شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يا حافظ يا حفيظ (1)
قرأت بإعجاب واهتمام كبيرين كلمة أخي وصديقي الشاعر والأديب الأستاذ عبد الله الغاطي بعنوان (هذه التاكسيات) في عدد يوم الجمعة الماضي وقد استهلها بالقسم و (نون والقلم) وصور في بيان ساحر ما يستهدف له ركاب السيارات في طريق جدة بالذات من خطر عظيم وقلق جسيم، واستطاع أن يعبر عما تجيش به الصدور والقلوب من مختلف الطبقات أولئك الذين اقتضت عليهم مصالحهم وضروراتهم أن يزرعوا هذا الطريق مرات في الأسبوع أو في اليوم الواحد حتى لكأنه أصبح شارعاًً متصلاً بين المدينتين فلا يكاد مرور السيارات ينقطع منه إلا فترات قصير جداً ثم هو ينطلق بها أو تنطلق به كالأسهم المارقة أو الأنهر الدافقة ما بين طلوع الشمس وبين غروبها دون توقف أو انقطاع وإذا أسدل الليل سدوله وأبصرت أرتالها لا تني ثانية واحد.. على طول 73 كيلاً (أو كيلومتراً لمن لا يرضى بالكيل) ذاهبة آتية.. ورأيت الأضواء المنبعثة من (عيونها) وكأنها أشعة الشمس وقد توسطت كبد السماء واستوت على عرشها في مسابح الفضاء وهناك تعشى الأبصار وتخفق قلوب وتتجاوب وساوس وتضطرب أعصاب وتتيقظ مخاوف ما كان لها من سبيل على الإنسان لولا أنها تصادف محلها من العقل السليم ولا يملك معها المرء إلا أن يعطيها حقها من الأهمية والخطر والتقدير.
ويتساءل الصديق (الغاطي) كيف يمكن تفادي هذا الخطر الذي يتهدد حياتنا جماعات وأفراداً بالموت المرير السريع؟ وهل في الموت (حلو يا صديقي)؟؟ ويعترف في نفس الوقت بما أتخذه رجال الأمن المحترفون وقلم المرور من تدابير وأسباب للحد من غلواء المتهورين ويشكر - وأشكر بدوري معه - كل ما قام به المسؤولون منهم في ذلك - إلا أنني وكثيرين غيري ممن يحسون إحساسه ويهتمون بهذه المشكلة اهتماماً يتصل بالحياة لا نستطيع أن نفهم كيف يكون للسير أمد محدود بالنظام ومقدر بالكيلو ثم يجسر أو يجرؤ كائن من كان على مخالفته جهاراً نهاراً، أو ليلاً ويلاً ولنفرض أن السيارات المسرعة خلت حتى من الرقم لتعرف.. أفلا يكون من الواجب ملاحقتها من خلفها ومن أمامها وعن أيمانها وشمائلها.. ومحاصرتهـا حيث كانت ثم جعلها وسائقها عبرة لمن يعتبر فتضب على جانبي الطريق وعليها لوحة بالخط الثلث إنها كانت تستهتر بالأرواح وتهتم بالانتحار وتستهين بالنظام ولهذا حرمت من الحركة شهراً وأخذ سائقها تحت طائلة العقاب.. لمدة شهر، فلا يؤذن له بالعودة إلى الحرفة حتى يتوب ويستغفر ويندم ويكفر أفلا يمكن أن يطبق هذا وأشد منه وقاية للحياة من الموت و (لا حذر من قدر) أو أخذا بالحزم واحتراماً للقانون وقبل ذلك وبعده عملا بقوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأيْدِكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (2) ..
لقد أدهشني وأستحوذ على تفكيري كله ما شهدته في طرق جدة من تسابق أو سباق أو مالا أدري ما هو إلا أنه (حبائل إبليس) أو (مداعبات عزرائيل) وآلمني وأزعجني أن لا يرتدع أو يردع المغامرون وأعياني أن أجد مبرراً لإلقاء الحبل على الغارب في أن تنطلق السيارات بأكثر من 40 إلى 50 كيلو متراً وأن يضاعف ذلك مرة أو مرتين وأن تجهر العيون وتبهر الأبصار هذه الأنوار الساطعة دون قفل أو إغلاق عند المواجهة مضافاً إلى ذلك اختلاس المرور اختلاساً في غير ما ضرورة أو موجب وأن أرى أيضاً سيارات تسير دون أضواء خلفية حتى لتكاد تصطدم من ورائها وهي في سيرها البطيء كالسلحفاة وأن لا يؤخذ على أولئك ولا هؤلاء؟ وأذكر في نفس الوقت أنني كنت استأجرت سيارة في إحدى البلدان الشقيقة قبل أكثر من ثلاثين عاماً فلما شارف السائق البلدة قبل الغروب وقف فجأة يستعطفني أن أرحمه فقلت: كيف ولماذا ؟ فقال إنني لا أحمل نوراً خلفياً وسأغرم نصف جنيه ذهباً في أول نقطة بوليسية أصل إليها فأنقذني؟ قلت لا بأس عليك ومشيت على قدمي أكثر من كيلو رغم أنه استوفى أجرتــه كاملة؟؟ ولكنه كان يحترم النظام؟؟ هذا ما ينبغي أن يهتم به ويتبادر إليه (قلم المرور) وأشهد أنه يقظ نشيط وأنه في تقدم مستمر وأن رجاله أكفاء وأنه غير مقصر ولا غافل وأرى أنه بسبيل الإصلاح والتطور كلما أمكنته الفرصة وساعدته القابلية ولكن من حق الجمهور عليه أو من حقه على الجمهور أن يتعاون معه على أداء واجبه كاملاً غير منقوص..
وهنا نتساءل أيضاً.. كم من الركاب استوقفوا السائق الأرعن في هذه النقاط أو المخافر الممتدة بين كل مسافة وأخرى. وأخذوا بتلابيبه إلى الجندي ليزجره أو ينهره أو يستوقفه؟ الحق يقال إنه لم يقع من ذلك شيء قط؟؟ وإن من الركاب ما لا يقلّ طيشاً وخفة واندفاعاً من السائق إن لم يشجعوه على السرعة ويحفزوه على الطيران فيجنون عليه وعلى أنفسهم دون أن يكون راضياً عنهم بذلك؟ فهل شكى سائق من ركابه الذين يكونون من هذا القبيل؟ الجواب في الحالتين: لا وإذن فلتكن لكل من الفريقين حريته في هـذا التهور المقلق الرهيب وليتخطف الموت ضحاياه من الأبرياء والأولاد والرجال والنساء وليقف الجميع أمام ذلك مبهوتين مذهولين وجلين غير شاكين ولا مشتكين ولترتفع أصوات النكير.. ولتتلاشى عبر الأثير؟ وليحوقل وليحسبل من يعلم ويوقن أن الأمم التي اصطنعت (هذه الآلة الصماء) أو هذا الجهاز من الكهرباء والتي يقوم عليها اقتصادها القومي العظيم قد أحصت بالشهر والسنة حوادث الصدام والانقلاب فما وجدت لها من سر ولا سبب إلا هذه (السرعة الجنونية) بنسبة ترتفع إلى (90٪) في أغلب الحالات؟ وما أكثر ما أوصى الخبراء ونصح العقلاء أن لا تزيد السرعة عن حد مقرر يمكن معه تفادي الخطر، وما أعجب أن يتحدى النظام من لا يحفل بوجوده ولا ما يجره على نفسه وعلى إخوانه المسلمين بانطلاقه وانسياقه.. ولو مع السلامة والقلق والانزعاج والمستشفى.. والعطل والضرر العظيمين فضلاً عن الثكل واليتم والترمل وناهيك بها فجائع وقوارع تصطك لها الأسنان وترتعد المفاصل وتتهدم البيوت وتستمر العبرات؟؟
إنني لا أريد أن نفعل شيئاً أكثر من اصطناع الحزم والدقة في احترام النظام وعدم الاستثناء فيه مطلقاً والضرب بيد من حديد على كل من لا يطيعه وينفذه ولو كان خالياً دون رقيب وأن يحمل على ذلك حملاً ويؤطر عليه أطراً ويقهر عليه قهراً كل من لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة، أن عدد السيارات يتعاظم ويرتفع يوماً بعد يوم وأن الطرق لتعج بها ذات اليمين وذات الشمال، وأن الحج وموسمه ليستدعيان استخدام أكبر عدد منها في النقل البشري وأن الطمع ليجر إلى الطبع وأن الحرص ليؤدي إلى الجشع وأن أثمن شيء لهو الحياة فهل لنا أن نتمثل الخطر الذي لا مفر منه إلا بالحزم، والحزم الساهر الدائب المتعقب؟؟
وبعد فإن (لقلم المرور) وحده بوسائله الفنية وتشكيلاته الإدارية أن يأخذ أهبته ويعبئ عدته لطمأنينة الركاب، وأن لا تقصر نظرته أو حيطته على مجرد حركة السير فقط.. فإن هناك ما هو أدق منها وأشد صلة بالسلامة.. ذلك هو (امتحان السائق) وصلاحه للسياقة صلاحاً لا محل للهوادة فيه أو الرعاية لغير الصفات التي لا تمنح الرخصة إلا بعد توفرها توافراً غير منقوص و (اختبار السيارة) قبل استخدامها اختباراً فنياً لا ترخص فيه ولا تخريص.. ثم تجريد حملات رتيبة تقتنص المخالفات والمخالفين وتمكن للنظام من الاحترام والهيبة والاعتبار ما يجعلها في حل من كل تبعة وفي راحة من كل تعقيب، فمن سمع وأطاع فقد وفى وتوفى ومن صم وعصى فماله إلا ما لأمثاله من التأديب والعصا، وما نقول ذلك قصد التجبر والتطاول على من هو جدير بالكرامة والتقدير فما ذلك من الحق والعدل في شيء ولكننا - وقد أقبل عيد (الفطر المبارك) ولابد فيه من تنقلات الناس للنزهة أو الزيارة أو الرياضة والاستجمام - وأزف موسم الحـج على الاقتراب أو هو حل - لا نملك أن نبخل بالنصيحة على إخواننا من الركاب والسائقين والمكلفين والمسؤولين ونجد الفرصة سانحة ليضاعفوا من نشاطهم ويواصلوا من سهرهم ويجعلوا السير معقولاً والسفر مقبولاً ويحدوا من الطيش والرعونة والاستهتار على أن لا يغيب عن أذهاننا جميعاً أن في ذلك (طاعة الله ورسوله) وإطاعة لولاة الأمور وأمن وسكينة للجميع دون تفريط واستثناء وإذا راعينا ضيق الشوارع القديمة واضطرار المشاة إلى قطعها عرضاً وطولاً ولا سيما في أيام الأعياد وموسم الحج وعصارى المباريات وقدرنا أحجام هذه (الأتوبيسات) وما تستوعبه من مساحة في الحركة والوقوف وما لا يزال محل المؤاخذة من اندفاع الركاب عند الدخول والخروج وما يعانيه الأطفال من الازدحام أو الاصطدام أو الارتكام فوق اللواري المكشوفة وبين أحشائها وعلى سطوحها وحول سلالمها نجد أن مهمة (قلم المرور) أوسع نطاقاً مما نحسب أو نظن وأن لكل ذلك علاجاً لابد من درسه واتخاذه، ولن يلقى المختصون أمامهم أي عقبة في سبيل الإصلاح بل على العكس يعينهم الله عليه ويشجعهم أصحاب الشأن ويجدون من حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية الأمير عبد الله الفيصل المعظم كل تأييد وتعضيد وهم مشكورون بما قدموا فيه ومطالبون بما يمكنهم أن يضيفوا إليه ولو لا أهمية الموضوع وخطره ما أسهبت فيه ولكنه جدير بأكثر من هذا فروعاً وأصولاً والله ولي المصلحين..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :372  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 647 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.