شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
غرابيل الزيدان... وخروجه من شرنقة الرافعي
أما غرابيل الأستاذ الصديق، الذي أعفي نفسي، من إضافة أوصاف أستاذيته الضخمة مكتفياً بأنّه (الزيدان)، الذي استبعد أن يوجد قارئ في المملكة - مجرد قارئ - لا يضيف إلى اسمه، العديد والمتنوع من أوصاف هذه الأستاذية الموسوعية التي قد لا أسرف إذا قلت إنها تُشبه الموسوعات الكبرى، التي تقدم للقارئ، إضافة إلى المعلومات المُوَثَقة في أكثر من عشرين مجلداً ضخماً، ملاحقَ سنوية عمّا جدَّ على معلومات سبق رصدها أو ما شعَّ به الفكر، خلال العام من عطاء لم يسبق أن عرف فَرُصد، في العلوم والفنون والآداب، بل وفي المتغيرات السياسية والاقتصادية التي لم تعد تتوقّف عند حد... وأنا موقن بأني لا أسرف في تقرير حقيقة هذه الأستاذية الموسوعية، لأن الأستاذ محمد حسين زيدان، قادر على إقناع قارئه، بأن ما تختزنه ذاكرته المشعّة، هو الجديد الذي - ربّما - لم يسبق للقارئ أن عرف شيئاً عنه، رغم سعة اطلاعه طوال عمره الثقافي، ولا أشك في أن ذاكرته، تضيف الكثير إلى مخزونها القديم، من جديد هذه الأيام، وليس عن المتغيرات الطارئة على الساحة الدولية فقط، وإنما أيضاً وبدقة مذهلة عن هذه الفتوح في الفلك، التي توافينا بها هذه المركبة الأسطورية التي أطلقت إلى الفضاء منذ اثنتي عشرة سنة، لم تتوقّف خلالها عن إرسال الألوف أو هي الملايين من مشاهداتها في هذا الفضاء اللامتناهي، إلى الأرض... أعني إلى الذين أطلقوها وما زالوا يتابعون مسارها وسيرها ومشاهداتها... كلنا نسمع هذه الأخبار، أو نشاهدها على شاشة التلفزيون، ولكن الزيدان يتميّز عنا، بأنّه يحتفظ بالخلفية الموسّعة في علم الفلك، فما أكثر ما يدرك من الخبر، وما أدق ما يستنبطه منه، فإذا حدّثك عن ((نبتون))، أو عن الأقمار التي اكتشفتها (فوييجر)، فإنّه يشبعك - إذا شئت - معلوماتٍ تجعلك تتساءل: (كيف...؟؟ ومتى أتيح للزيدان، أن يعرف كل هذا الذي لا يعرفه إلا أكابر المثقفين، ولا أقول (العلماء)، إذ ليس الزيدان من العلماء في الفلك، ولكنّه المثقف، الذي لا يرضى بالقطرة أو القطرات مما يقرأ ويسمع، بل يحرص على أن يتضلّع، ما دام السبيل متاحاً إلى المزيد من الارتواء.
في آخر ما قرأته من غرابيله، هذه الأبيات من الشعر التي نسبها إلى (الكاتب العربي الشاعر ((أديب إسحاق)))... وقد وجدت نفسي أتساءل: كيف لم أسمع باسم أديب إسحاق هذا، مع أني أحفظ له البيتين، اللذين ربّما يحفظهما الكثيرون غيري وهما:
قَتلُ امرئ في غابةٍ
جريمةٌ لا تغتفر
وقَتلُ شعبٍ آمنٍ
مسألة فيها نظر
وأصارع القارئ أني كنت إلى اليوم الذي قرأت فيه غرابيل الزيدان في جريدة الرياض أحفظ البيتين، لنسيب عريضة، أو جبران خليل جبران، وهما من أوائل من قرأنا لهم في الفترة من أيام الصبا، التي اهتزت فيها نفوسنا لسحر الكلمة... أو هو سحر البيان.
والأستاذ الزيدان يتحفنا ببيتين ينسبهما إلى أديب إسحاق أيضاً، ويصنّفهما كترجمة لمقولة (فتش عن المرأة)، التي يفاجئنا الأستاذ، بأن الذي قالها هو ((نابوليون بونابرت))... وهذه عجيبة أخرى من عجائب ذاكرتي (المنفلتة). وذاكرة الزيدان التي تحفظ وتعي وتختزن ما لا يخطر على بال... إذ إن (فتش عن المرأة) هذه نرددها أو نسمعها عشرات المرات، ولم يحدث أن عنينا بأن نعرف قائلَها إلى أن جاءنا بها الزيدان ((بنتَ شفة)) الأمبراطور الذي دوّخ أوروبا، ثم انحدر إلى ذلة الأسر والسبب (جوزيفين) التي دوّخته فقال تلك الكلمة التي ترجمها أديب إسحاق في بيتين من الشعر
إذا رأيتَ أموراً منها الفؤاد تَفَتّتْ
فتش عليها، تجدها من النساءِ تأتّتْ
أما عن خروج الزيدان من شرنقة الرافعي، فذلك ما قاله الأستاذ عبد الله عبد الجبار في تقديمه لكتاب الكاتبة الأستاذة (انتصار العقيل)، الذي منحته عنواناً فيه من رقة الإبداع بقدر ما فيه من القدرة على استيقاف ذهن القارئ، ليجد نفسه مبحراً في غياهب محيط، من الأحلام والرؤى والرغبات، يراها في الموانئ هنا وهناك، ولكنها (بلا أرصفة) فلا سبيل إلى الرسوّ وطي الشراع.
يقول الأستاذ عبد الله عبد الجبار، (حينما يُذكر الرافعي في بلادنا سرعان ما يثب إلى الأذهان ((محمد حسين زيدان))، هذا الاسم المدوّى في الإذاعة والصحافة والتلفاز). ثم يقول عنه: (لقد عشق الرافعي وتأثر به... علّمه الرافعي أن يعشق الكلمة ويطرب لجَرْسها. ويستشهد الأستاذ عبد الله عبد الجبار، على تعشّق أو تأثر الزيدان بالرافعي بما قاله الأستاذ الزيدان نفسه من كتابه (خواطر مجنّحة). إذ قال: (إن الرافعي وأمثاله يُقرأون بالأُذُن، فالجرس هو عطاء التفهم لفهم الكلام). ثم يضيف الأستاذ عبد الله: (الجملة المموسقة أو العناية بالتنغيم ميزة واضحة في أدب الزيدان... لكنها ليست كل شيء، فهناك الأفكار المحلّقة والخواطر المجنحة... الفكر والخيال معاً في إيجاز.
ثم ينهي الأستاذ عبدالله وقفته القصيرة مع إبداع الزيدان فيما يكتب أو يذيع ليقول: (منذ عهد بعيد استطال الزيدان وأضحى ينشُر علينا ((حريره)) الأدبي الخاص، ولم يعد (دودة القز) التي خرجت من شرنقة الرافعي).
وعلاقة أدباء جيلنا بالرافعي رحمه الله، صاحبت غرامه بالآنسة (مي) الذي كنا نتسامع عنها وعنه، وقد نحاول أن نتتبع أخبارها، وأخبار الكثيرين غير الرافعي الذين قيل إنهم عشقوها، فكانوا يحرصون على أن يكونوا بين يديها في صالونها في القاهرة - ولعله أول صالون من نوعه حتى اليوم - وعندما صدر للرافعي كتابه (أوراق الورد) أذكر كيف تهافتنا على الحصول على نسخة منه... وعكفنا نقرأ... ونلمس الفرق الكبير بين الكثير مما ينشر من شعر شعراء ((أبولو))، وبين هذا النثر للرافعي... أذكر أني ظللت أقول: (إنه مهندس الكلمة). في ذلك الكتاب، ثم في كتبه الأخرى التي عكفنا على دراستها.
ولكن حكاية أن الزيدان ((قد خرج من شرنقة الرافعي))، مسألة فيها نظر... إذ أكاد لا أرى أثر الرافعي فيما أقرؤه للزيدان... ولعل ذلك، لأنه كما قال الأستاذ عبد الله (ينشر علينا ((حريره)) الخاص... فلم يعد دودة القز التي خرجت من شرنقة الرافعي.
والكلمة الفصل الآن... للأستاذ محمد حسين زيدان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1462  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج