شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
بقلم: عبد المقصود محمد سعيد خوجه
كم هو جميل أن نلتقي على بساط الوفاء لمن سال وجدانهم وبيانهم بناصع البيان، وخدموا لغة الضاد في واحد من أجمل ميادين العطاء وأكثرها التصاقاً بالمشاعر: تعبيراً، وتصويراً، ونقلاً من تضاريس الذات إلى متسع أجواء التواصل الإنساني عن طريق الكلمة الشاعرة، والزفرة الآسرة، والصور غير المسبوقة التي تجعل الفؤاد يعيش ارتعاشات الطفولة ودهشتها البريئة.
نقف اليوم بكثير من التقدير أمام الأعمال الكاملة لشاعرنا المكي الكبير الأستاذ علي حسن أبو العلا. صاحب الدواوين الشهيرة: ((سطور فوق السحاب))، و ((بكاء الزهر))، و ((سطور على اليم))، وغيرها من القصائد التي لم يسبق نشرها في ديوان مستقل.. ورغم أن شاعرنا قد شغل العديد من المناصب الإدارية العليا إلا أنه منح سلطان الشعر ما يستحقه من عناية ورعاية، فلم تستأثر المهام التي أنيطت به بكل وقته، ولم تصرفه عن التعاطف مع ما يحيط به من مناسبات عديدة في الأفراح والمنتديات وأمسيات التكريم، فعبق شعره وأريجه كانت لهما الغلبة في الوصول به إلى مقامات المناجاة في حضرة من أحبهم وشاطرهم الحبور، فكان دائماً فارس الشعر الذي أسلس قياده إلى التعبير عما يجيش في خاطره، والعبور به نحو ما يعتمل في وجدان غيره من الأحبة الذين أسعدهم بمشاركاته الوجدانية الشفافة.. فهو لا يتكلّف الشعر ولا يعاني في خوض المعاني، أحسبها تأتيه طائعة مختارة كأنما تزهر القوافي بين راحتيه فيختار منها وينتقي ما يليق بكل مناسبة.. يرسل مشاعره نغمات مرهفات تطوي المسافات والأزمان تخليداً لكثير من الذكريات العزيزة عليه وعلى من حوله.. لذا قيل إن شعره شعر مناسبات.. وكأن البعض بذلك يلقي إليه تهمة تستوجب الدفاع.. إلا أنه تلقف تلك الملاحظة بكثير من رحابة الصدر ليعلن للملأ أن الحياة كلها مناسبات.. فإذا لم يرتق الشعر إلى تلك الغايات فرحاً أو ترحاً فإنه لا محالة منقوص المدارك، مهيض الجناح، عديم الإحساس بالمشاركة والتواصل على دروب الحياة المختلفة.. ومما لا شك فيه أنه يربأ بشعره عن هذا المصير، بل يوده دائماً جسر محبة بين الناس، متفاعلاً مع أحوالهم المختلفة، قميناً بتسجيل خلجات نفوسهم وأسر لحظات فرحهم في أبيات تشكل تاريخاً مهماً بالنسبة لمن مستهم أزاهير عطائه الملهم.
والجدير بالذكر أن شاعرنا الكبير قد رعى، بالإضافة إلى خميلة الشعر، منتدى ((أبو العلا الأدبي)) الذي كرّس له الكثير من الوقت والجهد وخصص له مقراً دائماً باستراحته في ((ح الرصيفة)) بمكة المكرمة، مساء كل يوم جمعة، وقد بدأ قوياً في طرحه وعطائه الثر بتاريخ 19/8/1418هـ الموافق 18/12/1997م، وانقطع عن المسيرة لظروف صحية ألمّت براعيه، إلا أنه بحمد الله واصل رسالته السامية مشاركاً في إثراء الساحة الثقافية والأدبية بكثير من إسهاماته القيّمة.. وفي تصوري أن هذا المنتدى الأدبي يمثل امتداداً لأعمال شاعرنا الكاملة، وجزءاً لا يتجزأ من نشاطاته الثقافية، فهو محرض طبيعي لقريحته الشعرية، ولعلّ قصيدته التي ألقاها في الافتتاح خير شاهد على لك.. والتي مطلعها:
يا جيرة الحرم المكي سلو العربا
عن غابر الشعر أو من خط أو كتبا
وجددوا عهدهم وامضوا على سنن
يحي الثقافة والآداب والكتبا
وبدون الدخول في دهاليز النقد وأساليبه، يستطيع المتذّوق والقارئ العادي أن يلمس بوضوح العاطفة المشبوبة في كثير من الصور الجمالية التي يرسمها بقلمه السيّال وخياله الخصب، فتتدافع المعاني العميقة والمتعددة بموجب كلمات يطوعها بمهارة فائقة لتستقر في الوجدان بدون عناء.. يشعر المتتبع لشعره أنه يخاطبه ويجالسه ويرتقي معه في سلم التعامل مع مفردات الحياة بكثير من العفوية التي ينهل منها بمنتهى السهولة واليسر..
إن ارتياد آفاق الشعر عند الأستاذ علي أبو العلا لا يعني قط تجشم الصعب في اللغة والمعاني، بقدر ما يتواءم مع ذاته وطبيعته السلسة ومن يخاطبهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة.. الركض مع أبياته لا يسبب لهاثاً، والحركة المستمرة بين مختلف المواضيع تجعل القارئ كالمتنقل في بستان مترف بالورود والرياحين، كلما أيقنت أنك وصلت حدوده بدت لك من مفاتن تضاريسه المزيد من الجماليات التي تتفتق عن أكمام اللغة وهزار النغمات البديعة التي يبثها هنا وهناك.. ناثراً عطر إبداعاته بين يدي القارئ الكريم، وجندل الشوق بين جداول شعره الرقراق من خيرة ما ينعش الفؤاد الصادي.
أستاذنا علي أبو العلا من الشعراء الكبار الذين لا يمكن أن نذكر شعراء مكة المكرمة المخضرمين دون أن يكون في عدادهم صاحب هذه الأعمال الكاملة، بل من أوائلهم، وقد خلد اسمه بما أبدع وأحسن عملاً قبل قول.. وهذه جامعة أم القرى كان توفيقاً من الله بحانه وتعالى أن تكون قصيدته مبتدأ حفل الأمر بإذاعة إقامتها وخبر إنشائها وما ترفل فيه، وهي مسجلة بالصوت والصورة في حفل يوم إعلانها بأمر صاحب الجلالة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود ((طيب الله ثراه)) الذي تأثر بقصيدة شاعرنا فأمر الزميل الكبير والصديق العزيز معالي الدكتور محمد عبده يماني، وكان آنذاك وزيراً لإعلام، ليعلن استجابة جلالته للطلب، وبدأت مسيرة الخير.
لقد شرفت كوني أحد شهود هذا الحفل - ولدي نسخة من فيلم تلك المناسبة - ليتذكر أبناء مكة المكرمة ذلك، وليدعوا له باعتباره سبباً، وليدعوا لمن ارسى قواعدها ولكل من ساهم بغيجابية في مسيرتها منذ بدئها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ولأخي الشاعر الفحل علي أبو العلا مآثر كثيرة فهو رجل الصمت الناطق بالأعمال الجليلة، ستكون لي عودة بإذن الله في غير هذا المقام لذكر شيئاً منها بإذن الله.
وهذه مجموعته الكاملة تتصدر مجموعات وكتب ما أصدرته ((الاثنينية)) تشرفاً باختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 1426هـ.. فبدون مجموعته يسقط ركن مهم من أركان جميل مقوماته.. آملاً أن تجدوا في معيته ما أحبه لكم من سعادة ومتعة، واستشراف آفاق أرحب عبر نوافذه التي يطل منها الكون إلى عوالمه الخاصة.
عبد المقصود محمد سعيد خوجه
جدة: 10 ربيع الآخر 1426هـ
18 مايو ((ايار)) 2005م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2466  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج