| منْ أَيْقظَ الريحَ قبلَ الصُّبحِ فانتفضَتْ |
| تَدُقُّ بابـي؟ كأني إِلْفُ مَسْراهـا |
| وبَكَّرَتْ تَلطُمُ الشُّبّاكَ في نَزَقٍ |
| فهل مُدانٌ أنا؟ |
| والدَّيْنُ أَغْراها؟ |
| أم تعرفُ الريحُ أني حاضِنٌ حُلمـاً |
| وفجْرُ طَلَّتـهِ النَّدْيـانُ آذاهـا؟ |
| فَشرَّدتْهُ |
| ولم أَمْلُكْ سوى حُلُمٍ |
| منَ الْحياةِ، وقد كُلِّفْتُ لُقْياها |
| وباغَتَتْني بمَجـروحِ الْعَويـلِ، ولي |
| مـع العويل حَكايـا لستُ أَنْساها |
| أَهكذا؟ وأنا الْمَزْروعُ في لُغَتي |
| أَنْفاسَ نارٍ |
| تُؤاخيني حُمَيَّاها |
| أَتَيْتِ صَوْبَ سَجـينٍ في رَهافَتـهِ |
| مُكَبَّلٍ بِرُؤىً |
| والصَّحْوُ رَوّاها |
| تُحَرِّكينَ ذُهـولَ الصَّمتِ خالِعَـةً |
| مَوْجاتِهِ بغتَةً مـن دِفْءِ مَجْراهـا |
| جرَّحْتِ صَمْتي، وقد خَبَّأْتُ أَسئِلَتي |
| مِنْ بعدِ ما خابَ رُغْمَ الشَّيْبِ مَسْعاها |
| وفـاضَ عَنِّي لساني فاختبأْتُ بِـهِ |
| كي لا تَراني حُروفٌ كنتُ إِيّاهـا |
| أقلقْتِ سَفَّانَةً يا ريحُ فانْفَلتَتْ |
| مِنْ وافدِ الرُّعْبِ عَنْ خَدَّيَّ كَفّاها |
| وأَنْشبَتْ ظُفْرَها في لَحْمِ حَنْجَرَتي |
| وحَمْلَقَتْ في ارْتعاشِ الْبابِ عَيْناها |
| وطَوَّقتْني |
| ولم تنطُقْ، بلِ انْكَمشَتْ |
| كالْمُسْتَغيثِ وصَمْتي كانَ يَرْعاها |
| وخَبَّأَتْ جسْمَها الْمَقْرورَ في نَفَسي |
| وأودعَتْ في وَجيبِ الْقَلْبِ نَجْواها |
| أَنْسَيْتِ سَفَّانَةً |
| كيفَ الْقَصيدُ انْحَنَى |
| يَصوغُ تأتأةً سالَتْ فَغَنّاها |
| بِحِبْرِ دمْعَتِها |
| تَجْلو ابتسامَتُها |
| مِنَ الْقصائدِ رُغْمَ الصَّمْتِ فُصْحاها. |
| يا ريحُ كيفَ تُخيفينَ الصِّغارَ، |
| وفي لَثْغاتِهم |
| من جِنانِ الطُّهْرِ أَزْكاها |
| كُفِّي إذَنْ مِنْ وِفاداتِ الأَذى وَدَعي |
| سَفَّانَةً في حُروفِ الشِّعْـرِ أَنْداهـا |
| لِتُتْقِنَ الشَّدْوَ في أَغْدائِهـا فَرَحـاً |
| وفي الدَّفاتـرِ تَتْلو اِسْـمَ مَوْلاهـا |
| مَهْلاً على سَمْعِها الْمَنْسوجِ مِن وَهَنٍ |
| ولُطْفِ مَلْمَسِ يُسْراهـا ويُمْناهـا |
| * * * |
| والثَّلْجُ ينقُرُ شُبّاكي مُعابِثَةً |
| أَظْفارُهُ البيضُ |
| ذِكْرى خَبَّأَتْ فاها |
| وهادَنَتْني زَماناً لا تُحَدِّثُني |
| إلاَّ لِماماً |
| إذا غادَرْتُ مَثْواها |
| فأَيْقَظَتْها بَنـانُ الثَّلْـجِ مِنْ فَـزَعٍ |
| لتَنْثُرَ الْحُزْنَ في حضْـنٍ تَحَاشاهـا |
| حتى الْكَنارانِ |
| دارا حَوْلَ فَرْخِهِما |
| اَلأُمُّ مَذْعورَةٌ |
| والزَّوْجُ واساها |
| كأَنَّهُ نَسِيَ التَّغْريـدَ مِـن هَلَـعٍ |
| فبادَلَتْهُ ظُنوناً، ما تَمَنّاها |
| والْفَرْخُ يَرْجفُ كَالْمَبْهوتِ بَيْنَهُما |
| كَمِثْلِ سَفَّانَةٍ مِمَّا تَوَلاّها |
| تَغَيَّرَتْ في مُقامي كُلُّ آلِفَةٍ |
| وازَّعْزَعَ الصَّمْتُ |
| هل في الصَّمْتِ مَرْعاها؟ |
| فَوَرْدَةُ الـدارِ خافَتْ مِنْ زِيارَتهـا |
| فَخَبَّأَ الثلجُ طيباً في ثَناياها |
| والْياسَمينَةُ تَعْـوي دونَمـا عَبَـقٍ |
| مِنْ لَسْعَةِ الْبَرْدِ، والتَّجريحُ غَطّاها |
| حَرَّكْتِ كُلَّ طُيورِ الثَّلـجِ فانْتَثَرَتْ |
| تَـرُشُّ حَوْلِـيَ أَنَّـاتٍ وَتَنْساهـا |
| * * * |
| هل تَحْسِبُ الريحُ أني نائِمٌ رَغَـداً |
| ومَضْجَعي هانِـئٌ حتى تَصَبَّاهـا؟ |
| فأرعَبَتْ حُلْوَتـي سَفَّانَـةً لتـرى |
| في أَوَّلِ العُمْرِ مـا تُهْديهِ دُنْياهـا |
| فَلَيْتَها الرِّيحُ تَدْري مـا أُكابِـدُهُ |
| لِيَتَّقي مَضْجَعـي الْجافي جَناحاهـا |
| يا ريحُ كُفِّي |
| فإني مُتْخَمٌ شَجَناً |
| وجَذْوَةُ الصَّحْـوِ في رُؤْيايَ مَرْقاها |
| تَهْمي فأَنظمُ أَوْجاعـي وأَبْلَعُهـا |
| وما تَراءى فَفَيْضٌ مِـنْ حَكاياهـا |
| وكُلَّما زارَني طَيْفٌ لِقافِيَةٍ |
| آنَسْتُ ناراً |
| وفي جَنْبَيَّ أَصْلاها |
| وصِرْتُ في ضَوْئِها كالصُّبْحِ مُنْبَلَجاً |
| أَعْلو وأَهْبـطُ في مُهْتَزِّ مَرْساهـا |
| وَالْعُمْرُ طَوَّقَـهُ حَـرْفٌ بِدائِـرَةِ |
| ما زِلْتُ أَجْهَلُ أَدْناهـا وأَقْصاهـا |
| خَمْسينَ عاماً ولم تَسْمَحْ لِسانِحَةٍ |
| مِنَ الْكَرى |
| أَنْ يرى غَمْضي مُحَيّاها |
| وفي تَجاعيدِ وَجْهـي أَلْفُ أُمْنِيَـةٍ |
| أَحالَهـا الدهـرُ أَطْلالاً وعَفّاهـا |
| وفَتَّقَ الشَّيْبُ في رَأْسـي سَحائِبَـهُ |
| وسـالَ حتى على الأَهدابِ تَيّاها |
| تَجاوزي مَوْقِعي يا ريحُ وانْطَلِقي |
| فليس في حَوْزَتي |
| إلاّ صَدىً تاها |
| مُشَتَّتٌ عَنْ أُصولِ الصَّوْتِ مُغْتَرِبٌ |
| وَلِلأُصولِ جُذىً حَرَّى تَلَظَّاها |
| * * * |
| لِمَنْ أُحاوِرُ؟ |
| هل للِريحِ ذاكِرَةٌ؟ |
| تَسْتَحْضِرُ الْمُتَخَفِّي في خَفاياها |
| فأَقْبَلَتْ تَتَقَصَّى ما أَنوءُ بهِ |
| منَ الضَّنى |
| أَمْ لِتُخْفي ما تَغَشّاها؟ |
| أَمْ أَنَّ زائِرَتي |
| عَمْياءُ لم تَرَني |
| وزَحْفُها خاطِئٌ |
| واللَّيْلُ أَدْناها؟ |
| يا ريـحُ لا تَفْرُدي مَطْوِيَّ ذاكِرَتي |
| ولا تُزيحي سِتـاراً عَـن مَراياهـا |
| فلن تَرَيْ غَيرَ أَوْزارِ السِّنينَ لُقـىً |
| تَزاحَمَتْ واحْتَوَتْـني في مَطاياهـا |
| إنْ تَهْدَ ئي |
| أَفْتَتحِ الْبابَ الَّذي اخْتَلَجَتْ |
| أَوْصالُهُ رَهَقاً |
| والْخَوْفُ أَوْهاها |
| فقد أُحاوِرُ مِلْءَ الصَّحْـوِ زائِـرَةً |
| وقد تَكونُ شُجوني مِـنْ هَداياهـا |
| مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ عَجْلى |
| تَزْحفينَ على سُجّادَةِ الثَّلْجِ |
| فاغْبَرَّتْ زَواياها |
| واسَّاقَطَتْ نَمْنَماتٌ عَن جَوانِبها |
| مِثْلَ الدُّموعِ |
| وذابَتْ تَحْتَ حُمّاها |
| هل كُنْتِ في فُسْحَةِ الصَّحْراءِ هاجِعَةً |
| وأَيْقظَتْكِ الضَّواري غِبَّ مَمْساها؟ |
| وهل لَمَسْتِ رَهافاتِ الْعَرارِ ضُحىً |
| وما تُرَتِّـلُ موسيقـى خُزاماهـا؟ |
| وهل رأيتِ نُجومـاً في مَسايِلِهـا |
| يَحْتالُ بينَ جِيـاد الْفَتْحِ أَعْلاهـا؟ |
| فخَفِّفي الْوَقْعَ وارْوي ما رأَيْتِ إذَنْ |
| طَيَّ الأُصولِ |
| فإنّي مِنْ بَقاياها |
| يَشُدُّني الزَّمَنْ الْمَهْزومُ عَنْ غَـدِهِ |
| لأَرْتَدي مِنْ بُرودِ الأمْسِ أَزْهاهـا |
| وأُبْصِرَ النَّاشِرينَ الضَّـوْءَ مُنْتَجَعـاً . |
| والْمُسْكِرينَ مِنَ الأحْلامِ ظَمْآهـا. |
| والْواهبينَ وما ضَنّـوا بمـا وَهَبـوا |
| إذْ عَمَّروا مِنْ صُروحِ الْحُبُّ أَسْماها. |
| وحَمَّلوا الْحَرْفَ في أُولى سَفائِنهِمْ . |
| وبَسْمَلوا |
| بين مَجْراها ومَرْساها |
| ورَصَّعوا الْكَوْنَ بالْقُـرْآنِ فاحْتَرَقَتْ . |
| منَ الْعُروشِ ببـدْءِ الزَّحْفِ أَعْتاها . |
| ورَتَّلوا مِنْ سَمَرْقَنْدٍ لِقُرْطُبَةٍ |
| أُنْشودَةً |
| لم تَزَلْ في الْكَوْنِ أَصْداها |
| يا ريحُ كَمْ ساهِراً في الْكَوْنِ تقْلِقُهُ |
| مِنَ الطَّواغيتِ |
| حتى ذابَ جَرّاها |
| * * * |
| يا ريحُ كيفَ اسْتَدارَ الضَّوْءُ |
| واحْتُبِسَتْ أَصْباحُهُ |
| في ليالٍ قد تَخَطّاها؟ |
| والزَّارِعونَ صحارى الأَرْضِ خُضْرَتَهُمْ. |
| تَكَوَّموا في يَباسٍ مِنْ صَحاراهـا؟ |
| وحَمْلَقـوا في سَماءٍ لا نُجومَ بهـا . |
| ولا سَحائِبَ تُنْدي مَـنْ تَشَكّاهـا |
| يَبْكونَ أَطْلالَهُمْ ظَمْآى |
| وتَنْدبهُمْ رَبيبَةٌ لِلْخَنى |
| ضَلَّتْ رَعاياها |
| سِتُّ الْجِهاتِ بَراءٌ مِنْ تَوَجُّههـمْ |
| والْحادِياتُ اخْتَفَتْ في لَيْلِ مَنْفاها . |
| والْبَوْصِلاتُ ضَبـابٌ دونَ رُؤْيَتِهِمْ. |
| وحالِكُ اللَّيْلِ أَعْطاهُـمْ وأَعْطاهـا . |
| خَفَّتْ مَوازينُهم في كُـلِّ حادِثَـةٍ |
| وشَرَّدوا مِنْ جيـادِ السَّبْقِ أَغْلاها . |
| وشَفَّعوا الْقُدْسَ في سَفَاحِها فَجَثَتْ . |
| تَدْعو لِقاتِلِها |
| مِنْ جورِ قَتْلاها |
| فَمَنْ رآى كَقَتيلِ الْقُدْسِ ذا مِنَنٍ. |
| أَعْطى لقاتِلِهِ |
| نُعْمى تَشَهّاها |
| بَراءَةً مِـنْ دَمِ مـا زالَ ساخِنُـهُ |
| مـا بَيْنَ صَخْرَتِها الْعُظْمى وأَقْصاها. |
| فهل عَرَفْتِ لِمَ الأَحْزانُ تلبسُـني |
| عَباءَةً، هَـرَّأَ التَّقْـليبُ مَرْآهـا؟ |
| * * * |
| يا ريحُ، دونَكِ داري |
| فادْخُلي خَبَباً |
| وأَيْقِظي مِنْ جِراحِ الْقَلبِ أَحْلاها |
| فالْحُزْنُ يَغْسلُ مَجْنونَ الْقَريضِ |
| وَما يَزُفُّ فَيْضُ الْقَوافي |
| حينَ يَلْقاها |
| سَفَّانةٌ هدأَتْ. كـوني صَديقَتَهـا |
| فالْعُنْفُ قاصِمَةٌ. تُرْدى بِصَرْعاهـا . |