبنائي أن يحتفظوا بمثل هذه الأمور إلا إذا قدر لي أن أكون وأن أتشرف في يوم من الأيام ليكون موقعها إن شاء الله في متحف الزاهر بمكة المكرمة لتكون لأهل مكة المكرمة جميعاً وليس قصراً علي فقط، وبهذه المناسبة كما سبق أن أشرت إلى أنني أهديت إلى متحف الزاهر في مكة المكرمة 14 أو 16 سجادة يعود تاريخ بعضها إلى 460 عاماً وإنني في طريقي الآن لإهدائها بعض المخطوطات التي يعود بعضها إلى 600 سنة، ليس ذلك عندما أذكره من باب المن أو التعريف، بل أذكره من باب التقليل للتوضيح بأن من يملك أمراً، هذا الأمر ليس له، بل هو للمجموع ويد الله مع الجماعة، لقد كرمني معالي وزير التربية والتعليم بدرع ذكر فيه ما ذكر من كلمات لا تعنيني بل تعني جميع حاضرة المملكة العربية السعودية لأنه لا يعني أهل مكة فقط وقد يكون في أقصى القصيم أو أقصى نجد أو في أي بقعة، شيء يهدى إلى متحف سواء يتعلق به أو يتعلق بالحضارة فهو حق من الحقوق، لذلك وأنا الآن أتكلم سأحيل هذه الحبيبات ولن أعتبرها لأولادي ولكن أجد أن الدولة أكثر حرصاً على ذلك ولتكون لكم و لجميع أبنائكم وأبناء هذا الوطن ..
الجدير بالذكر أن الاثنينية تسعى جهدها لتكريم أصحاب الريادة سواء من الأساتذة الأفاضل أو الشخصيات الاعتبارية والمؤسسات التعليمية، وفي هذا الإطار يسعدنا أن نحتفي من خلال مواسمنا القادمة بإذن الله بمدارس الفلاح التي أسسها الشيخ محمد علي زينل ((رحمه الله)) في جدة عام 1323هـ، ثم في مكة المكرمة عام 1330هـ، وفي بومباي سنة 1350هـ، وفي دبي سنة 1347هـ، وفي البحرين سنة 1347هـ، وفرع للبنات في بومباي سنة 1347هـ. هناك في مكة مدارس عاش جيلنا البعض منها وقد نتذاكر أنا والشيخ مسعود ومعالي الدكتور محمد عبده يماني وبعض الإخوة الحضور قبل أن نأتي إلى المنصة أن المدرسة الفخرية في مكة المكرمة أسست بعد تسع سنوات من تأسيس المدرسة الصولتية، تاريخ عرفته حين كان في باب إبراهيم سنة 1360هـ وعندما هدمت السوق الصغيرة أنها نقلت بحسب رواية الشيخ مسعود إلى حارة الرشد، هذا تاريخ نتناقله الآن نقلاً ومن المؤكد نحن ذاهبون بعد لصون عمر لكم إن شاء الله ممثلاً في التقوى والخير ولكن لا بد من أن نثبت ما يمكن تثبيته لصون العلم وتكريمه وأهله وأصحابه.
سعداء أن نلتقي الأسبوع القادم بمشيئة الله لاستضافة وتكريم الأكاديمي، والكاتب الكبير، والداعية المعروف، الدكتور طارق محمد السويدان.. في أمسية أثق في أنها ستأتلق بوجوده ووجودكم للاستفادة من سابغ علمه وفضله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: أنقل لاقط الصوت الآن إلى معالي الدكتور سهيل بن حسن قاضي راعي أمسية هذه الليلة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1688  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.