| أسيلوا عليه الدمعَ.. فهوَ بهِ أجْدَى. |
| ولا تَذْخرُوا شكراً.. ولا تذْخروا حَمْدا. |
| فقدْ كان ذا فضْلٍ.. وقد كان ذا هُدىً. |
| يُفيضان للعافين مـن رَبْعِـه رفْـدا. |
| ولا قوْلَ إلاّ هدْيُه مترسِّلاً |
| ولا فعْل إلا رُشْدُهُ الجَـمُّ.. مُمْتـدّاً. |
| وقدْ كان لا يَسْتشعـرُ الفخْرَ بيننـا. |
| ولكنّـه يستشعـرُ الحبَّ والزُّهْـدا. |
| ويُغْضِي عن الذمِّ اللئيمِ. ولا يَـرى. |
| لصاحبـه الجاني عليه بـه حقْـدا!. |
| * * * |
| أأَحمدُ.. كنتَ الرّوضَ فينـا.. ثمـارُه. |
| وأزهارُه كانت لنا النّفْحَ والرّغْـدا. |
| فَصوَّحَ هذا الرّوْضُ.. جَفَّ نَمـيرُه. |
| فلمْ نَلْقَ طعْمـاً لـذّ فِيـهِ ولا وِرْدا. |
| لقد كنتَ فيـه بُلبـلاً مُتَفَـرِّداً.. |
| بأَنْغامِه يُشْجِي بها المجْـدَ والوَجْـدا. |
| فأجْدبَ هذا الرّوْضُ بَعْـدكَ باكيـاً. |
| على طيرهِ الشادِي الذي سكَنَ اللّحْدا. |
| ونحْنُ كمِثْلِ الطّيْـرِ نشكُـو فِراقَـهُ. |
| حنيناً إليهِ.. في المَـراحِ وفي المَغْـدَى. |
| ونَذْكُرُه فينا شَذىً متضوِّعاً |
| يفوحُ.. فيَسْتَهْدِي به السائرُ القَصْدا. |
| وما كان إلاُ الرُّمْدُ مَـنْ لا يَرَوْنَـهُ. |
| ضياءً.. فما أشقى بإنْكـارِه الرُّمْـدا. |
| ترفَّعَ عن نَهْـجِ الغُـواةِ تزهُّـداً |
| ولم يَتَنفَّجْ كبرياءً ولا كَيْدا |
| فإنْ قلْتُ فِكْراً. فهـو فيـهِ محلّـقٌ. |
| وإن قلْت حِسّاً. فارْقُبِ الجَزْرَ والمَدَّا. |
| هُما كِفَّتـا فِكْـرٍ وحِـسٍّ تهَاطَـلا |
| بغَيْثٍ.. حَمِدْنا قَبْلَه البَرْقَ والرّعْـدا. |
| وهل تُنْبِتُ الآلاءَ إلاّ هَوَاطِلٌ |
| عَمَتْ نَحْسَنا عنَّا وأبْدتْ لنا السَّعْدا!. |
| * * * |
| أَأَحْمَدُ.. يـا رُبَّ امْـرِىءٍ مُتميِّـزٍ. |
| يُنَوِّرُ لحْداً مِثْلَمـا يُطْـرِبُ المَهْـدا. |
| وقَدْ كُنْتَهُ شيخـاً.. وقَدْ كُنْتَهُ فَتًـى. |
| فَمَا أَكْرَمَ المَثْوى. وما أكْرَمَ الخُلْـدا. |
| عسَاني إذا ما شـاءَ رّي تباركَـتْ. |
| آيادِيه.. كم أَجْدَى علينا. وكم أسْدَى. |
| رَحِيليَ.. أنْ أَلْقـى لديـه فواضـلاً. |
| وإن كنتُ لم أرْعَ الذّمامَ ولا العَهْـدا. |
| وأَنْ أَتَلاقَى والكـرامَ مـن الأُلَـى. |
| تسارَعْنَ قبلي للرّحيلِ الـذي أَرْدى. |
| فكم أَشْتَهِي. والدمعُ يذرفُ والمُنَى. |
| تُجاذِبُني شوقاً.. وتُخْلِفُنِـي الوَعْـدا. |
| لِقائِي بهِمْ في مَوْطِن الخُلْدِ.. لا أَسـىً. |
| بهِ أو وَنىً يُضْنِي المساعيَ والجهْـدا. |
| ترقَّبْتُهُ يوماً فيَوْمـاً.. فَلَـمْ يَفـىءْ. |
| إِليَّ.. ولكنْ سامَني النَـأي والصَـدَّا. |
| ووَلَّى وأَبقى الهَشَّ.. ما يَسْتويَ بِـهِ. |
| وقَدْ لانَ - عُودِي لَيْتَه تركَ الصَّلْدا. |
| فَعُدْتُ وما أقْوى على السّيرِ قابعـاً. |
| بِدارِي. فلا جَذْباً أطيـقُ ولا شَـدَّا. |
| وعُدْتُ وفي حَلْقي من الصّابِ غصّةٌ. |
| وفي مُهْجَتي من بَعْدِ ما طَعِما.. شُهْدا. |
| مَتَى يَجْتَوِ المَرْءُ الحيـاةَ يَجِـدْ بهـا. |
| مَرَازِىءَ تُنْسِيـه المباسِـمَ والنَّهـْدا. |
| وكيْفَ.. وقد أَصْلَى الفِراقُ بِنَـارِه. |
| حناياهُ.. حتَّى ما يطيـقُ لـهُ وَقْـدا. |
| وقد خانَهُ حِسٌّ.. وقد خانَهُ حِجًـى. |
| فلمْ يُبْقِيا حَيْـلاً ولمْ يٌبْقِيـا رُشْـدا. |
| وكان له رَهْطٌ نِـدادٌ.. فلـم يَعُـدْ. |
| له مثلهمْ. فهـوَ الذي افْتقَدَ النّـِدا. |
| كمَا افْتقَدَ اللَّذْوَى. كما افْتقَدَ الكَرَى. |
| بشَيْخُوخَةٍ تَطْوِي المواجعَ والسُّهْدا!. |
| * * * |
| سَلامٌ على الدّنيا.. سَـلامُ مُـودِّعٍ. |
| تطلَّعَ للأُخْرَى. لمَـوْلاهُ واسْتَجْـدَى. |
| على أنَّهُ ما كـان في مَيْعَـةِ الصِّبـا. |
| صبُوراً على رَيْب الزمان ولا جَلْـدا. |
| عساهُ بعَفْوٍ منه يَنْجُو مـن اللَّظَـى. |
| فما أكْرم المَوْلى وما أَفْقَـرَ العَبْـدَا!!. |