شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
زعيم الفتنة!
ـ إن الأزمان تكشف عن تلك الوجوه التي كانت تتستر خلف شعارات وعناوين من الأخوَّة، والتضامن، والكلمة الواحدة.. وتتعرى - عند الملمات - طباع الثعلب والذئاب التي كانت تلبس لباس الطهر والشرف، والأمانة!
ـ مجلس التعاون الخليجي -
ـ أراد الرئيس العراقي ((صدام حسين)) أن يوظِّف أضواء، وأصداء، ونتائج مؤتمر القمة الأخير في بغداد - تحت رئاسته - لأغراض عديدة.. من أهمها:
ـ أولاً: أن يَفْتن الرأي العام العربي، أو الشارع العربي، أو سواد المجتمع العربي، بما حرص على الإِجادة فيه من ((إستعراض)) يُظهره كزعيم عربي لا يُضاهى، وكنجم أوحد في سماء السياسة العربية.. وذلك بغرض جذب الشارع العربي إلى ((القناعة)) به كقائد محنَّك، حكيم، من خلال ذلك الاستعراض الذي أعده - إعلامياً - بإتقان!
ـ ثانياً: لم يكن ((صدام)) في محاولة ((تربُّعه)) على رأس تلك القمة العربية في عاصمة الرشيد، إلاّ مصاباً بأحلام السيطرة على مقدرات العالم العربي، ومفتوناً بنفسه كأنه ((هارون الرشيد))!
ـ ثالثاً: لقد أوهم بعض أشقائه وإخوته العرب.. أنه - وحده - الذي تتوفر فيه خصال، ومقومات الزعامة.. وأنه الذي ينبغي أن يتصدر قيادة الرأي العام العربي، في إطار الورقة التي لعب بها حتى آخر لحظة، في ذلك ((الاستعراض)) الذي أدّاه ببراعة أمام الجماهير العربية، عبر أجهزة تلفازاتهم!
ـ رابعاً: كانت تلك الورقة التي لعب لها، تقف على عدة أثافي، وهي:
ـ إدِّعاء المناداة بالوحدة العربية: بينما التاريخ العربي المعاصر قد سجّل في تاريخ صدام، رداءة سنوات حكم الحديد والنار، التي قتل فيها حرية المواطن العراقي، ووضع العراقيل لحلم الوحدة العربية.. واستمرار ((صدام)) بهذه المناوأة، في محاولات تفريق العرب، وتصنيفهم إلى: تقدميين، ورجعيين.. وأغنياء، وفقراء!!
ـ إتهام بعض أشقائه العرب، ممن تحمّلوا عن بلده تكاليف الحرب المجنونة الباهظة مع إيران مادياً، واقتصادياً، وتكاليف تعمير العراق بعد توقف القتال، وحتى في أثنائه، فقال يصفهم مهاجماً بأنهم: (أتباع للإِمبريالية)!
ـ إثارة البغضاء في الشارع العربي بين قُطْر عربي وآخر، بإيهام الشعب العربي: أن هذا القُطْر غني، ينتمي إلى الامبريالية، وذلك القطر فقير: تقدمي، وحدوي!!
وهكذا.. أراد الرئيس العراقي أن يبذر ((الفتنة)) داخل الوطن العربي كله، ليحصد من نتائجها ما يحقق له الهيمنة، والتسلط على مقدرات الأمة العربية، والعبث بتاريخها الحديث على هواه، وفي إطار مطامعه الإقليمية!
ولعلّنا نتساءل - في مواجهة غدر زعيم الفتنة العربية/صدام:
ـ ما هي أبعاد، وركائز ((الوحدة العربية)) في فلسفته، وفكره، وتنظيره؟!!
ـ هل (( الوحدة العربية )) تحضُّ من أجل قيامها على: اجتياح قُطْر مجاور، عربي، شقيق، وتشريد أهله، ونهب بيوتهم وأموالهم، وتدمير اقتصادهم وعُمْلَتهم، وهتك أعراضهم؟!
ـ إذن.. ماذا تبقّى لليهود، ليفعلوه بالعرب.. وقد كفاهم ((صدام)) أكثر مما يضمرونه لأي عربي، مسلم.. ومَنَح ((إسرائيل)) فرصة لا تتكرر، تلتقط فيها أنفاسها، وتراجع حساباتها، وتتمدد على الشريط الحدودي مع لبنان، وتطرز وسائد من حرير للمهجّرين إليها، وتسرق المياه العربية ((براحتها)).. وتجلس - تقزقز اللب - وهي تتفرج على هذا الاستعراض الآخر الذي نظّمه ((رئيس عربي، ثوري، تقدمي)) ضد أمن، واستقرار، وكرامة، واستقلال شعب عربي مجاور له!!
ـ هل (( الوحدة العربية )) تتحقق بتجويع الشعب العربي، ونسف خطط التنمية، ورفع شعار التقشف على الشعب فقط.. بينما ((الزعيم الأوحد)) يراجع خرائط بناء ((قصره)) المنيف الذي يزمع إنشاءه، وتسميته: ((قصر هارون الرشيد))!!
ـ هل (( الوحدة العربية )) تقوم على تحطيم اقتصاد الوطن، بإتباع أنظمة اشتراكية أخذت تتخلى عنها الكتلة الإشتراكية والشيوعية نفسها؟.
ـ هل (( الوحدة العربية )) ترتكز على: الخطب الحماسية، وإلهاب ((عواطف)) الشارع العربي بكلمات ثورية.. يذهب بعدها المواطن العربي، وينام جائعاً؟!
ـ إن هاجس كل عربي صميم، لا بد أن ينصبَّ على ((الوحدة)) والتضامن، والصف الواحد، والضمير الواحد، والمصداقية!
لكننا لا نعتقد أن ((الوحدة العربية)) ستقوم بسياسة هذه الأقطار التي (شجبت) ما أسمته التدخل الخارجي في المملكة العربية السعودية.. وهناك - بينها - قُطْر عربي: يُهدد أمن، واستقلال، وثروات المملكة.. وقد نصب صواريخه، ودباباته على حدود بلادها.. وكان قد (اجتاح)، وسلب، ونهب، وهَتَك أعراض قُطْر مجاور له، وشقيق!!
فأيّ إدعاء بالوحدة، وبرعاية مصالح الأمة العربية.. إذا كانت هذه (الفتنة) التي أضرمها العراق، قد انعكست جروحها، ومساوئها، وخسائرها على كل مراحل محادثات السلام في المنطقة، وعلى كل خطوات المقاومة لأبطال الحجارة داخل الأرض المحتلة، وتُهدد الآن، أو بعد الآن: بابتلاع لبنان، أو الجنوب اللبناني، والأردن؟!!
ـ فهل هناك إيجابيات، وأرباح، ومكاسب... قد (أهداها) الرئيس العراقي لشعبه العربي: الثائر، القومي، التقدمي بسرقة أرض عربية آمنة، وبنهب أموالها، وبهتك أعراض نسائها؟!
ـ هل مكاسب (( صدام حسين )) وشعارات وحدته العربية الثورية تنادي، وتقوم على: إهدار (( النخوة )) العربية، وتفتيت ((العزوة)) العربية، وسبي النساء العربيات، وهتك أعراضهن؟!!
ـ هل قيام ((الوحدة)) بين قطرين عربيين، يتم بالقسر، وبالإِرغام، وبالبطش، وبالأمر الواقع، وبجحم الدبابات، والرشاشات، والطائرات المقاتلة؟!
ـ أم أن ((حقيقة)) الاجتياح العراقي للكويت - كما برر وزير خارجية العراق - تكمن في هذا السبب ((القرصاني)) الأخير:
ـ (( إن الوضع الاقتصادي في العراق قد وصل إلى حالة سيئة جداً، ولم يكن أمام العراق إلا اللجوء لهذا الأسلوب )) !!
وزاد السيد ((طارق عزيز)) الطين بلَّة، عندما استطرد في إعلان حقائق، ودوافع قرصنة العراق.. حينما قال:
ـ ((إن العراق وصل إلى مرحلة لم يعد يثق فيها بوعود دول الخليج بأنها ستساعده في الخروج من أزمته))!!
وها هو ((يثق)) في إيران التي حاربها ثماني سنوات، ويأمن جانبها، ويعطيها ظهره حتى (يتفرغ للآخرين).. ويقصد أشقاءه العرب، الذين صنّفهم اليوم أعداء له، يحتاجون منه إلى (قادسية صدَّامية) أخرى!!!
بينما يعرف العراق جيداً: أن أقطار الخليج لم تكفّ يوماً عن (الدفع) المتواصل من أموال ثرواتها، وأرضها، وشعبها، لحكومة العراق طوال حربه مع إيران، وبعد توقف الحرب، وطلبه لتسديد ديونه، وتعمير بلده!!
لكنه يريد أن يستولي على ثروات الخليج: طمعاً فيها، وتطلعاً إلى غرور الزعامة، والسيطرة على مقدرات العرب كلهم!!
* * *
ـ نحسب أن منظومة أقطار ((الخليج العربي)) ستعيد حسابات علاقاتها، وتعاملاتها، وربما ((مشاعرها)) التي لا تعرف تخزين البغْض، مع كل من كشفت هذه الأزمة عن ((مصداقيته)) من عدمها، وعن أهدافه من أغراضه، وعن أصالته من زيفه، وعن انتمائه للدم من تنكُّره وتجلُّطه في الحقد!!
ـ لقد أعرب مجلس وزراء المملكة العربية السعودية عن: ((استيائه، واستغرابه لمواقف بعض الدول العربية التي عارضت، أو تحفظت على قرارات المؤتمر المؤيدة من اثنتي عشرة دولة مشاركة في أعمال القمة الطارئة في القاهرة.. واعتبر المجلس أن هذه المواقف - مهما كانت أسبابها ودوافعها - لا تخدم مصالح الأمة العربية، بل تحدث فجوة عميقة في صفوفها، وتباعد بين أهدافها المشتركة نحو التضامن الذي طالما سعينا ولا نزال نسعى إلى تحقيقه، ورغم كل الظروف التي تحيط بالمنطقة العربية))!
كما أعربت أقطار الخليج الأخرى - بنفس الرأي، والاستياء، والدهشة - وقالت هذه الأقطار:
ـ (إن الأزمات تكشف عن تلك الوجوه التي كانت تتستر خلف شعارات وعناوين الأخوة، والتضامن، والكلمة الواحدة.. وتتعرى عند الملمات طباع الثعالب، والذئاب التي كانت تلبس لبس الطهر، والشرف، والأمانة)!!
ـ ونتساءل هنا: ما هي سياسة هذه الأقطار، الوحدوية، التقدمية، مهدمة الإِمبريالية، ولاعنة الاستعمار ليل نهار، بالكلام؟!!
ـ سياستها: الرفض.. المعاكس لكل ما تقوله الأقطار التي تُشدِّد على العقل، والحكمة، والمصالح القومية للشعب العربي كله!
ـ سياستها: أن تأخذ من الدول (المعتدلة) التي تسميها (غنية).. وتدّعي أن ما تأخذه من مساعدات، ودعم هو من مال (النفط العربي)، الذي يعني في مبررات اللص، والشيوعي: مال الأغنياء للجميع بالقوة.. ويتجاوزون النص الإسلامي العادل!!
وليتهم يصرفون هذا المال - لكل العرب! - على خطط التنمية في بلادهم، للارتقاء بمستوى معيشة ومعاش شعوبهم، وتحسين اقتصادهم، وتسليح أقطارهم لمواجهة العدو الحقيقي.. لكنهم يصادرون كل المال المدفوع لهم من الدول التي يبتزُّونها بشتى الطرق والتهديات.. أو يصرفونه على مؤامرات التخريب، والعدوان الإقليمي، وأحلام الزعامة.. أو يُودِعونه في المصارف الأجنبية لدى الدول (الإِمبريالية) ما غيرها، لحسابهم الخاص.. أو يشترون به أسلحة لتكوين ((مليشيات)) أو حرس خاص لحماية نظامهم من غضبة شعوبهم.. حينما يستبد بها الجوع، والعوز!!
ـ فهل هذه هي (( الوحدة العربية )) والتقدمية، والقومية العربية الجديدة التي شوّهوا بها الأهدف الحقيقية والأصيلة لمباديء (( الوحدة )) ولمعاني ((التضامن)) والتلاحم في الدم، والأواصر، والمصير؟!!
ـ وهل (( الوحدة العربية )).. هي هذا (المخاض) الذي نتج عنه واقع محزن لشعوب هذه الأنظمة التي تدّعي دفاعها عن حقوق الشعب العربي، وحماية أمواله من الإِهدار.. وهو واقع يشهد عليه (الحال) المتردي، والمعيشة الضنك، والقيمة الاقتصادية لعملاتهم المالية في العالم، وفرص العمل داخل أقطارهم لمواطني بلدهم، وتوفير الغذاء والكساء، وتدعيم ميزانية التنمية والتطور؟!
اللَّهم أشهد.. فإن بعضاً من ((قومي)) يكذبون!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1441  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 389 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.