شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة - 1 -
(موسيقى القافلة حيث نسمع أجراس الدواب ووقع حوافرها وزئير الرياح والعواصف يعقبها صوت صرواح يقول):
صرواح: الريح صرصر، والرمال سافية يا رندة وكأنها نذر عاصفة عاتية.
رندة: يلوح لي أن هذه مقدماتها ولا أحد يدري ما نتائجها..
صرواح: لقد سرت في هذه الطريق عشرات المرات مع القوافل التجارية من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال فما واجهت مستديمة بهذا الشكل عاصفة اليوم..
رندة: إنها ليست رياح بل سمائم يا صرواح تلفح وجوهنا حتى تكاد تحرقها.. مع أننا نسير في أواخر النهار فكيف لو كنا نسير في الهاجرة..
صرواح: كنا احترقنا.
رندة: هل الطقس في هذه الجهات حار طوال السنة؟
صرواح: لا ولكنه حار في أكثر أيام السنة.
رندة: إذن فنحن في موسم القيظ بهذه الجهات..
صرواح: موسم القيظ بهذه الأماكن لم يبتدىء بعد يا رندة..
رندة: فما بال هذه السمائم تهب في موسم غير الصيف.
صرواح: إنها على غير عادتها والغريب أنها تواكبنا منذ خروجنا من بلاد الكنعانيين في طريقنا إلى اليمن..
رندة: لعلّه سوء طالعي فأنا أجيء هنا لأول مرة بعد أن تزوجنا ويا له من استقبال وترحيب حار من الصحراء أخشى أوار حبه يدفننا بين كثبانها..
صرواح: أراك متشائمة وخائفة يا رندة.. ستتمرسين زوابع الصحراء وستستمرئين حياتها بعد رحلتك هذه فأنت قادمة من مكان في أقصى الشمال من بلاد الكنعانيين..
رندة: عليّ أن أوطن نفسي على هذه الحياة بعد أن قبلت بك بعلاً لي..
صرواح: أرجو ألا تكون قد ندمت في تسرعك بقبولي زوجاً لك..
رندة: أترى في عباراتي ما يوحي إليك بذلك..
صرواح: لا ولكني آمل أن لا يكون ساورك شيء من الندم..
رندة: لا يا صرواح فداك أبي وأمي..
صرواح: سلمت لي ولأبيك وأمك.. إن العواصف والرمال الزاحفة على خطورتها هي التي تبدد الملل والضجر اللذين يستوليان على المرء وهو يقطع هذه الفيافي والقفار الموحشة..
رندة: صدقت يا صرواح فهذه المزعجات والمنغصات تصرف جانباً كثيراً من السأم الذي ينتاب المسافرين في الصحراء..
صرواح: على كل حال أرى الريح قد بدأت تسكن والعواصف تهدأ ونحن ندخل هذا الوادي الأجرد..
رندة: إنني لست مستوحشة ولا قلقة قدر اهتمامي وقلقي على الطفل الذي أراه مع أمه ووالده أو لعلّه جده..
صرواح: إنني أرثي معك لهم ولكن..
رندة: ولكن ماذا؟
صرواح: أرى قائد هذه القافلة يهتم بأمر هذا العجوز والمرأة والطفل.
رندة: حبذا لو جئتنا بمعلومات عنهم فإني جد مشتاقة لتنسم أخبارهم..
صرواح: سنهجع بهذا الوادي وسوف تذهبين معي لنعرف أخبار إبراهيم ومن معه..
(نسمع رغاء الإبل وضجيج ركابها يختلط بموسيقى مناسبة يعقبه صوت وشمة يقول):
وشمة: لا أدري ماذا فعل الرب برندة يا (ذؤيب).
ذؤيب: إنها وصرواح يمخران الآن عباب الصحراء.. يا وشمة..
وشمة: لهفي عليك يا رندة من وهج الشمس ورمال الصحراء..
ذؤيب: لقد أرادت هذه الحياة بعد أن بصرناها بها..
وشمة: يا لصرواح.. إنه ساحر.. فتنها بعذب حديثه وبطائفة من أقاصيص بلاده وعجائبها..
ذؤيب: يلوح لي أنه فتى شجاع مقدام شهم نبيل..
وشمة: لو لم نر فيه هذه الصفات ونتلمس فيه تلك الخصال ما قبلنا به زوجاً لابنتنا.. ولكن..
ذؤيب: ولكن ماذا؟
وشمة: إنه البعد أين نحن من اليمن.. إن رندة في أقصى الجنوب ونحن في أقصى الشمال..
ذؤيب: يقولون إن جو اليمن يشبه جو أرضنا ومناظره لا تقل روعة عن بلادنا..
وشمة: أرجو أن تكتب لهما السعادة والهناء..
ذؤيب: هذا ما يجب أن نتمنى وندعو الرب لهما..
وشمة: ولكني لا أدري يا ذؤيب.. كيف أستطيع الصبر على فراقها لقد خرجنا من الحياة بهذه الابنة الوحيدة فكيف فرطنا فيها..
ذؤيب: عدنا للحديث عن الإفراط.. إننا لم نفرط في ابنتا وإنما هي التي اختارت وقد وافقناها على اختيارها بعد أن تأكدنا من حسن ما اختارت..
وشمة: هذا صحيح ولكن قلب الأم يختلف عن قلب الأب..
ذؤيب: بلى.. بلى.. ولكنك ستصبرين مع الأيام ثم..
وشمة: ثم ماذا؟
ذؤيب: لقد وعد ((صرواح)) أن يأتي ((برندة)) إلينا كل ما تيسر له ذلك..
وشمة: يا له من وعد بعيد..
ذؤيب: إنه خير من العدم.. كذلك لا تنسى أنها رحلة طويلة شاقة بالنسبة إلى ابنتنا ((رندة)).
وشمة: هذا صحيح وعلى كل حال لا مندوحة من الصبر.. وسأصبر..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت صرواح يقول):
صرواح: أرأيت جبروت قوم إبراهيم وكيف أنهم حاولوا حرقه لأنه سفه آلهتهم ودعاهم إلى عبادة إله واحد خلقهم وآباءهم الأولين..
رندة: حقاً إنهم قوم جبّارون ولا سيما وقد برهن لهم بالدليل الملموس أن أصنامهم لا تضر ولا تنفع وأنها عاجزة عن أن تدفع الأذى عن أنفسها فكيف عن غيرها..
صرواح: ومع كل هذه البراهين أصروا على إحراقه فأنجاه ربه حين أمر النار بأن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم..
رندة: وبالرغم من هذه المعجزة فلم يؤمن بإبراهيم إلا نفر من قومه هاجروا معه إلى بلاد الكنعانيين حيث تزوج بسارة..
صرواح: وسارة هي التي كانت السبب في أن تعرف بالنبي إبراهيم وتسلم على يديه ولكن..
رندة: ولكن ماذا؟
صرواح: أن يجري شيء للطفل إسماعيل من وراء هذه الرحلة الشاقة فإنما هو بسبب غيرة سارة يا ويلنا من غيرتكن التي تجري في دمائكن فتعمي أبصاركن.. قولي..
رندة: أقول ماذا؟
صرواح: لو رأيتني يا رندة ويدي في يد أنثى غيرك ماذا تصنعين..؟
رندة: أقسم لو رأيتك لكنت في عداد الهالكين.. ثم..
صرواح: ثم ماذا؟
رندة: أراك تقول هذه العبارة بكل بساطة وكأنك لا تدري أنك عندما تقولها أحس بشوك كأنه شوك القتاد ينغرز في جسدي.. مع كل كلمة..
صرواح: يا إلهي.. هذا ما اعتراك من كلام تذروه الرياح فكيف لو كان حقيقة..
رندة: إياك ثم إياك أن تفكر في مثل ذلك حتى لو في الخيال..
صرواح: على كل حال أليس من حق سارة أن تغار من هذا الغلام وهو كما رأيت آية في الجمال..
رندة: بلى .. بلى من حقها أن تغار من الطفل ومن أمه التي ما رأت عيني ولا أبصرت في حسنها وخلقها وكمالها..
صرواح: إذن فهي على حق إذا ما طلبت من زوجها إبراهيم أن يبعد الطفل وأمه..
رندة: أجل يا صرواح أجل.. ولكن..
صرواح: ولكن ماذا؟
رندة: أين يا ترى سيذهب إبراهيم بالطفل وأمه..؟
صرواح: استحيت أن أسأل النبي إبراهيم عن وجهة سيره لأنني فتنت بحديثه وآيات نبوته.. كذلك أنت فقد بقينا مصغين وكأن على رؤوسنا الطير..
(نسمع رغاء الإبل وضجيج المسافرين يختلط بموسيقى مناسبة نسمع بعدها صوت رندة تقول):
رندة: صرواح أرى إبراهيم وزوجه والطفل ينزلون أمتعتهم بهذا الوادي.. يا إلهي ماذا يصنعون به وهو واد غير ذي زرع.
صرواح: حقاً إنه واد موحش غير مأهول..
رندة: وكيف يكون مأهولاً ولا ماء به..
صرواح: هاهم ينزلون أمتعتهم عن ظهور الجمال..
رندة: أية أمتعة يا صرواح ولا أرى معهم إلا سنة ماء وجراب تمر.. يا إلهي ماذا يفعلون بهذا الوادي المحرق..
صرواح: صه يا رندة إنه نبي وما هاجر إلى هذه البلاد إلا بأمر من ربه.. انظري..
رندة: انظر ماذا؟
صرواح: إن النبي إبراهيم يودع هاجراً وابنها..
رندة: ويتركهما وحيدين بهذا الوادي الأجرد..
صرواح: هلمي نقترب منهما لنودعه..
رندة: صه يا صرواح صه.. إن هاجر تمسك براحلته وتقول له: إلى أين تذهب وتتركنا بهذا المكان الموحش ولا أنيس به..
صرواح: يا إلهي.. إنه لا يجيبها بل يمتطي راحلته وهي تكرر قولها الأول..
رندة: صه يا صرواح إن هاجر تقول أيضاً وقد أصر على مسيره.. الله أمرك بهذا يا إبراهيم فيقول لها نعم فتقول رضيت بأمر الله.. الله لا يضيعنا..
صرواح: أما قلت لك يا رندة أن النبي إبراهيم لم يخلف زوجته وطفلها بهذا الوادي القاحل الأجرد إلا بأمر من ربه..
رندة: أجل.. أجل.. آمنت بك يا رب إبراهيم.. آمنت بك يا رب إبراهيم..
صرواح: أقسم يا رندة وأنا غير حانث أن هذا الوادي سيشهد أحداثاً ضخمة ستكون حديث الناس في كل زمان ومكان..
رندة: يخيل لي أنك صادق في نبوءتك..
صرواح: هيا بنا نودع هاجر وابنها فالقافلة على وشك المسير..
رندة: ونتركها لمن؟
صرواح: نتركهما إلى رحمة الله وعينه التي لا تنام..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت ذؤيب يقول):
ذؤيب: ليتنا رحلنا مع رندة يا وشمة كنا أمنا ويلات الحرب الضروس المستعمرة حالياً بين الحيثيين والفراعنة..
وشمة: كلمة يا ليت لا تعمر بيتاً يا ذؤيب كما يقول المثل.. المهم يجب أن نفكر في الابتعاد عن ساحة المعركة..
ذؤيب: كيف نستطيع الابتعاد والمعركة محتدمة أمام مدينتنا التي توشك أن تسقط في أيدي الحيثيين..
وشمة: يا ويلنا من الحيثيين يا ذؤيب..
ذؤيب: بل قولي يا ويلنا من الغالب والمغلوب فنحن كالبربين شقي الرحى هذا يطحننا وذاك يطحننا.. والرب يسترنا من مجيء عدو آخر يذرونا في الرياح..
وشمة: ما العمل يا ذؤيب.. إن طبول الحرب تقترب من أبواب المدينة وأخشى ما أخشاه من الحصار فإننا لم نستعد له..
(نسمع قرع طبول الحرب مصحوباً بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت ذؤيب):
ذؤيب: لا مجال للهرب يا وشمة وعلينا أن نوطن أنفسنا على قول الأمر الواقع.
وشمة: يا ويلنا من الحروب متى يا رب تنقطع الحروب ويرفرف السلم والاستقرار على ربوع هذه المنطقة..
ذؤيب: إنك تطلبين المستحيل يا وشمة فما دام في الميدان دولتان قويتان تتصارعان على هذه الفريسة فلن يكون هنالك استقرار..
وشمة: يجب أن نفكر في مبارحة هذه المنطقة عندما تلوح أو بارقة للاستقرار والصلح..
ذؤيب: إلى أين؟
وشمة: إلى حيث تقيم رندة..
ذؤيب: أتظنين أن الوضع عندها أكثر استقراراً وهدوءاً.. لا يا وشمة لو اطلعت على الغيب اخترت الواقع.. على الأقل..
وشمة: على الأقل ماذا؟
ذؤيب: نحن نعيش في مكان أكثر حضارة وتمدناً من البلاد التي تعيش فيها رندة.. فاحمدي ربك على ما أنت فيه خشية أن تفقديه..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة تختلط برغاء الإبل وأجراس الدواب ووقع حوافرها نسمع بعدها صوت حناطة يقول):
حناطة: يا قوم لقد ودعتم آخر مكان تجدون فيه الماء والكلأ بعد أن غادرتم اليمن في طريقكم إلى الشام.. فاملأوا أوعيتكم واقتصدوا في الشرب..
نابل: صدق حناطة يا قوم فنحن ندخل الواد الأجرد القاحل حيث لا عشب ولا ماء، حيث الحر الشديد المحرق..
أصوات: انظر يا حناطة.. انظر يا نابل..
حناطة: ماذا انظر يا قوم.. انظر يا نابل فأنت في مقتبل العمر وبصرك أحد من بصري..
نابل: إني أرى طائراً يحوم على مرتفع عالٍ..
أصوات: إنه طير على ذلك الجبل الأسود.. ألا تراه يا نابل؟
حناطه: لقد مررت بهذا الوادي عدة مرات فلم أر بل لم ير أحد من رفاقي أي طائر.. إنه لا شك يحوم على جيفة أو ماء..
أصوات: ماء.. ماء..
حناطه: ابشروا يا قوم بالماء.. ابشروا..
((ثم ينادي))
نابل، نابل!
نابل: نعم يا عماه..
حناطه: خذ معك بعض الفتيان واسبق الركب واستكشف المكان الذي يحوم الطير فوقه ونحن في أثرك..
نابل: أمرك يا عماه..
(موسيقى تواكب مسير نابل تختلط برغاء الإبل ووقع حوافر الدواب نسمع بعدها أصوات الفتيات يقولون):
أصوات: ألا ترى هناك شيئاً يا نابل؟
نابل: بلى.. بلى..
أصوات: أي شيء هو؟
نابل: إنه يشبه إنساناً لا حيواناً.
أصوات: هنالك شخصان لا شخص واحد..
نابل: أراهن أنه أنثى وطفل..
أصوات: يا لحدة بصرك يا نابل، أجل إنهما أنثى وطفل بجانبها والماء أمامهما..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :714  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 59 من 63
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الرابع - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج