شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
بقلم: عبد المقصود محمد سعيد خوجه
رُبَّ صُدفةٍ خَيرٌ من ألفِ ميعاد.. عبارة طرقت أسماعَنا مئات المرات.. بيد أنها في هذه المرة تلقي ظلالاً فريدة، وتترك أثراً عميقاً في النفس، حين يقترن في وجداننا أن نشر هذا الكتاب بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام (2005م) يوافق مرور مائة سنة بالتمام على ميلاد أستاذنا المربي الفاضل السيد أحمد بن محمد بن محمد بن رشيد العربي، المعروف بالسيد أحمد العربي، المولود بالمدينة المنورة سنة (1905م)، فما أكرمها من مناسبة نذكر من خلالها بكل الخير والفضل والعرفان ما قدمه هذا الرائد الأديب والمربي الكبير من جلائل الأعمال التي زينت جيد الثقافة والفكر والتعليم في بلادنا الحبيبة.
إن هذا الاحتفاء المزدوج يقودني إلى عام 1355هـ حين أصدر والدي مع صديق عمره معالي الشيخ عبد الله بلخير ((رحمهما الله)) الطبعة الأولى من كتاب ((وحي الصحراء)) متضمناً نماذج من شعر ونثر عدد من جيل الشباب آنذاك من منطقة الحجاز.. وكان من بينهم شاب حديث التخرج في ((كلية دار العلوم)).. إذ لم يمض على تخرجه خمس سنوات فإذا به يحتل مكاناً مميزاً بين أدباء تلك الحقبة، فالكتاب الذي ضم نماذج من أعمال اثنين وعشرين أديباً.. وشرفه الكاتب الكبير الدكتور محمد حسين هيكل بك بمقدمة إضافية، يمثل خطوة رائدة في مجال الطباعة والنشر، ويمنح من ساهم بالكتابة فيه قدراً يستحقونه عن جدارة واقتدار.. وليس بالغريب أن يكون أستاذنا السيد أحمد العربي((رحمه الله)) من بين تلك الكوكبة من فرسان ((وحي الصحراء)).
لقد امتاز أديبنا القدير بجملة من الصفات التي حملته إلى واجهة الصفوة من جيل النهضة الأدبية في المملكة العربية السعودية، فبالإضافة إلى تقلده العديد من المهام الرسمية في السلك التعليمي والإداري والتربوي، فقد كان ((رحمه الله)) ذا نزعة شديدة لمواكبة أحداث عصره، لم يكن منغلقاً ولا منعزلاً ولا انطوائياً بوهيمياً.. بل أسهم بجهود مقدرة في معترك الحياة، وساهم عملياً في إزكاء روح الدعوة بالقدوة الحسنة، والتضحية بالوقت والمال لتحقيق طموحاته في هذا المجال الخير.. ولعلّ الرحلة التاريخية التي قام بها إلى الشرق الأقصى، مع زميليه الأستاذين عبد الله الخطيب وشقيقه صالح الخطيب عام 1352هـ، أي بعد تخرجه واشتغاله بالتدريس لمدة سنتين فقط.. هذه الروح الوثابة الآسرة تجعل كل متتبع لهذه السيرة العطرة يتساءل عن هموم أي واحد من الجيل الحالي ممن يتيسر له العمل على مدى عامين فقط؟ ما هي همومه وميوله وآفاق تفكيره؟ وأحسب أن الإجابة البدهية التي يمليها واقع الحال لا تتعدى الحصول على سيارة من آخر طراز (بالأقساط) ومنزل مؤثث، وزوجة، ليعيش في ثبات ونبات (ويخلف صبيان وبنات) هذه هي الصورة النمطية التي أصبحت الشغل الشاغل لكثير من أبنائنا - إلا من رحم ربك - غير أن ذلك الرعيل كانت همومهم تحمل أبعاداً قد لا يستوعبها غيرهم، إذ كيف يتصور أحد أبنائنا اليوم أن مدرساً عاد مكللاً بالنجاح من بعثة علمية، يهجر الوظيفة ثم يركب البحر لمدة سبعة أسابيع ليحط الرحال في يابسة لم يعرف عنها شيئاً من قبل، بهدف إعطاء محاضرات وتدريس أبناء تلك المناطق في حقول العربية والدين، ويتم ذلك على حسابه الخاص، ودون دعوة رسمية أو غير رسمية، أو عقد عمل وتأمين طبي!! ومن نافلة القول أن مثل هذا العمل تقوم به الآن هيئات ومنظمات تتمتع بميزانيات ضخمة، ويعمل بين مكاتبها جيش من الموظفين، يحصلون على مكافآت أقلها الرواتب المغرية، وبدلات السفر وتذاكره الجوية، والإقامة الفندقية، والتنقلات بأحدث السيارات، وخدمات الهاتف والفاكس والسكرتاريا.. ولا أقلل من شأن ما يؤدونه من مهام، إلا إنني أحسب أن ما قام به أستاذنا أحمد العربي وصاحباه لا يقل مردوداً إيجابياً عن أي عمل دعوي معاصر، ويزيد عليه أن منهجه، وتوجهه، وزمام أمره، كان الحب.. حب هذا العمل العظيم الذي جعله يضحي بكل غالٍ ونفيس لكي يؤدي رسالة ويلبي نداءً أقلقا حياته، فنضى عنه ثوب السكينة والراحة، حتى إذا ما طابت نفسه عاد إلى وطنه ليواصل مشواره في دنيا الكلمة: تدريساً وتأليفاً وشعراً ونثراً وعملاً اجتماعياً دؤوباً.
لقد شرفت ((الاثنينية)) بتكريم أستاذنا الجليل بتاريخ 28/6/1403هـ الموافق 11/4/ 1983م.. ليكون المحتفى به رقم (11) في سلسلة أعلامها الأكارم الذين حظيت بشرف تكريمهم وقد بلغ عددهم حوالي ثلاثمائة عالم وأديب وشاعر ومهني من داخل وخارج المملكة.. فهو من الذين لهم فضل السبق في المساهمة في كتاب ((وحي الصحراء)) كما أسلفت، وله ذات الريادة في سلسلة أمسيات ((الاثنينية)) حيث اشتمل جزأها ((الأول)) على فعاليات تكريمه، وقد صدر منها حتى الآن ((عشرين)) جزء ولله الحمد.. هذا هو جيل الهامات السامقة، والتضحيات الجسيمة، جيل كانت المادة في ذيل اهتماماته، وعلى هامش اعتباراته، فقد شكَّل النبوغ ومعالي الأمور هاجسه الأول في الحياة، وعندما رحلوا عنا إلى دار البقاء، تجلت صحائفهم البيض بما كرسوا له شبابهم، وحملوا أمانته كأفضل ما يحملها الرجال الموفون بعهودهم.
وقد يرى المدقق في شعر أستاذنا الجليل أنه يمتاز برقة الحاشية، وانتقاء الكلمة البسيطة المعبرة، والتجافي عن غريب اللغة وحواشيها، كما أنه يميل كثيراً إلى الحكمة، وإسداء النصح، وأحسب ذلك نابع من طبيعته التربوية، وكثيراً ما يحض على العلم كسلاح بدونه لن تقوم للعرب والمسلمين قائمة.. أما رقته فهي من ذات المشكاة التي أمدت شعر الإمام الشافعي الذي أعجب به كثيراً، فأفردنا له فصلاً في هذا الكتاب، وقد سبق نشره في طبعتين سابقتين الأولى (1398هـ/1978م) والثانية (1404هـ/1983م) أصدرتهما (دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع) في سلسلة (المكتبة الصغيرة).
إن أساتذتنا، ورموز نهضتنا، يستحقون منا كل تقدير ووفاء، فعطاؤهم يمنحنا الزاد الحقيقي لرحلة المستقبل، ومن ليس له ماضٍ فليس له مستقبل.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله عملاً متقبلاً لوجهه الكريم، وينفع به المسلمين، ويوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى.
عبد المقصود خوجه
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1820  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 112
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج