شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عيد الأضحى واعتدال الجو ونظافة الحج (1)
خير ما نبدأ به كلمتنا اليوم بمناسبة أداء فريضة الحج المقدسة قوله صلى الله عليه وسلم: اللَّهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار..
ذلك هو الدعاء الجامع الذي يتمثل فيه الخضوع والانكسار والأمل والإخلاص.. ولا ريب أنه السميع المجيب وهو الغفور الرحيم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اعتاد المطوفون وذوو العلاقة بالحجاج أن يعدو الأهبة للصعود إلى عرفات منذ أول يوم من أيام شهر الحجة فيقدمون قبلهم الخيام والخدم والأواني والأثقال اللازمة حيث تنصب السرادقات في المواضع المعروفة لديهم من ذلك المرتبع الفسيح يهيئون كل ما يؤمن رفاهية الحاج حين قدومه من مكة بعد يوم التروية. وبعد صلاة الظهر من اليوم السابع صعد الخطيب المنبر في المسجد الحرام وتلى الخطبة المسنونة في المناسك يوم التروية، واتجه الناس من مختلف الأجناس إلى منى مشاة وركباناً وعلى السيارات والدواب فمهم من أقام بمنى إلى عشية يوم الوقوف ومنهم من سبق، وكانت على جانبي الطريق كله مراكز صحية والمياه مستعدة لكل طارئ وطالب إلى عرفات.. والجميع يكبرون ويهللون ويلبون في كل مرقب ومهبط، وما أضحى نهار يوم التاسع من ذي الحجة حتى تكامل أغلب الحجاج وكان المنظر يأخذ بالأبصار لانتشار هذه الخلائق الكثيفة في تلك البقعة المترامية الأطراف وقد شكلت قباب الخيام هضاباً بيضاء أشرف عليها أعلام متلونة لإرشاد الحجاج إلى منازلهم الخاصة بهم. وكانت الحكومة قد أتخذت التدابير اللازمة فجعلت طرقاً مخصوصة لكل من الركاب في السيارات والركاب على الدواب والمشاة وأقامت موظفين منقطعين لهذا العمل يؤمنون انتظام السير من دون اختلاط أو ازعاج فلم يقع ولله الحمد أدنى حادث مكدر من هذه الناحية رغم الازدحام وكثرة النفوس.
ويلحظ المشرف على عرفات من سفح الأخشبين بعد الغروب منظراً جميلاً جداً للأنوار المضيئة في كل جانب في خطوط متناسقة فكأنما هو قادم على إحدى المدن العظيمة المنارة بالكهرباء لا على صحراء لم تكن قبل أيام سوى فدفد تنوح به الرياح.. والزائر للأسواق الكبرى التي تُرتّبُ في (عرفات) و (المزدلفة) و (منى) يأخذه العجب من سرعة تنظيمها وتحضير كافة ما يحتاجه الحاج من الحاجيات الضرورية والكمالية خلال مدة زهيدة.. ولا يكاد يختلف الثمن لها بين ما هو في العاصمة وبين ما هو في تلك الأسواق إلا بقدر ما تكلفه أجور الأحمال والنقل فقط وذلك من جملة الخدمات التي يقدمها أهل هذه البلاد للوافدين ابتغاء مرضاة الله واستعداداً لخدمة ضيوفه البررة..
وبعد الزوال خطب سماحة شيخ الإسلام ورئيس القضاة الشيخ عبد الله بن حسن في مسجد (نمرة) ووقف الحجاج في ثياب إحرامهم تحت الجبل يتقدمهم سيد العرب وحامي الإسلام جلالة الملك المصلح الكبير (عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل السعود) وآل بيته الأمراء العظام - وتعالت الأصوات بالتلبية والاستغفار، وخشعت القلوب وتهاوت الدموع واستوى على الأفئدة شعور قدسي أسبغته القدرة الإلهية على من كتب الله له الوقوف في ساحة عفوه وجوده وإحسانه.. قال تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فيِ الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يَأُوْليِ الأَلْبَابِ وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يباهي بأهل عرفات السماء فيقول: (انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً) فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو العزيز الحكيم..
ومما يذكر من نعم الله الشاملة في موقف هذا العام هدوء الجو واعتداله وجودة الهواء وانعدام الضجة، وعموم السكينة حتى شعر بهذه الخاصة فيه من اعتاد الحج منذ عهد بعيد. وقد اعتنت كل من إدارة الصحة العامة والإسعاف وأمانة العاصمة وإدارة الشرطة العامة بأداء الواجب المكلفة به كل مصلحة منها على أتمه، فكان ذلك داعياً للتنويه بما بذلته من الجهود وباعثاً على تقدير سهر رؤسائها وتيقظهم.
وقد كان الماء شافياً نميراً لا شح فيه وأجرة نقله رخيصة جداً.. وقد انتشر على طول الخط الذي أقيمت فيه فتحات السقيا للحجاج من أول حدود عرفات إلى نهاية دخوله في العاصمة جنود مختصون كلفتهم الحكومة بحراسة العين من الاغتسال فيها.. أو التقدير حولها وذلك عناية تستفتح الشكر والثناء من كل منصف.
