شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لا رأي لمن لا يطاع!!! (1)
نسب الصحافي عبد العزيز النفيدان إلى الأستاذ الغزاوي قوله: [إن الشاعر الشاعر.. لا يملك أن يصطنعَ الشعر اصطناعاً.. وإلا كان مزوراً وكذاباً ولا صحة لما كان يردده البعض من قولهم: "أعذب الشعر أكذبه.." فتلك إحدى أسباب النكبة الأخلاقية في عهود الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.. وإنما الشاعر من يضع يده على ما يرى ويسمع.. ويصفه للآخرين.. كما هو دون تزيد أو تنقص!! ولا بأس أن يتخيل ويجتذب.. ويطمح.. ويصلح ويكون داعية وسلام.. وتطور وتقدم..]
وقد رد عليه الغزاوي بقوله:-
.. وقد كنت أود أن أجعل عنوان كلمتي: "أما نشبه؟!" اقتداء بمن يتحرش به من هو أقوى منه.. ولا يجد سبيلاً للخلاص.. رغم حرصه على المودة ومسالمته ومجاملته!
ووقفت طويلاً.. أتأمل ما عناني به صديقي الأديب الناقد.. أو "الشاب الراصد" الأخ.. (عبد العزيز النقيدان) - بارك الله فيه.. وهدى به.. وأعانه على البر والتقوى.. وما استفزني فيه لأكتب أو أساهم فيما تدور فيه المعارك ويحمي الوطيس في الأوساط العربية جمعاء.. ما بين المحيط والخليج.. وما يرتفع به العجيج والضجيج.. بشأن (الشعر الحر) وماله أو عليه!
وأطرقت ملياً.. أفكر وأقدر.. وخرجت من استغراقي، وقد طويت أوراقي.. ومالك ومالهم؟.. وتصورت كيف أن بعض أهل الخير.. كانوا إذا مروا بمتخاصمين أو متلازمين.. في الشارع يتخانقان.. يتقدم إليهما في رفق وبراءة.. ليفرق بينهما نفرى الأوداج.. فإذا به يلاقي.. على حسن نيته وسلامة طويته.. وإخلاصه في (فرعته) لكمة من هذا.. وصدمة من ذاك.. ثم إذا به (خصم) لأحدهما - وقد تصدى له بما يكره.. ويشترك على الفور في العراك.. ويخرج إلى - التضميد.. أو التمريض.. ويشتم الساعة التي تعرض فيها لما لا يعنيه!! تذكرت هذا.. أو حجمت.. وترددت.. وهتف بي من وراء الغيب من يهيـب بي إلى (الكتابة) أياً ما كانت! وقلت: هذا غش.. هذا خداع.. وأين أنا من الفحول؟! أولئك الذين هاجت بهم أعصابهم.. وأخذوا يكيلون الضربات المؤلمة.. يميناً وشمالاً.. في غير رفق ولا هوادة.. ينعون على الشباب أو المجددين.. أو المعاصرين.. والمتطورين ميولهم المتهورة.. (كما يقولون).. إلى نبذ كل ما هو قديم.. من التراث.. الأدبي العظيم.. وجنوحهم إلى كل جديد.. كيفما هو؟!! وتقليدهم لكل ما يقذف به الغرب (المتمدين) المتسلط في عوالم المادة والمتحلل من كل القيود!! ويسخطون ويشخطون.. ويولولون.. ويحذرون!! وكأنما الشرر يتطاير من عيونهم.. والغيظ يتفطر من أكبادهم.. بينما ينظر إليهم الفريق الآخر - شزراً.. ويضمر لهم شراً.. ويسخر برجعيتهم.. وأنانيتهم.. وجمودهم.. وركودهم.. ويضرب بينهم بسور له باب.. (ظاهره فيه الرحمة - وباطنه من قبله العذاب)!!
ومرت ساعة أو أقل.. وأنا أضرب أخماساً لأسداس.. وأتحامى التورط فيما اختلف فيه الناس!! وأول ما تخطرته وضحكت منه أن انتهى بي هذا الزمان.. إلى أن أجرأ على المسابقة في هذا الميدان! وتزاحمت فيه وانطلقت أقدام وألسنة ذات أقدام وبيان.. وزاد من ضحكي.. هذا الأسلوب المسجوع.. وهو أصدى الأدلة القاطعة.. والبراهين الساطعة لأحد المتنازعين.. على أن الأذهان الحديثة المتجاوبة مع المجتمع العصري الجديد.. لا تهضم هذا التشقيق ولا ذلك التنميق.. وتأكد لي أن (الفرجة).. خير من (الدلجة)!! والوقوف على الشاطئ أسلم من "اللجة؟!! - وعاد الهاتف يصيح بي مرة أخرى.. لا لا.. هذا تخاذل وانهزام.. وليس الإدلاء بالآراء.. مع أدب المناظرة.. وإضرام المناظر مما يخشى منه.. وكدت أصغي لهذا النداء.. وزاد من إيحائه وسداده إنني - كما هو طبعي الذي فطرت عليه - سليم الصدر من كل حقد.. شديد الحرص على استبقاء الود.. شغوف بالاستفادة من كل ما أرى وأسمع.. سريع الفيأة إلى الحق.. غير مصر على خطأ.. ولا جامد على باطل.. وإنني سعيد أن أكون من دعاة جمع الشمل وإزالة الإحن.. وتقريب وجهات النظر بين (الأخوة والأصدقاء).. ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.. وعلى طريقتي في الحديث تناولت (القلم).. وها هو يضع النقط على الحروف.. في غير تكلف ولا عجرفة.. وكلي رجاء وأمل أن أوفق إلى "الكلم الطيب".. وأن تشفع لي النية الصالحة.. فيما لا سلامة منه من خطأ ابن آدم.. وحواء!!
وقبل كل شيء أريد أن يعلم القارئ..- وأحسبه عالماً بذلك من قبل ومن بعد - أنني خلو من كل ما هو (علم - أو فن) قديم أو حديث! وإنني لم أدرس شيئاً ظفرت فيه بشهادة كغيري في مجال الفخر والاعتزاز.. إلا ما أظنه مجرد تشجيع.. و (جبر خاطر) من ذوي المواهب المرموقة.. والمؤهلات التي تقوم على أساس قوي من الدرس والتعمق والأصالة والاستعداد.. وكثيراً ما قلت هذا في مناسبات شـتى، وما زلت أراني حيث بدأت محاولاتي لأكون كاتباً أو شاعراً منذ بهرتني أضواء الأدب.. إبان الطفولة.. والصبا.. وأياً كنا نتغنى به.. مترنحين!! ونندفع إليه مدنفين!! ونحسب أننا فيه من المفلحين..
وما هو بحاجة - أي القارئ - إلى أن أقول له.. لا يحق لمن لم يستكمل أجهزته وأرديته أن يطير أو يحلق مع الطير وهي صواف في جو السماء.. وقد أعياه أن يمشي الهوينى.. فوق الأرض التي منها خلق وإليها يعود.. فإن لم يصغ إلى هذه النصيحة.. فما يضير إلا نفسه وحسه ولا يجني على أحد غيره شاء ذلك أم أبى!!
وإلى هنا - مازلت أحاول أن أمهد للدخول في الموضوع الذي.. أتهيب المغامرة فيه.. رغم العزيمة التي تحدو بي إلى ذلك.. توخياً للإنصاف.. وتوقياً للإجحاف..
ومن هذه المحاولة.. رغبتي في التجرد من كل تأثير عاطفي.. وإذعاني للحقيقة.. وحدها خالصة من كل زيف وبهرج.. وتغلبي - على الحياء.. يصرخ بي.. من الجوانب الأربعة.. ومن الأفق الأعلى.. أن لا توغل.. و (عم وأحرس ثيابك!) فإنك ممن تمتد إليه أصابع الاتهام.. من كلا الخصمين.. هذا يقول: أنت هو الذي نقصد.. ونفند.. وذاك يقول بدوره: ما أعجب أن تجامل وتداهن، وتصانع.. وتهادن إلا فيما لا خيار فيه للمتقدم أو للمتأخر!! من قواعد العلم الثابتة.. الراسخة الأصول.. والجذور.. وما اصطلح عليه الشراح والنقاد منذ الأزمنة والعصور.. وهل تملك مع هذه السهام المسددة إليك من الجانبين أن تتقي النبال.. وتكسب الرهان.. وتسلم بجلدك من هذا النضال؟!!
وكان من جراء طلب أو الراضي (النقيدان) قيام هذه الحرب الشعواء بيني وبين نفسي.. وأكربني.. وآلمني مع الشكر لصداقته وحسن ظنه، ما تصببت له عرقاً ووجلاً وخجلاً.. من نعته إياي بأنني.. ولا من مراء من جهابذة العلماء!
وما أظن بين هذه البطحاء من هو أجهل مني.. بالعلم.. وبالأدب.. إلا مجرد التأسي.. والاقتداء وقديماً قال الشاعر: (إن التشبه (2) بالكرام فلاح)
وما ذلك من قبيل التواضع.. حاشا وكلا.. فإن المرء أعرف بنفسه من سواه.. ورحم الله امرءاً عرف مقدار نفسه.
فأما ما هو بيت القصيد في هذه الكلمة.. فأقول وبالله أستعين:
إن لكل فن ولكل علم حدوده وتعاريفه واصطلاحاته التي لا يختلف فيها اثنان. ولا تنتطح عنزان. ومنذ أكثر من ألف سنة أو تزيد كان للشعر ميزانه.. ومعاييره التي درج الشعراء على اتخاذها.. والاعتماد عليها.. ما خلا بعض الفترات.. التي أباح فيها بعضهم التجديد.. في حدود ضيقة.. لا تكاد تتمرد على الأساس.. ولا تنقضه من القدم إلى الرأس!! ولم ينح باللائمة على القدماء.. ولا تنكروا لهم فيما دونوه من مختلف الوجوه والأبواب.. وإنما تأثروا بصورهم وبيئاتهم.. وأحدثوا (الموشحات) المرقصة.. والمقطعات المرنحة.. ولم يؤخذ ذلك عليهم شذوذاً أو خروجاً.. طالما يجددون ولا يجمدون ولا يجحدون! وبقيت (جزيرة العرب) وما حولها من الأقطار محافظة على المأثور من أساليبها.. وطرائقها.. وعلائقها.. وصلاتها بأمهات العريقات.. من المعلقات والمذهبات.. والمنخلات.. وما إلى ذلك من الأسماء والمسميات.. حيث كانت الجزيرة نفسها كما كانت.. من حيث المشاهد والمناظر.. والطبائع والمنابر.. وبالهجرة والانتقال.. والاندماج والازدواج.. تطورت تدريجياً في اتجاهاتها الأدبية فهي في العراق غيرها في الشام.. وفي مصر.. غيرها في القيروان.. وفي الأندلس سواها في حضرموت ونجران وللأجواء والطقوس أثرهما الكبير في حياة الإنسان والحيوان! ومع ذلك ففي نفس الوقت الذي شاعت فيه الموشحات.. وبنات عمها وأخواتها من المحدثات.. كانت الأوزان والتفاعيل راجحة صادحة.. على كل لسان.. ومن كل قلب وجنان.. ومن شعر الأندلس العربي الفصيح المهذب.. المترف.. ما يهتز له العطف.. وتطرب له الآذان.. وكانوا على ما نعموا به من الشرف.. وبلغوا إليه من الحضارة.. وتذوقوه من أفاويق الرفاهية واستظلوا به من أزهار وأنهار ورياض وحياض.. يحنون إلى قلب الجزيرة ونجد والحجاز حنين الإبل إلى الأعطان.. وسبيلهم إلى الإجادة والتبريز أن يعارضوا شعراء العرب في طبقاتهم الأولى.. وأن يسلكوا طرائقهم.. حتى في حداء الركبان.. ووصف المناهل والغدران.. ومنابت العشب وملاعب الغزلان.. ولو ذهبنا نحصي ما دونه المؤرخون وأهل التراجم.. و (قلائد العقيان).. الأئمة من مهاجرة الفتوح.. وذوي الجاه والسلطان لوجدنا الطارئ عليهم من هذه المحدثات لا يساوي.. واحداً في الألف.. من كل ما انحدر إلينا منهم وتلقيناه عنهم.. عبر القرون الطويلة. المخصب منها والمجدب.. وكذلك هو الشأن في الحاضر بين الجديد والقديم.. وإلا يمنع الرديء الجيد من الذيوع والانتشار.. والثناء والإكبار.
ومن هذا يظهر للمنصف أن الفاكهة في الأغذية.. لا تغني عنها.. والجمع بينهما من دواعي الحمد والشكر.. وفي كل غذاء - ورداء.. والعبرة بما يروج ويشرى! أو يموج.. ويمرى!!
وإذا كان التماثل في أغراض الشعر مملاً.. فإن تجاهله وهدمه وردنه ورميه بكل النقائص مما يأباه الخلق الرفيع.. وما أتذكر أنني قرأت قط من كل من نوعوا وأبدعوا في القوافي المشارقة - والمغاربة تقريعاً أو تثريباً على السائرين في ظل أوزان الخليل بن أحمد ولكأنها من النصوص التي لا تقبل حتى التأويل!! في كل جيل وقبيل.. بل من عهد قابيل وهابيل.. إذا صح ما نسب إلى زمنهما من شعر لا أشك أنه منحول دخيل!!
إذن - لا مماراة ولا جدال في أن الآخرين.. لم يعفوا الأولين.. ولا كابروهم فيما أنتجوه من غث أو سمين.. وإنما أخذوا يزيدون من الثروة العامة في شتى الحقول والفصول والأقطار والأمصار حتى توفر لدينا هذا التراث الضخم.. وقد حفل بكل معجب ومطرب.. وشائق ورائق.. ولا أقول أنه خلا من الهنات.. ولا من المؤخذات! ولكنه استعصى على المحو.. وثبت للعواصف.. وبقي على الزمن.. ومثل لنا ما اختلجت به الصدور.. وخفقت به القلوب.. وقرت به الأبصار.. وكل ما اختار..
ونعود إلى هذه (الأكذوبة) الكبرى.. أو إلى هذا العراك الناشب بين القديم والجديد أو (المطلق.. والمقيد).. أو (العبد والحر..).. من الشعر المفترى عليه!!.. فماذا نرى؟ أرى فريقاً من الأدباء الكبار.. قد تأثروا كثيراً أو قليلاً بحرية العصر.. في الحياة الاجتماعية.. على الأقل.. فقاسوا ذلك على كل شيء وأخضعوا كل قديم لموازين النقد الحديث.. برغم اختلاف الظروف والبيئات والمثبطات.. والمنشطات.. وذلك هو التعسف.. أو التعصب.. أو الأعنات!!
وآخرون.. اعترفوا.. بذنوبهم.. أم أصروا عليها.. وقفوا حيث هم.. فلا يتقدمون ولا يتأخرون ولا يزيدون ولا ينقصون.. كل أثرهم في الأدب.. أن يقلدوا أو يعارضوا.. فلا هم من شعراء (النبط).. الذين يطرقون كل الأبواب وشتى المعاني.. ولا يعوزهم إلا أن يحيطوا علماً بالأوزان والتفاعيل.. ولا هم من شعراء الجاهلية أو صدر الإسلام.. أو المخضرمين.. وإنما هم عالة على من سبقهم من العباقرة والأفذاذ.. وما تكاد تقرأ لهم إلا المتهافت.. الممجوج.. إلا فيما نَذَرَ من فلتات كالبرق الوامض في ظلام الليل الحالك!!.. وحسبك أن النهضة الحديثة الأدبية .. إنما تعتبر بشعر (البارودي) الذي جاء معجزة في عصور الانحطاط.. وهو دون شك أول الشعراء العصريين.. الذين أعادوا للشعر العربي العريق أصالته وجزالتـه وجماله وجلاله.. وإن لم يتبطن.. أعماق الحضارة التي كانت في طريقها إلى الانتشار.. وقل لي بربك.. يا أخي، ماذا عليه أنه لم يفعل أو لم يقل ما حرمت منه أمته وبلاده؟! ألا تتذكر قول شاعرنا العربي القديم:-
ولو أن قومي أنطقتني رماحهم
نطقت ولكن الرماح أجرت
أن الشاعر الشاعر.. لا يملك أن يصطنع الشعر اصطناعاً.. وإلا كان مزوراً وكذاباً ولا صحة لما كان يردده البعض من قولهم "أعذب الشعر أكذبه..".. فتلك إحدى أسباب النكبة الأخلاقية في عهود الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.. وإنما الشاعر من يضع يده على ما يرى ويسمع.. ويصفه للآخرين.. كما هو دون تزيد أو تنقص!! ولا بأس أن يتخيل.. ويجتذب.. ويطمح.. ويصدح ويكون داعية خير وسلام.. وتطور وتقدم.. وكأنما قلبه الخافق وبصره الرامق.. وشعره الدافق.. مجمع.. لكل القلوب والأبصار.. ومنبر لكل صامت وناطق.. وإلا فليس هو من الشعر في شيء!! ولو تقمص الخليل بن أحمد.. وتصوب به الصيت أو تصعد!!
ومن هؤلاء.. من وقفوا شعرهم على الخرائب والأطلال.. والبكاء والأعوال.. أو على الاستجداء والسؤال.. أو التكفف والنوال.. ومنهم من استحوذ عليه الشيطان.. فلا يقول إلا هجراً.. ولا ينظم إلا خسراً.. قصاراه أن يصف الكأس والطاس.. ويقلد أبا نواس.. أو.. ليلة داعرة حمراء.. أو يقصر شِعره على التوافه.. طلباً للسلامة.. وفوزاً بالغنيمة والإياب..
ومن المجددين.. أو أصحاب الشعر الحر.. أو الجديد.. من لا يملك من وسائله إلا رص الكلمات.. من تحت إلى فوق، أو من فوق إلى تحت.. وهات يا شمس وخذ يا قمر!! وتخرج من (المولد.. بلا حصة.. أو بلا حمص).. وتخسر الدقائق والثواني التي سرقها منك في عبث يتعوذ منه إبليس وأولاده الشياطين..
والعدل يلزمنا أن لا نبخس الناس أشياءهم.. فكل ما جاء على أصله لا يسأل عنه.. من حيث التركيب والتكوين.. فكم في الشعر العربي القديم من أوصاف ونعوت يظنها المحدثون غير ذات بال.. وفاتهم أنها كانت عندما قيلت.. وفي أزمانهم.. كل شيء يهمهم.. في معاشهم.. وظعنهم وإقامتهم وحربهم وسلمهم.
أما اليوم.. فلا ريب.. أن ما تتمخض عنه تجارب الحياة.. بين الأرض والسماء.. وفي قيعان البحار.. وربما.. فوق متون الكواكب.. كما يقولون.. مجال واسع للتجاوب.. والانطلاق.. وكما هو الفرق عظيم بين السهم والوتر.. والقوس والنشاب.. وبين القنابل والصواريخ.. فإن النسبة نفسها متعينـة بين حاجـة الإنسان قبل القول الفصل والحكم العدل في ذلك.. الإنتاج.. الإنتاج.. الإنتاج.. وبغير ذلك لا يكون إلا اللجاج والارتاج!!..
هذا - وحسبي أن أنهي هذه الكلمة.. العجلى.. بخاتمة جامعة مانعة.. وهي أن الشعر العربي الأصيل بمقوماته الفنية وحدوده الوزنية لا يحول بين الشاعر وبين ما يعن له من خواطر ومشاعر مهما ضاقت أو اتسعت.. وكيفما أقبلت به أو أدبرت.. أو القافية.. على اشتراطها لا تعني التزامها حتماً - كألفية بن مالك.. وحتى هذه الألفية.. وهي مجرد نظم وتحديد علم.. لم تقيد بقافية واحدة.. فمن أجبل في اللام.. كانت له منادح أخرى في الصاد والراء والحاء والخاء..
ولا يجد ممن يكرهه على التزام حرف واحد وروي واحد.. إذا ضاق عن استيعاب معانيه.. فهو حر لا يقيده وزن ولا قافية.. وله أن يجعل من شعره مقطوعات مسدسة أو مربعة أو مثلثة.. أو أن يجعله (مثالث ومثاني).. كما هو معروف ومألوف لمن تتبع أطوار القوافي وتطورها في العصر الحديث.
وإنما الإشكال كل الإشكال.. فيمن لا يريدون إلا أن يختطوا للشعر طرقاً لم تعرف ولم تؤلف.. ويظنون أنهم بذلك قد حرروه من القيود.. وهم إنما يخدعون أنفسهم.. ولا يجدون لهم محيصاً من التعثر والتقهقر.. ولا (زبوناً).. يروجون عليه ما كسد من بضاعتهم.. فيصبون جام غضبهم على من لم يجن عليهم ذنباً ولم يقترف وزراً.
وهل يستطيع نفر قليل أن يجردوا مائة مليون من العرب من تقاليدهم وآدابهم.. وقوالبهم وأساليبهم.. وأن يزعموا أنهم بذلك يسهلون عليهم الفهم والإدراك.. وما زادوهم غير تخبيل؟!
ألا وأن التفرغ لهذه الضجة المفتعلة.. إنما يدل على انصرافنا عن اللباب إلى القشور.. أما اللباب فإنه العلم والتعمق فيه.. وأنه الاختراع وتأمين ما لا غنى عنه من سلاح وعتاد وغذاء وكساء ودواء وأنه الإنتاج الوفير.. وجماع ذلك كله.. عبادة الله جل وعلا كما أمر.. وكما أرشدنا إليه رسوله العربي الأمين صلى الله عليه وسلم .. وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.. والله لا يضيع أجر العاملين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :396  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 629 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.