شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 4 ـ
هند: يا إلهي أهو انتقاضي أهل طرابلس الغرب..؟
سلمى: يقيني أن النداء كان لهذا ولا شيء سواه..
هند: وهذه تجربة جديدة أدخل فيها يا سلمى.. إنها تجربة القتال في وسط المدن وبين الشوارع والمنازل..
سلمى: عسى أن يوفق رويفع في القضاء على المتمردين..
هند: أرجو من الله.. أرجو من الله.. إنها أيضاً تجربة جديدة لرويفع..
سلمى: لا أظن يا هند.. فقد تمرس مثل هذه المفاجآت في حروب الشام وفلسطين..
هند: جاءك الخبر يا سلمى.. عدد من الجرحى والمصابين..
سلمى: يلوح لي أنها معركة شوارع وأزقة يا هند.. انظري..
هند: انظر ماذا؟
سلمى: الجرحى مصابون بالحجارة والسكاكين والعصي والمدافىء والمواقد..
هند: وهذه أسلحة حرب الشوارع..
سلمى: أرجو ألا يكون ذلك مقدمة إنزال بحري من الروم..
هند: البحر أمامي يا سلمى ولا أرى فيه أثراً لسفن أو قوارب كبيرة.. لا أرى إلا قوارب الصيادين ومع ذلك فللمسلمين قوة كبيرة على الشاطىء لصد المغيرين..
سلمى: أترين البحر من هنا يا هند.. ما شاء الله.. إن لك باصرة زرقاء اليمامة.. فنحن نبعد كثيراً عن البحر..
هند: ولكن المكان المعد لنا عالٍ ونستطيع منه مشاهدة البحر..
سلمى: إذا كانت لنا عيون زرقاء اليمامة..
هند: ألا ترين البحر حقاً يا سلمى..؟
سلمى: لا أراه إلا في الصباح الباكر وعندما لا يكون في الأفق أي ضباب أو سحاب يعني عندما يكون الأفق صافياً وندر أن يكون فالرطوبة في هذا البلد شديدة..
هند: ولم لم تعالجي عينيك؟
سلمى: وهل تركت الحروب لها مجالاً للمعالجة أننا ما نخرج من معركة إلا لندخل أخرى ثم أننا على سفر دائم والعلاج يحتاج إلى استراحة طويلة..
هند: كانت فرصتك للعلاج عندما كنا بمصر يا سلمى..
سلمى: لقد ضاعت ولا مجال للندم على ما فات..
هند: قد تتهيأ فرص أخرى فاهتبليها يا أختاه فليس شيء أثمن من النظر..
سلمى: صدقت وأرجو أن تتهيأ الظروف والفرص..
(نسمع صوت المنادي يقول):
المنادي: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. قضي على الفتنة في مهدها فاحمدوا الله على ذلك..
هند وسلمى: الحمد لله.. الحمد لله..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت معاوية بن خديج يقول):
معاوية: بورك فيك يا رويفع.. بورك فيك.. لقد وفقك الله فقضيت على الفتنة في مهدها..
رباح: حقاً يا معاوية.. لقد كان رويفع بارعاً في حرب الشوارع..
جابر: لم يكن لي نصيب لأرى رويفع وهو يقاتل من زقاق إلى آخر ومن شارع إلى طريق فقد أوكل إليَّ حراسة الشاطىء من أيّ إنزال قد يكون العدو أعدَّ له..
رويفع: إنكم تثيرون غروري أيها الأخوة.. في الحقيقة لعبت دروعنا وخوذنا دوراً كبيراً في تحمل ضربات الأهلين..
معاوية: تقصد قذائف الحجارة والجرار والمداهن والمواقد..
رويفع: أجل يا معاوية.. لقد استعمل الأهلون كل ما تصل إليهم من هذه الأدوات..
رباح: يا إلهي.. أن أنس لا أنسى وأنا أطارد المتظاهرين حين رميت بموقد ضخم من سطح بيت لو نزل على رأسي لا لصقني بالأرض ولكن..
معاوية: ولكن ماذا؟
رباح: الله سلمني واستطاع بعض من كانوا معي أن يرموهم بالسهام فتساقطوا من أعلى البيت صرعى على الأرض..
معاوية: المهم..
رويفع: المهم ماذا يا بن خديج؟
معاوية: أن نعرف ما هي الأهداف البعيدة من وراء تلك الفتنة؟
رويفع: احتلال طرابلس الغرب قبل مجيء الحملة الإسلامية بقيادة ابن أبي سرح..
معاوية: ولكن الفتنة كلفت مثيريها غالياً..
رباح: صدقت لقد كان الثمن باهظاً..
جابر: ونحن قدمنا يا بن خديج شهداء في هذه الفتنة كانوا فوق العشرين..
معاوية: أما المتمردون؟
رويفع: فبالمئات يا بن خديج.. لقد اضطررنا للبطش والضرب بشدة حتى لا يتجرؤوا على القيام مستقبلاً..
معاوية: ويح الروم ما أشد عداءهم للمسلمين..
رويع: إنه زحام على السيادة يا بن خديج.. فالروم كانوا سادة هذه البلاد وقد جئنا وزاحمناه على هذه السيادة وانتزعناها منهم.. فكيف لا يحقدون علينا..
رباح: هذا شيء طبيعي ولا سيما وسكان طرابلس الغرب جلهم من الروم وبينهم قليل من البربر..
معاوية: أكان بين القتلى عدد كبير من البربر يا رويفع؟
رويفع: لا.. كانوا يعدون بالأصابع.. لقد استمر القتل بين الروم الذين قاتلونا قتالاً مريراً..
جابر: يخيل إلى أننا لن نستطيع القضاء على الروم في هذه الجهات إلا إذا كان لنا أسطول أعني لدينا مساندة بحرية..
معاوية: سمعت أن الخليفة عثمان قد أذن للمسلمين بركوب البحر..
رباح: أتقول حقاً يا ابن خديج.
معاوية: ألم تسمع به.. ألم أقله لكم..
جابر: لا.. لعلّي ورباح نسمع بذلك لأول مرة ولعمري أنها بشرى ما بعدها بشرى..
رويفع: ليتهم إذن يمدوننا ببعض السفن البحرية لنغزو جزيرة (جربة) التونسية فإنها مركز التجمع للروم والبربر ومصدر للمتسللين إلى طرابلس الغرب..
معاوية: سأكتب إلى ابن أبي سرح بذلك..
رباح: أتراهم يستطيعون مدنا بالسفن وهم في بداية إنشاء أسطول بحري.. وسفن الروم للأسطول الإسلامي الناشىء بالمرصاد..
معاوية: إن هي إلا محاولة فعسى أن تتحقق..
رويفع: أتظن حملة بن أبي سرح يواكبها أسطول بحري..
معاوية: لا أستطيع الجزم ولكن من مقتضيات الحملة أن يواكبها أسطول بحري لإمدادها بما تحتاج من مؤن وعتاد..
رباح: أترانا دخلنا في عصر الأساطيل..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت جرجير يقول):
جرجير: لقد استطاع المسلمون إبادة المتسللين وإخماد الفتنة في مهدها وبسرعة مذهلة..
ثيودور: إنهم - كما يظهر - متيقظون ومستعدون لكل الاحتمالات ثم..
جرجير: ثم ماذا يا ثيودور؟
ثيودور: قائد المتسللين لم يتقيد بتعليماتي فقد قام بالثورة قبل أن يقترب أسطولنا من شاطىء طرابلس الغرب..
جرجير: يقيني أن المسلمين لو رأوا أسطولنا لأسرعوا لمقاومته ولكانت الفرصة مؤاتية للمتسللين وقائدهم أن يضربوا المسلمين من خلفهم ولكنه أسرع..
ثيودور: فلقي مصرعه هو ونخبة من رجالنا المجرمين في حرب الشوارع والأزقة..
جرجير: ما العمل إذن؟ ما العمل؟..
ثيودور: رأيي المتواضع أيها الملك..
جرجير: قل لا عليك.. قل..
ثيودور: تكمل معداتنا واستعداداتنا للقاء حملة المسلمين المرتقبة التي إذا استطعنا القضاء عليها قطعنا دابر المسلمين في شمالي إفريقية..
جرجير: بكل تأكيد.. بكل تأكيد.. ويجب عليك أيها القائد..
ثيودور: نعم يا مولاي نعم..
جرجير: أن تجعل من جزيرة ((جربة)) مركزاً لتجمع اساطيلنا وأن تعتني بتحصينها بحيث لا تستطيع أية قوة للمسلمين الاستيلاء عليها..
ثيودور: وأنَّى للمسلمين أن يستطيعوا.. إن قوتهم البحرية قوة ناشئة لا تستطيع أن تحمي شواطئهم المترامية الأطراف.. ثم إن أسطول الإمبراطور لهم بالمرصاد..
جرجير: هذا صحيح.. ولكن الحذر واجب ومطلوب أيها القائد..
ثيودور: سأقوم بتنفيذ أمرك يا مولاي في الحال..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت هند تقول):
هند: أترى الروم يستكينون بعد هذه اللَّطمة التي تلقوها إثر الفتنة التي أثارها يا سلمى؟
سلمى: لا أظن يا هند بل علينا أن نظل دائماً على استعداد وحذر.. تصوري لو لم نكن مستعدين حين الفتنة ماذا كان عليه مصيرنا الآن..
هند: الأسر والهوان ولكن..
سلمى: ولكن ماذا؟
هند: متى ينتظر وصول حملة ابن أبي سرح؟
سلمى: لست أدري يا هند ولكن يخيل إلى أن وصولها قد اقترب..
هند: سنظل على هذه الحال من حرب الأعصاب والشائعات والتكهنات حتى تصل الحملة وتقع المعركة التي أقدر أنها ستكون حاسمة..
سلمى: لا أظن إنها ستكون معركة حاسمة يا هند بل هي البداية لمعارك طاحنة بيننا وبين الروم والبربر في سبيل نشر الإسلام في إفريقية..
هند: إذن فأنت تقدرين أن سرانا سيكون طويلاً..
سلمى: وطويل جداً يا أختاه.. فالروم لن يتركوا هذه اللؤلؤة السوداء إلا على أشلائهم..
هند: والمسلمون لن يتراجعوا عن الدعوة في سبيل الله..
سلمى: وسيكون صراع مرير..
هند: ولكنه سينتهي بإذن الله بالنصر للإسلام وأهل الإسلام..
(نقلة صوتية نسمع بعدها زئير الرياح وصفير العواصف وسفي الرمال تختلط بموسيقى مناسبة نسمع بعدها صوت رباح يقول):
رباح: إنها نذر العاصفة يا جابر..
جابر: أرى عاصفة هوجاء اللَّهم أجرنا منها واصرف عنا شرورها..
رباح: إنها تذكرني بعواصف بلادنا..
جابر: إنها الصحاري الواسعة التي تقع في جنوبي هذه البلاد هي مصدر هذه العواصف..
رباح: إذن فطبيعة هذه البلاد وبلادنا واحدة..
جابر: عندنا صحراء الجزيرة وعندهم الصحراء الكبرى وهي أكبر صحاري في الدنيا..
رباح: ماذا تقول يا جابر.. أكبر صحاري في الدنيا.. من أين علمت؟
جابر: علمت ذلك من أهل طرابلس الغرب الذين بدؤوا يأنسون إلينا وكذلك من بعض الذين دخلوا في الإسلام من المتعلمين منهم..
رباح: يا إلهي.. إنها ريح عاتية أخشى أن تدفن رمالها مدينة طرابلس وتدفننا معها..
جابر: أتظنها الريح التي سخرها الله على قوم عاد.. ولكننا والحمد لله مسلمون..
رباح: يا رب! يا رب! إنني خائف يا جابر.. إنني أخشى..
جابر: خائف.. وتخشى من أي شيء؟
رباح: أخشى أن تتعرض حملة ابن أبي سرح لعاصفة عاتية كهذه.. نحن في المدينة وفي بيوت محكمة ومع ذلك فالعاصفة تكاد تخنقنا رمالها فكيف بإخواننا في العراء..
جابر: لا تخشى عليهم فالله معهم.. الله معهم..
رباح: يا إلهي متى يأتينا البشير بأخبارهم حتى يفرغ روعي وتطمئن نفسي..
جابر: قم بنا نصلي ونبتهل إلى الله تعالى أن يكتب لنا ولهم السلامة..
رباح: قم بنا.. يا رب.. يا رب..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت معاوية بن خديج يقول):
معاوية: أراك مغبر الوجه أشعث الرأس يا رويفع فأين كنت؟
رويفع: كنت أتفقد مواقع حاميتنا وأطمئن عليهم من هول هذه العاصفة التي لم أعهد في حياتي لها مثيلاً..
معاوية: بورك فيك.. بورك فيك.. كيف وجدت رجالنا؟
رويفع: أنهم بخير يا بن خديج.. بخير ولله الحمد وإن كانوا في كرب من الرمال السافية..
معاوية: وكيف النساء؟
رويفع: النساء خشيتهم العاصفة يا بن خديج..
معاوية: أتقول خشيتهم أم غشيتهم؟
رويفع: بل خشيتهم وربي..
معاوية: كيف يا رويفع كيف؟
رويفع: المكان الذي يعسكرون فيه مرتفع..
معاوية: بلى.. بلى..