وحينما غربت الشمس وارتفع صوت المؤذنين تحرك موكب جلالة الملك إلى المزدلفة تحفه الهيبة والوقار وسارت من خلفه جموع الموحدين كالسيل المنهمر على اختلاف المراكب والمطايا يهتفون بذكر الله ويرجون رحمته التي وعد الله بها عباده المؤمنين. وبات الجميع في المزدلفة عند المشعر الحرام إلا من كان له ثقل أو ضعفة أو نساء فقد تقدم بعد دخول الفجر الثاني إلى (منى) حيث أتخذ مقامه فيه، وفي الصباح نفر الحجاج كلهم إليها ورموا وحلقوا واتخذوا إلى أم القرى حيث طافوا وسعوا - وعادوا إلى رحالهم.. وفي يوم العيد الكبير كسى جلالة الملك الكعبة المشرفة كساء فاخراً ممتازاً جرى صنعه في العاصمة كالمعتاد وكان مطرزاً بالآيات القرآنية المكتوبة بالقصب الذهبي اللامع.. وتلك هي المآثرة العظيمة التي هيأ لجلالته شرف الانفراد بها والسبق إليها وإعدادها من ماله الخاص في بلاده وبأيدي رعاياه المخلصين وبعد أن أتم جلالته النسك عاد إلى منى غدوة يوم العيد - وفي الصباح الباكر من اليوم الثاني غصت الساحات الملكية الرحيبة بأعيان الوافدين وزعمائهم وبكبار الحجاج وعلمائهم وبرجال الدولة وأشراف البلاد، اكتظ الديوان الملكي العالي على سعته بالمهنئين وكان جلالته - كعادته الجميلة - يحدث الجميع بلسان طلق وقول فصل وحكمة عالية.
وتقدم كاتب هذا المقال حينئذ فاستأذن جلالته وألقى قصيدته التي استوحاها ساعة الوقوف في عرفات: وهي المنشورة في غير هذا المكان، وألقى أيضاً حضرة الأستاذ الشيخ عبد الظاهر أبو السمح قصيدة عصماء وهكذا استمر الاستقبال متصلاً إلى قرب صلاة الظهر - وكان المسلّمون يتوجهون بعد الفراغ من مراسم التبريك لدى صاحب الجلالة - إلى سرادق حضرة صاحب السمو الملكي النائب العام لجلالة الملك نجله المحبوب الأمير فيصل المعظم ثم إلى سرادقات الأمراء أخوة وأنجال جلالته فيقدمون واجب التهاني بهذا العيد الأكبر..
وما كادت الشمس تزول يوم الثاني عشر - حتى اتصلت العاصمة بمنى بأفواج الحجاج الذين غادروها بعد رمي الجمرات الأخيرة - وسالت بأعناق المطي الأباطح..
والآن بعد أن ألممنا بطرف من حركة الحج والمناسك - ننتهز فرصة اجتماع إخواننا المسلمين الذين وافوا هذا الموسم من جميع أطراف الأرض وأقاصي المعمورة، والذين من بنهم من سيعود إلى بلاده على حدود الأطلسي في المغرب الأقصى - وعلى أسوار الصين في المشرق، فنناشدهم الله ثم الإسلام أن يؤدوا الأمانة إلى أهلهم وجيرتهم ومواطنيهم كما شاهدت أعينهم وسمعت آذنهم واستشعرت أفئدتهم من الخبر الملموس والتحول المحسوس في حاضر هذه البلاد التي منّ الله عليها بأعظم ملك غمر في قلبه الإسلام، وأرّقَ جفنه السهد في سبيل إحياء مجده القديم، يتحدثون إليهم عن الأمر المنبسط في هذه المملكة الشاسعة عن حب الملك لكل مسلم مخلص لدينه، عن ديمقراطيته الصحيحة الإسلامية، عن العدل الشامل، عن طرق المواصلات ووسائلها، عن استعداد الأمة والحكومة معاً لخدمتهم، عن إفك المتهكمين ومكابرة المعاندين، عن الذين حاولوا النّيْل من هذه البلاد وأهلها وحكومتها في سبيل المآرب والأهواء فخيب الله ظنهم وحبط سعيهم، وأن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب..
أيها المسلمون - إنكم لمسؤولون يوم الحساب إن لم تبلغوا قومكم هذه الحقائق السافرة وما أسمعكم سيد العرب ومعجزة الإسلام في خطابه الجامع ليلة المأدبة الملكية للعامة ونحن - ولا كفران للنعمة ولا نبغي من وراء ذلك التحفيض إلا أن نرفه عنكم، ونخفف وطأة الأفّاكين عليكم، وأن ننصح لكم - والدين النصيحة - بأن الحج لم يزل يتلاشى عدد قصاده في غير سبب إلا التهويش والتشويش ممن جرد الله قلوبهم عن التقوى وقد قال صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل أن عبداً صححت له جسمه ووسعت له في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ لمحروم) وإلا الانصراف عنه إلى ما هو أدنى من أسباب اللهو والغفلة والاستدراج.. وإن منكم لرجالاً لا يخشون في الله لومة لائم، أولئك هم الذين يعوّلُ عليهم في استنهاض أمم الإسلام لنصرة دينهم وأداء فريضتهم وتأييد حرمهم ومناصرة قبلتهم وإبلاغ صوت الأخوة والرأفة والإخلاص والحب في الله من جوار بيته الحرام إلى كل بقعة يرتفع فيها النداء وتقام فيها الصلوات الخمس والله شهيد على ما نقول وهو حسبنا ونعم الوكيل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :353  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 624 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج