شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
1- العلم:
وهو أول وأهم خاصية "للتوازن"، فبه يقوم "التوازن" في الحياة، وهو أول أسلحة السير على الصراط المستقيم.
إن الإسلام نظام شامل للحياة، لا يلغي وجود المتناقضات -كما ذكرت سابقاً- بل يقوم الشيئان المتناقضان فيه متجاورين لا يطغى أحدهما على آخر، ولا يمتزجان مع بعضهما بعضاً فينتجان وجوداً ثالثاً يحمل خصائص الشيئين السابقين كما في المفهوم الإغريقي.
إن الإسلام يدعو المسلم إلى أن يتوازن في التعامل مع هذه المتناقضات من خلال المواقف التي يتعرض لها، والتجارب اليومية التي يمر بها كما في الكتاب والسنة، ليكون على الدين القيم والصراط المستقيم. ولذلك يجب على المسلم أن يكون يقظاً لا يغفل، عالماً غير جاهل، وقد تنبه لذلك "ابن تيمية" وله كلام جيد في ذلك -ذكرته سابقاً عند حديثي عن الصراط المستقيم- أوجزه هنا:
"إن الصراط المستقيم أن يفعل العبد في كل وقت ما أمر به في ذلك الوقت من علم وعمل، ولا يفعل ما نهي عنه، وهذا يحتاج في كل وقت إلى أن يعلم ما أمر به في ذلك الوقت وما نهي عنه" (1) ، "إن المعرفة هنا ليست عقلية مجردة، لأنها تصاحب تجربة المسلم اليومية وتلابسها، فتعينه على مقاومة الأهواء، والحنين إلى الشهوات التي تزلقه عن الاستواء، وأعني بالشهوات ما حرم الشرع الحكيم مقارفتها صوناً للمسلم، وعوناً على استهداء الصراط" (2) . وفي هذا يقول "ابن تيمية": "الإنسان خلق ظلوماً جهولاً فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر، فيحتاج دائماً إلى علم مفصل يزول به جهله، وعدل في محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه، وأكله وشربه ونومه ويقظته، فكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى علم ينافي جهله، وعدل ينافي ظلمه، فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل وإلا كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم" (3) .
ومن ثم يتبين لنا أثر اشتراط "ابن تيمية" العلم والعدل لاستمرار السير على الصراط المستقيم.
فالعدل بدون علم لا يتحقق به الاستمرار، وبما أن العدل و "التوازن" متقاربان أو متكافئان يعسر تحقيق "التوازن" بدون العلم.
(إن "التوازن" بهذا المركب المتعادل من العلم والعدل قمين أن يوقظ عقل المسلم إلى أقصى مداه بلا تحيف لقلبه، وأن ينشط الروح والوجدان ليبلغا مبلغهما من الاستواء بلا إغفاء عن العقل، فيعمر الأرض بالعلم وبالبناء والاختراع -تعبداً لله- إلى أن يرثها الله) (4) .
كما أن العلم ضروري لخشية الله وتقديره: إنَّماَ يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَآؤُاْ (5) وهو ضروري أيضاً لشكر الله (فمعرفة ما سخر الله له من النعم وشكر المنعم على ما أنعم به، كلاهما في قرن واحد " متوازيان " أي أن "التوازن" لا يتحقق مع الجهل، والشكر يزيد بزيادة المعرفة، وقد يعلم المرء ويتعرف على النعم المتاحة ولكنه ينسى المنعم فينسيه نفسه، وقد يشكر من غير معرفة فيضعف شكره بضعف معرفته. والمعرفة لا يعتد بها إلا أن تكون عملاً وحركة وإرادة فإذا اقترن العمل بالذكر كان عبادة، وكانت العبادة صلة بين الأرض وبين الحق الأعلى، فإن لم تكن المعرفة كذلك صارت لغواً غير مأمون العاقبة، وكأنما هذه المعرفة المتلبسة بالعمل والعبادة هي ما ينال به المسلم من الواهب المنعم كرامة وتكريماً، وهي إلى ذلك تمنحه حرية الاختيار، وتمنحه المسؤولية، ثم تتركه يمخر عباب الحياة، ومن لطف الله به أن جعل له من الشريعة صوى وصوناً، دليل نجاة يلتمس به الاستقامة على الصراط إن غامت عليه الرؤية) (6) .
فإذا وصلنا هذا بمنهج الفن في التصور الإسلامي كان العلم عنصراً عظيم القيمة تتكون به مع الموهبة منطلق لأدب رفيع.
"إن الأديب -شاعراً كان أو قاصاً أو مقالياً- لا يغني عن العلم والثقافة ليضمن لأدبه استمرارية الواقعية والتجدد والقوة، ولتتسع آفاق مداركه وخيالاته، فيتجافى عن الزيف والوهم، ويعلو على الإسفاف الذي مني به في عصور الضعف والتخلف.
إن الحقائق العلمية في عقل العالم تعينه على تصحيح الرؤية وتوسيع أبعادها، أما هي في وجدان الأديب فلها إشعاع آخر يعينه على عمق التفسير، والنفوذ إلى لبّ الأشياء، فيكون ذلك في النهاية أداة لتجديد الروح، وخصوبة الوجدان وتنشيط الخيال" (7) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :860  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .