شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
إن التصدي لكتابة التاريخ يزداد مهابة بازدياد مهابة المكان والمكين، فكيف الحال والمكان هو مكة المكرمة، والمكين هم أهلها الذين خرج من بينهم أفضل الخلق قاطبة، محمد الرسول النبي الأمي، الذي أثنى عليه الحق عز وجل بقوله وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
من أرض القداسات، وبجوار بيت الله الحرام، ألف أبو الوليد محمد بن عبدالله بن أحمد الأزرقي كتابه القيم "أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار" عام 789هـ الموافق 1369م، وهو من الكتب النادرة والتحف الثمينة، ويعدُّ أقدم كتاب عن تاريخ مكة، وتتسم أخباره ومواضيعه بالدقة، ويضم بين طياته نصوصاً أحسب أنه لا يمكن العثور عليها مجتمعة في موضع آخر، وهي نصوص لها أهمية كبيرة ومكانة بالغة الأهمية، ولا يستغني عنها الباحثون في تاريخ مكّة وتاريخ الإسلام وأوضاع ذلك الزمان.
وغالباً ما يتحدّث الجزء الأول من هذا الكتاب الموسوعي عن الجوانب التاريخية لمكّة المكرمة في العصر الجاهلي، وفترة ما قبل الإسلام.. وفي الجزء الثاني يتناول - إضافة إلى الجوانب التاريخية في العصر الإسلامي والفترة التي سبقت ظهور الإسلام - طرحَ المواضيع الفقهية المتعلقة بأعمال الحج وكيفية أدائه، وأهمية وفضيلة المشاهد المشرّفة.. ويبدأ هذا الفصل بالمواضيع المتعلّقة بالطواف، ثم يستطرد في سلاسة ووضوح ولغة بليغة واضحة في شرح أعمال الحج، مدعماً حديثه بالشواهد المناسبة من القرآن والسنة.. واصفاً المسجد الحرام، وكافة المشاعر المقدسة.
سيتضح للقارئ الكريم أهمية هذا الكتاب في الأبحاث التاريخية والإسلامية المختلفة.. حيث يمثل مصدراً هاماً ومورداً زاخراً بالمعلومات المتنوّعة.. ويجمع بين متعة القراءة الخاصة، وعمق البحث العلمي الرصين، وقد اشتمل كل من الجزء الأول والثاني على ملحقات ثمينة شكلت في مجملها تكملة للسياق الذي انتهى عنده النص الأصلي، وبذلك تعاظمت قيمة الكتاب لتغطيته حقباً متعاقبة يوضح ما انتهى إليه الأزرقي - وما أضيف بعد ذلك فهو للمحقق معالي الشيخ رشدي الصالح ملحس - وصلت حتى عهد جلالة الملك عبدالعزيز الفيصل آل سعود "رحمه الله".. وقد أحسن صنعاً الأستاذ الكبير الشيخ رشدي ملحس "رحمه الله" بتصحيحه هذه النسخة والتعليق على حواشيها ووضع فهارسها، فهو علم من أعلام عصره، وقد كان من مستشاري جلالة الملك عبدالعزيز "طيب الله ثراه" ونائباً لرئيس الشعبة السياسية بالديوان الملكي، التي كان رئيسها معالي الشيخ يوسف ياسين "رحمه الله" وهو أيضاً أحد مستشاري جلالة الملك عبدالعزيز "رحمه الله".. وجدير بالذكر أنه تولى رئاسة تحرير صحيفة "أم القرى" إثر دخول الملك عبدالعزيز "رحمه الله" مكة المكرمة عام 1343هـ.. ثم خلفه معالي الشيخ رشدي الصالح ملحس فوالدي رحمه الله كرئيس لتحريرها ومدير لمطبعتها.
وقد تواصل اهتمام كثير من الباحثين والدارسين بتاريخ مكة المكرمة، ومن أميز الأساتذة المتأخرين الذين عنوا بهذا الجانب الأستاذ أحمد السباعي "رحمه الله" صاحب كتاب "تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع والعمران". وكان والدي "رحمه الله" من الذين دعموا فكرة هذا الكتاب، فأثبت المؤلف ذلك في مقدمته التي جاء فيها نصاً (راودتني فكرة الكتابة عن تاريخ مكة في سن مبكرة من حياتي وشاركني الرأي في هذا زميل كان - يرحمه الله - من أنشط من عرفت من شبابنا هو المرحوم محمد سعيد عبدالمقصود وحاولنا معاً أن نشرع في الكتابة ولكننا وجدنا الموضوع أوسع من أن يستقصيه شخص واحد أو اثنان فأخذنا نتصل ببعض من عرفنا من الزملاء وكنا نؤمل أن نتضافر على دراسة الفكرة وكتابتها فاستجاب لنا بادئ الأمر أكثر من واحد ثم تراجعوا وتراجعنا مهزومين أمام ما يتطلبه موضوع البحث من جهد).