رويفع: ورمال العاصفة كانت تتكسر على جوانب التل الذي يعسكرون عليه فلا يصل إليهم إلا قليل من بلائها.. ولكنهن..
معاوية: ولكنهن ماذا؟
رويفع: كن قلقات خائفات علينا..
معاوية: وزيارتك لهن طمأنتهن علينا وخففت من غلواء وحشتهن وخوفهن..
رويفع: أجل يا بن خديج.. أجل..
معاوية: ولكن قل لي..
رويفع: أقول لك ماذا؟
معاوية: كيف قمت بهذه المخاطرة..
رويفع: كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته.. وأنا خشيت على هؤلاء الذين أصبحت مسؤولاً عنهم من جهة وإخوتي في العقيدة والسلاح من جهة أخرى فتوكلت على الله ثم..
معاوية: ثم ماذا؟
رويفع: خشيت أن ينتهز الروم وأهل طرابلس الغرب الذين ولا شك قد تعودوا على مثل هذه العواصف.. خشيت أن ينقضوا على رجالنا وتكون الكارثة لا قدر الله..
معاوية: الله أكبر.. الله أكبر هكذا يكون الرجال الذين يقدرون المسؤولية حق قدرها بورك فيك بورك فيك.. الآن أدركت سر نجاحك في كل عمل يناط بك..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت جرجير يقول):
جرجير: ماذا تقول يا ثيودور؟
ثيودور: جيش المسلمين وصل طرابلس الغرب..
جرجير: هل تأكد من عدد افراده؟
ثيودور: إنهم يربون على العشرين ألف مقاتل؟
جرجير: عشرون ألف مقاتل؟
ثيودور: أجل يا سيدي المليك..
جرجير: سندفنهم على رمال شواطئنا.. أهذه هي الحملة التي راجت عنها الشائعات الكثيرة.. عشرون ألف.. عشرون ألفاً سنقضي عليهم في أول لقاء..
ثيودور: أرجو ذلك يا سيدي..
جرجير: بل يجب أن يكون.. قل لي..
ثيودور: سيدي..
جرجير: أتريد أن تنتظر سيرهم إلى قرطاجنة أم ترى أن نهاجمهم وهم في طرابلس الغرب..
ثيودور: أرى - والرأي لسيدي الملك - أن ننتظرهم هنا فنحن الذين يجب أن نقرر مكان المعركة ومتى تبدأ.. ثم...
جرجير: ثم ماذا يا ثيودور؟
نيودور: طرابلس الغرب مدينة حصينة وأخشى لو هاجمناهم هنالك فلن نستطيع أن نأتي بنتيجة.
جرجير: حسناً.. حسناً فليكن كما رأيت فأنت القائد المسؤول..
ثيودور: بل أنا الخادم في ركاب مولاي..
جرجير: هل جيش المسلمين البري يواكبه أسطول بحري؟
ثيودور: لا يا سيدي..
جرجير: إذن فالدائرة ستدور عليهم.. قل لي..
ثيودور: سيدي..
جرجير: ما اسم قائد حملة المسلمين..
ثيودور: عبد الله بن أبي سرح وهو والي مصر أيضاً..
جرجير: إذن فهو الرأس الأول الذي يجب أن يحمل إليَّ في طبق. ناد في الجيش يا ثيودور..
نيودور: ماذا أقول لهم يا مولاي؟
جرجير: من يقتل عبد الله بن أبي سرح له مائة ألف دينار وأزوجه ابنتي..
(ويضرب ثيودور كفه ويقول):
ثيودور: نداء جميل.. نداء عظيم.. سوف يفت في عضد عبد الله بن أبي سرح.. سوف يرهبه سوف يخيفه..
(نسمع هرجاً ومرجاً وضجيجاً تختلط بموسيقى مناسبة نسمع بعدها صوت جرجير يقول):
جرجير: ما هذا الهرج والمرج يا ثيودور.. اذهب وانظر..
ثيودور: بالأمر يا سيدي..
(يذهب والموسيقى مصاحبة بينما يقول جرجير لنفسه):
جرجير: أأزوج ابنتي.. حبيبتي لمن يأتني برأس قائد المسلمين قد يقوم بذلك أحد البربر أو العبيد أزوجه ابنتي.. لا.. سأغريه بالمال.. سأغريه بالمال..
(يدخل ثيودور فيقول له جرجير):
جرجير: ما وراءك يا ثيودور؟
ثيودور: رسول من قائد المسلمين..
جرجير: رسول من قائد المسلمين..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :944  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 40 من 45
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.