شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حوار.. لا ينتهي!
ـ يا أصدقاء الحرف والكلمة:
أتقدم إليكم - قراءاً - بهذا الكتاب.. أحاول أن أجعل من كلماته غيثاً يهمي، أحفر صدري بالكلمة التي لا تهون.. أحفره بنداءات الزمان، والذكرى، والعهد، قبل أن يقتات الصقيع أضلعي!!
كانت الأصداء - يا أعزاء - هي الطهارة الباقية في النفس!!
فما أشد خفوت همس القلوب.. ما أتعس صيحات الوجد المبددة..
ما أبعد طلاقة حزني، وهو مطيتي، وبوصلتي، وشواطئ الشظايا!
إنني أتقدم لكم بهذا ((الرجع))، وأنا الليل الهرم.. نجومي للزينة، ونسمتي لتجفيف ثياب المرأة الولود، وظلال كلماتي لأضواء الطرقات المنحنية!!
أقتضب اللحظات.. حيث تتحول في نبضي إلى رحيل.
وأهودج الشعور حينما يتجسد فوق سنام الرقة المتوحشة.
إنني أغازل ((الانطراح)) النفسي، وأنشد أشعار الفرح المتسول.. فلقد بدأ حرف في فمي يتحدث عن الحنان المتواضع.. عن الضجر وتفاهة الابتسامة.
إنه الفرح المتسول.. قادر الآن على فمي، وعاجز عن مرونة الانطلاق إلى حيث تولد الكلمات الغجرية!
لقد ملأت أذني بالتشبيه، وملأت قلبي ((بالسجع))، وصادقت الرؤى، ومالأت ((التورية)) في حياة البشر.. حتى نفتني الكلمات إلى جزيرة الشموس الساقطة بين فكي البحار!
هنا.. أتسكع بهجرتي وأعشق العالم.. بجهاته الأربع:
أحب الشمال.. حيث أتصبب أن تشرق شمس الحس.. رغم البلل في النفوس!!
أحن إلى الجنوب.. حيث تتمدد الأمسيات فيه محدود به.
أعبر الشرق الذي عصفت رياحه بالسنابل، وأغوص بعد كل هذا في الغرب.. حيث كل الأشياء تطلع بلا هوية.. فوجدتني أغرب في عين حمئة!!
إنني ألون ((الحوار)) في هذا الكتاب بالأصداء..
إنني أسأل الإنسان لعلّه يجيب: منذ متى وأنت - يا إنسان - تقف على أطراف أصابعك؟!
منذ مولد نطق ((أمرسون))؟!
لقد هرولت بعده ((برونتي)) تصور ما جرى فوق مرتفعات ويذرنج!
منذ غنت ((سلامه)) وتاه عبد الرحمن القس في الالتزامات؟!
منذ برع ((المحاورون)) في استكناه ألفاظ مضمارية من اعتبارات مجففة؟!!
هل كان هذا هو الزمن.. أم أنه الموعد الذي أعطى وهو مسلوب الإحساس؟!
إننا لا نقدر على الانسلاخ، ثم المغادرة..
إن أجزاءنا مشبوبة في أرواحنا، وبغير الروح نحن ننفصم حتى عن الاستكناه!
حاولت وأنا أتأمل، وأنا أمارس التجربة، وأنا أصغي، ثم وأنا أكتب..
حاولت أن أتقهقر مراراً إلى ذراعي، كل شيء كان - فيما بعد البوح - لا يعدو أن يكون تجربة شخصية مذبوحة.. اكتسحتها الألفاظ، وإمتهنتها عقارب الزمن!
إن أحلى الكلمات مرسومة داخل إطار اللوحة، واللوحة سرقها الاتساع الزمني في نفسية إنسان اليوم، ولا يمكن تخليصها من الانصياع المهني في العمر، فلم يعد الإنسان أكثر من مبادرة تتجاوز، أو نتجاوز بها. لا أكثر من حضور يتمدد في وريد السنين المجهولة!
أكتب لكم كل هذا الحوار المترابط والمنفصم.. وأنا كما ((مالك الحزين)) أقف على قدم واحدة، وأطوي الأخرى، وأحني ((زرافيتي)) فأدق الأرض بدموع الملاحين المغادرين الذين يبكون من دموع التماسيح!
خذوا مني هذه المساحة الشعورية، ولا تثريب أن نمتلئ فرحاً بهذا البوح في عالم صاخب، ونصعد إلى أعلى قمة جبلية ونضحك فوق الثلج، أو نضحك للنجوم ((الحرانه)).. فما هو الفرح بعد ذلك؟!
إن التراب، والنبض، والشوق.. تحولوا جميعهم في عالم الإنسان اليوم إلى ثلج!
وهذه ليست تجربة زمان.. بقدر ما تبدو تبريراً دقيقاً للوقوف فوق مساحة.. هي سيدة الانتظار، وهي لون جدار نفوسنا!
أتمنى - عبر هذه الكلمات - أن أعود تلميذاً يتوج طفولته بالطموح المعافى.. لأردد لكم مقطوعة ((فيكتور هيجو)) وهو يقول:
ـ ((ما أكثر أحلامه وهو يرى في رمال الشاطئ:
مأسٍ بلا عدد..
وشموساً من لهب..
وسيدات حسناوات.. يحملن أطفالاً على أذرعهن الساحرة))!!
فهل ترون الآن كيف أحترف المحبة وأناغي الأحلام؟!
أرأيتم عافية الحياة في ابتداء الأشياء، وعنفوان الطموح في اللهفة على استدراج المواسم الإنسانية لتكبر، ولتجرح الزمان؟!
وبعد أن تكبر الأشياء، وبعد أن نجرح الزمان.. هل تعود مياه الشلالات إلى منابعها؟!
إنني لا أتراجع، ولكني أقف في وسط النهار.. أتوحى ما تغلغل في النفس.. ((أحترف الطفولة والبراءة والنقاء)).. أتغلب على المنظور بالمحسوس.. أتأبد في مفصل الخشوع.. كأن ما بيني وبين التقليدية شبر، وما بيني وبين الدخول انفعال!
إن ما نسترجعه من حوار عبر أيامنا، وشكل لحظاتنا السعيدة والعميقة بالحزن.. هو فكرة البحث عن المناخات، وإن مناخي منكفئ على ((مدافن الزهور))!
أتعبتني الخرافات.. إنها تعلك إمتدادي الإنساني، وتبدو رعناء التعري!
إن التجسيد بالكلمة.. مرهق في حالات التدثر..
إن اللمحة أضحت كما قطعة زجاج في قاع حمام للسباحة..
إن أبسط قوانين الحياة: أن يعطي الإنسان إنعكاساً جزئياً.. فإذا كانت كل الصور منعكسة.. فكيف نرى الأصل؟!
إنها أبواب الشعور، والرؤية، والحياة.. تفتح بالكلمات..
إنني - كما يتراءى لي - أتخيل خلف الأبواب هذه شموع ميلاد جديد يرقص لهبها الهادئ، وألقى في داخله كل ما في النفس.. فوق ذلك التوهج الخافت، وأحكي لكم عن الحبيبة، والرقص في صهيل العمر!
إنني بدوي الحوار.. ((حضري)).. الرغبة.. آتي إلى الشرفات العالية، وأخلع حذائي اللامع وأدخل فيه أظافري وأسناني!
أرتفع بالوفاء، وبالذكرى، وبالعهد.. إلى أكبر من طاقة النفس..
إني أعود بالكلمة إلى الحب وهو راية فرح.. حتى في استرجاع الحزن..
إنكم مصبوبون في ضياء نفسي، وهذا هو خلاصي.. هو حكايتي التي تثمر في أمسيات الشوق..
إني لا أقدر إلا أن أهطل ليالٍ.. وأحتضن فيكم لحظات الدفاع عن الحياة، وأرقص معكم رقصة فتون الكلمات!!
عبد الله
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1618  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 296 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.