وأحسب أن هذا الافتتان بتاريخ مكة المكرمة كان حافزاً لوالدي لينهض مع أصحاب المطبعة الماجدية بطباعة الكتاب الذي بين يديكم عام 1352هـ.. متجاوزاً بذلك عدم الرضى الذي شعر به إثر عدم اكتمال مشروعه بشأن كتابة تاريخ مكة المكرمة مع صديقه الحميم الأستاذ الكبير أحمد السباعي "رحمهما الله".. حيث رحل والدي إلى دار البقاء عام 1360هـ، وأمد الله في عمر أستاذنا أحمد السباعي ليرى تحقيق حلمهما في كتابه الذي أشرت إليه آنفاً قبل أن يلحق بالرفيق الأعلى عام 1404هـ. بينما صدر الجزء الثاني من هذا الكتاب عام 1357هـ، ولعل السبب في هذا الفاصل الزمني قد يعود إلى انعكاسات الأوضاع العالمية التي ألقت بظلالها على كافة المنطقة أبان الأزمة الاقتصادية العالمية (1939م) وتأثيرها على إمدادات الورق عامة وفي منطقة الشرق الأوسط خاصة.. أو أن الظروف المادية لم تتح للناشرين دفع الكتاب إلى المطبعة بجزأيه في وقت واحد، فرأيا إصدار الجزء الثاني لاحقاً، أو لظروف أخرى غابت عنا ومن ثمَّ لا نستطيع التكهن بها.
ومن ناحية أخرى فقد شرف سعادة الأخ الأديب الجليل الأستاذ صالح محمد جمال "رحمه الله" بطبع كتاب الأزرقي عدة طبعات، وأضاف إليه - جزاه الله خيراً - كما أشار في مقدمته لطبعته التاسعة (1421هـ/ 2001م) ذيلاً عن التوسعة الجديدة والعمارة الرائعة للمسجد الحرام في العهد السعودي الزاهر خلال الأعوام 1375 - 1385هـ) وربما سها عليه الإشارة إلى الطبعة التي بين أيديكم، باعتبار أنها الطبعة الثانية، وتوثيقاً لهذه الحقبة بما تستوجبه أمانة التاريخ كتبت إلى سعادة الأخ الأستاذ فائز صالح جمال برقم 123/80/2003 وتاريخ 6/2/1423هـ الموافق 8/4/2003م، للتلطف باتخاذ ما يراه لإثراء معلومات القارئ وإثبات هذه المعلومة في الطبعات القادمة بمشيئة الله، وكشأن أي أصيل تربى في بيت علم وفضل كتب إليَّ بتاريخ 17/3/1424هـ الموافق 18/5/2003م قائلاً (وأعدكم بأننا بإذن الله سنثبت الإشارة إلى الطبعتين السابقتين في مكان مناسب في مقدمة الوالد يرحمه الله).. وبرفقه صورة ضوئية عن هاتين الوثيقتين.
وبما أن طبعة المطبعة الماجدية ووالدي "رحمه الله" قد نفدت تماماً من كافة المكتبات، فقد رأيت إعادة طباعتها في ثوب قشيب، احتفاء بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2005م.. مع الاحتفاظ بذات الطباعة التاريخية والإخراج اللذين تم بهما الأصل.. ويطيب لي في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى إدارة مكتبة الحرم المكي الشريف على تفضلهم إطلاعي على النسخة اليتيمة التي بحوزتهم لإنجاز هذه الطبعة التي بين أيديكم.
سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما جهلنا، وينفعنا بما علمنا، وأن يحفظ على حرمنا أمنه واستقراره، ويقصم كل من يرد زعزعته والعبث بطمأنينة أهله، وحجاجه وعماره وزواره، والله الموفق.. وهو من وراء القصد.
عبدالمقصود محمد سعيد خوجه
1425هـ/ 2005م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2371  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.