شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
2- الإرادة:
هذا الملمح هو الخطوة التالية للعلم. فالمسلم مدعو "للتوازن" أو السير على الصراط المستقيم وهذا بالطبع يوجب العلم الشامل لكي يحدد كيفية تعامله مع التجارب اليومية بما يكفل له "التوازن" على الصراط المستقيم.
فهو مع الموقف مطالب أن يعلم أولاً ما هو مطلوب منه ثم يحدد هدفه ثم يبدأ بالعمل، هذه المدة التي يمر بها الإنسان بين علمه بما هو مطلوب منه وبين بدئه العمل، تلك المدة هي الإرادة: إرادة العمل. وتدخل في الإرادة النية التي يتوقف عليها قبول العمل في الإسلام وعلى هذا فالإرادة: إما أن يتوجه بها لعمل الصالحات، أو يتوجه بها لعمل السيئات، وهي بهذا المفهوم تتطلب جهداً نفسياً يستعرض فيه الإنسان هدفه من العمل وتوجيه العمل إلى الخير إن كان يحرص على ثواب الله.
وكل عمل مهما كان وضعه فإن إرادة الإنسان وحدها هي التي توجهه إما للخير وإما للشر، فكل عمل قابل لأن يكون خيراً أو شراً. لذا أجد "ابن تيمية" يقول:
"ترك السيئات مستلزم لفعل الحسنات إذ الإنسان حارث همام ولا يدع إرادة السيئات وفعلها إلا بإرادة الحسنات وفعلها، إذ النفس لا تخلو عن الإرادتين جميعاً، بل الإنسان بالطبع مريد فعال" (1) .
هذه الإرادة بمثابة الطاقة التي تدفع الإنسان وتعينه على العمل، وهذه الطاقة يجب أن "تتوازن" مع الموقف فلا تطغى عليه، فتدفع الإنسان إلى التهور في العمل، ولا تنقص عن المطلوب فيرتد عمل الإنسان شيئاً فشيئاً حتى ينعدم.
بل هي إرادة يقظة دائماً تقيس الموقف ثم تعطي الإنسان القوة "المتوازنة" التي تدفعه إلى العمل "المتوازن" الذي يتعادل مع الموقف.
والإرادة يجب أن تكون قوية فعالة، فإذا ما ركن الإنسان إلى حد معين في العبادة – وهذا قد يحدث فيختار الإنسان حداً متواضعاً في عبادته – "لا يتوازن" مع طاقته الجسدية وظروفه الحياتية، فهنا يجب على تلك الإرادة ألا تستجيب لهذا الحد المتواضع بل تدفعه إلى الأعلى دوماً. وقد عاب د. محمد دراز الحد الأوسط الذي قد يركن إليه الإنسان في العبادة يقول: "ولقد يحدث أخيراً أن يكتفي المرء وهو يؤدي واجباته الأساسية ويطرح الذنوب الفاحشة بهذا المستوى للرجل الطيب ومعنى ذلك أنه بدأ دون شك – بتثبيت مثله الأعلى عند درجة متوسطة، هي أقصى ما يبذله الجهد المعتدل، وهو خطأ يختلط به الهدف والعمل، إن اعتدال العمل لا ينبغي أن يتأتى، ولا يمكن أن ينال إلا على أساس نية تستهدف أعلى قيمة وأسمى درجات الكمال. وأي حد يهبط عن هذا المستوى ستكون له بالضرورة انعكاساته على الإرادة: التوقف والتناقض والكفاف.
والآيات القرآنية التي تأمرنا بأن نجاهد في سبيل المثل الأعلى: اتقوا اللهَ حق تقاتِه و وَجاهِدوا في اللهِ حق جهادِه دون التفات لإمكانياتنا – هذه الآيات ليس لها من معنى إنساني آخر. فهي حين تعين لنا هذا الهدف الأسمى، وحين تزكي مطامحنا الأخلاقية إلى غير ما حد – تحاول في الواقع أن تدفع جهودنا إلى أعلى درجة ممكنة في توترها" (2) .
والرسول (صلى الله عليه وسلم) حينما قال: المجاهدُ من جاهد نفسَه في ذات الله. والكيسُ من دانَ نفسَه وعمل لما بعد الموت والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنى على الله (3) .
فالرسول (صلى الله عليه وسلم) حينما قال هذا الكلام أراد أن يشحذ إرادتنا في مجاهدة النفس. فالمجاهدة: تصور الإرادة القوية في أقوى صورها. واتباع هوى النفس: يصور الإرادة الضعيفة في أوهى صورها.
فالإرادة بهذه الكيفية معاناة تضارع معاناة الأديب في تجربته الصادقة وفي أدائه لهذه التجربة أداء قوياً موحياً، جميلاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :786  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 15 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج